«العنف الاقتصادي» سيطرة استغلال.. ومصادرةمستوى الحريات الشخصية!!

«العنف الاقتصادي» سيطرة استغلال.. ومصادرةمستوى الحريات الشخصية!!

مال واعمال

السبت، ١٦ فبراير ٢٠١٩

لمى علي:
برغم أن مصطلح «العنف الاقتصادي» غير متداول في مجتمعنا السوري بشكل كبير، إلا أن مظاهره وأشكاله منتشرة بشكل واضح بين الناس من دون تسمية محددة لها، تلك المظاهر يظنها البعض أنها مجرد خلافات أسرية يجب ألا تظهر للعلن، وأن حساسية الموضوع المالي لا يمكن أن تصل إلى مرحلة تقديم شكوى على أب أو أم، زوج أو أخ، قام بالتضييق اقتصادياً على الطرف الآخر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتالياً لم تصل إلى المحاكم السورية دعاوى متعلقة بالعنف الاقتصادي إلا فيما يخص الإرث والنفقة، مع إن القانون شرّع مواد تحكم في ذلك.
وبما أن أشكال العنف لابد أن تكون مرتبطة ببعضها، فإن سماع هذا المصطلح يأخذنا فوراً إلى مفهوم القوي والضعيف، وفي المجتمعات التي توصف بالذكورية، مجرد كلمة عنف تعني أنه واقع من الرجل على المرأة، وبرغم أن هذه الفكرة صحيحة بالعموم، إلا أنها غير دقيقة تماماً، فهناك الكثير من أنواع العنف الاقتصادي التي تقع على الرجل أيضاً سواء من رجل أو امرأة، لكن، وبكل وضوح، فإن أغلبية العنف الاقتصادي يقع فعلاً على المرأة لأسباب اجتماعية كثيرة.
«تشرين» تناولت موضوع العنف الاقتصادي في العلاقات الأسرية، من عدة جوانب، من خلال التعرف على بعض الحالات من أرض الواقع، واستعرضت الجوانب العلمية للظاهرة، اجتماعياً ونفسياً وقانونياً.
 
رصد حالات
«تشرين» توصلت إلى عدد من الحالات التي تتعرض للعنف الاقتصادي وتحدثت عنها، إلا أن حساسية الموضوع جعلتنا نخفي الأسماء الحقيقية بناء على طلب أصحابها.
إحدى الحالات قالت: والدتي هي المسيطرة على مصادر دخل الأسرة، لما لديها من حب السيطرة وإلغاء للطرف الآخر، وبكل صراحة لا أشعر تجاهها بأي عاطفة بسبب ما كنت أعانيه منها، فوالدي رجل متعلم ومثقف ومسالم جداً، وللأسف استغلت أمي هذه الصفات الجيدة، وسيطرت على مرتبه وكل مصادر دخله سيطرة كاملة وألغت شخصيته بشكل كامل، وكانت تصرف على المنزل بـ «القطارة»، وامتدت سيطرتها لتشمل مرتبي الشهري أنا أيضاً حين توظفت، ولم تكن تعطيني سوى أجرة المواصلات، بل وأحياناً تختصر منها، أما حاجاتي كشابة وموظفة عليها أن تظهر أمام الناس بمظهر لائق، فكنت أحصل على بعض منها بالترجي والتذلل. وتضيف: بعد زواجي من شخص ميسور، انقلبت أموري تماماً، واتجهت وبكل صراحة نحو التبذير والمبالغة بأسلوب العيش المرفه، لأنني لن أُعرض أولادي لما تعرضت له من أمي، لكنني أعترف أنني أثرت فيهم بشكل سلبي، وما عادوا يقدِّرون قيمة الأشياء، لأن كل ما يطلبونه يحضر فوراً.
حالة أخرى وقع عليها عنف اقتصادي مردّه العادات والتقاليد لدى بعض المجتمعات الأقل وعياً، والتي لا تقيم وزناً للأنثى وحياتها ومتطلباتها، حتى لو حصلت على أعلى الشهادات ونالت أعلى المراتب والمناصب، فهي بنظرهم بلا حقوق، وعليها إيفاء دين معيشتها في بيت ذويها، تقول: والدي رجل ميسور الحال جداً، لكنه كان يرغمنا أنا وشقيقاتي كلما حصلت واحدة منّا على وظيفة على طلب قروض يأخذها هو، وما يتبقى من الراتب يتم تسليمه له أول الشهر، وهذا يستمر حتى نتزوج، وما يقوم به – في رأيه – هو سداد دين إقامتنا وتعليمنا خلال السنوات السابقة، ولا يكتفي بهذا، بل كان يطلب قسماً من مقدم الزواج له شخصياً ويعدّه حقاً من حقوقه. وتختم بحسرة: أما إخوتي الذكور، فبفضل القروض التي حصلنا عليها أنا وشقيقاتي، وبفضل تعبنا ورواتبنا، تزوجوا، وبنوا منازل، واستقروا على حساب الظلم الذي تعرضنا له من والدي ومنهم.
عنف مباشر وغير مباشر
من الجانب النفسي أوضح كنان العقاد (اختصاصي علم نفس عيادي) أن العنف الاقتصادي أو العنف المالي هو شكل من الأشكال الكثيرة للعنف، وقد يقع على الجميع، لكنه يقع بالذات على الأطفال والنساء، ويمكن تعريفه بأنه كل ما يتم القيام به لإفقاد شخص ما حريته وقدرته على اتخاذ القرار فيما يخص الجانب الاقتصادي في حياة الشخص، بحيث يبقى تابعاً لغيره، وهذا الأمر يأخذ أشكالاً عدّة حسب المجتمع ومستوى التعليم والوعي، فمن الممكن أن يكون على شكل منع الشخص من العمل كي لا يحصل على المال، أو منعه من فرص التدريب كي لا يستفيد منها وتؤدي إلى حصوله على دخل، أو حرمانه من التعليم، ومن أشكاله أيضاً السماح لشخص ما بالعمل بغية الاستيلاء على مرتبه (زوجة – أخت – ابنة)، وهذا يحدث في البيئات الأضعف، ولاسيما الريفية الأكثر فقراً، إضافة إلى استغلال بعض الثغرات في القوانين للاستيلاء على حقوق الآخرين، مثل إشكاليات الميراث الكثيرة.
وتابع العقاد، إن العنف الاقتصادي قد يكون مباشراً أو غير مباشر، والنوع المباشر كالأمثلة التي ذكرناها سابقاً (الاستيلاء على المرتب، والاستيلاء على الحقوق)، أما غير المباشر كالذي يحدث في المجتمعات الريفية، مثل العمل في الزراعة وتربية الحيوانات، وعدّ هذا على أنه الدور الطبيعي للمرأة، وفي هذا سيطرة على وقتها وجهدها من دون مقابل، كذلك تهديد الزوجة بالطرد من المنزل، والحرمان من المصروف، والتوقف عن الإنفاق على الأبناء، كل ذلك عنف اقتصادي، فالأشخاص الذين لا يمتلكون موارد مالية يكونون بحالة ضعف دائم، ومعرضون للعنف بشكل أكبر.
وأوضح العقاد، أنه من أشكال العنف الاقتصادي أيضاً الإساءة النفسية التي يتقصدها البعض تجاه زوجاتهم، كالمعاملة السيئة للزوجة لأنها لا تمتلك موارد مالية، وتبرير معاملتها بشكل سيئ للسبب ذاته، موضحاً أنه حتى الزوجة التي تمتلك موارد مالية قد يقع عليها عنف اقتصادي، كالاستيلاء مثلاً على البطاقة المصرفية – إن وجدت – والتصرف بما تمتلكه الزوجة من دون العودة إليها أو استئذانها تحت ذريعة الزواج أو الحب أو وحدة الحال، أو الاستدانة المتكررة من الزوجة وعدم تسديد الدَين، أو إلزام الزوجة بتسديد فواتير المنزل المختلفة، يضاف إلى ذلك حين يكون لدى الزوج تهوّر مالي، أو عادات سيئة مثل الإدمان على المسكرات أو لعب الميسر أو غيرها من الأمور التي تستهلك موارد الأسرة، التي يطلب من أجلها الأموال من زوجته.
وبيّن الاختصاصي كنان أن العنف الاقتصادي يكون في بعض الأحيان أعمق وأكبر من العنف الفردي، فيكون موجهاً من مجتمع كامل تجاه أحد مكوناته، وغالباً تجاه المرأة، ويتجلى هذا العنف الجماعي بمواضيع كثيرة كالحرمان من الميراث، والحرمان من التملك. ولا يتوقف العنف الاقتصادي – بحسب العقاد– عند هذا الحد، بل يمتد أحياناً إلى بيئة العمل، ويتجلى بالتمييز في فرص العمل ونظام الترقية والأجور.
مقومات علاقات الأسرة
الاختصاصية الاجتماعية مي برقاوي أوضحت أن العنف على أساس مادي أو اقتصادي في العلاقات الأسرية، تتشابك وتتداخل في صلبه عوامل كثيرة مثل حجم الأسرة، والمستوى التعليمي، والمستوى الثقافي، وبالطبع الدخل، وأن عدد أفراد الأسرة الكبير والمتزايد بشكل عشوائي، مع تدني مستوى الدخل والمستوى التعليمي وقلة الوعي والجهل بأمور الحياة وحاجات الأبناء، كل هذا يجعل الأبوين غير قادرين على تأمين الحاجات الأساسية ولو في الحد الأدنى، وتالياً هذا يؤدي إلى تزايد الضغوط الحياتية عليهما، التي ستؤدي حتماً إلى الشجار والمشاحنات والتعنيف الجسدي والنفسي، وللهروب من المسؤولية، يكون الطلاق الذي نتيجته تفكك الأسرة.
وتضيف برقاوي: نتيجة هذا التفكك يغرق الأولاد في منزلق الانحرافات، فالذكور يصبحون موضع استغلال لعمالة الأطفال والمراهقين، والإناث عرضة للانحرافات القيمية في سبيل تحقيق احتياجاتهن للتشبه بفتيات العائلات الثرية، ويضاف إلى كل ما سبق حرمان أسري، وحرمان عاطفي، وإحباط، وغيرة، وشعور بالدونية، حيث إن كل ما يحيط بهم يهدد أمنهم وسلامهم ومستقبلهم.
وأشارت البرقاوي إلى أن العنف في العلاقات الأسرية على أساس اقتصادي قد يتولد – في كثير من الحالات – من ضعف الوعي بثقافة التدبير، وتنظيم مصروف الأسرة، وعدم إشراك الأولاد في هذا التدبير الذي ستكون نتيجته إشراكهم بالمسؤولية تجاه أسرهم، وأن ذوي الدخل المحدود، ومنذ مرحلة الطفولة المبكرة، وبسبب غياب الوعي، يقعون في مشكلة مقارنة أنفسهم بغيرهم من أبناء الميسورين، ويدخلون في كثير من الأحيان بصراع معهم، فيفتعلون المشاحنات حتى ضمن الأسرة وينقلونها إلى أي تجمع مع أقرانهم في الحي، في الشارع، في المدرسة، وفي الأماكن العامة.
وأكدت الاختصاصية برقاوي أن هذا العنف لا يقتصر على البيئات الفقيرة فقط، بل هو موجود أيضاً في بعض الأسر الميسورة التي يبالغ فيها الوالدان – وغالباً ما يكون ربّ الأسرة – في التدبير وكنز الأموال لدرجة مرضيّة، وتالياً يتسبب في حرمان عائلته من حياة كريمة بأساليب قسرية عنيفة، فتتولد لدى الأسرة مشاعر سلبية تجاهه؛ كره وسخط ومشاحنات واقتتال، وانتظار موته.
أما الحل، فهو في رأي برقاوي موجود بيد الأسرة، وقالت: إن لها الدور الأكبر في تكريس القيم والمفاهيم الجيدة بالمحاكاة والحوار، فالمحاكاة أسلوب إنساني يؤثر في مشاعر الفرد أياً كان صغيراً أم كبيراً، وهي تؤدي إلى توجهه نحو الإيجابية في التفكير، وتمثّل السلوك الإيجابي لحياة طبيعية، وبالطبع فإن المدرسة تعد داعماً أساسياً للأسرة من خلال المناهج والأنشطة التي تُكسب الطلبة مفهوم التعاطف بدلاً من العنف، والإحساس بالآخرين الضعفاء، ولاسيما من أنهكتهم ظروف تفوق تحملهم وإرادتهم، إضافة إلى تكريس الشعور بأهمية التكافل الاجتماعي الذي حثت عليه الأديان والأعراف المجتمعية. وختمت برقاوي بالتأكيد على أنه إذا كان الوضع الاقتصادي مقوماً مهماً في بناء الأسرة ونموها وسلامها، فإن الوعي والمحبة والسلام أساس لكل ذلك.
المرأة المعنفة اقتصادياً
ركزت أماني قبيطري (اختصاصية في الصحة النفسية) على العنف الاقتصادي ضد المرأة، مؤكدة أنه ظاهرة شائعة في العديد من المجتمعات، وهذه الظاهرة متشعبة ولها العديد من العوامل، كما لها العديد من النتائج على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.
وتُعرِّف العنف الاقتصادي ضد المرأة بأنه: شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفيه يتم توجيه الإساءة إلى المرأة إما بالحرمان من فرص العمل أو بالحرمان من التملك أو بالحرمان من الترقية الوظيفية، وذلك على أساس أفكار اجتماعية عن الدور الاجتماعي المتوقع من المرأة، وهناك ما يسمى العنف المالي ضد المرأة، وفيه حرمان المرأة من التصرف بمالها الخاص كالميراث أو الراتب أو أي مصدر مالي متاح للمرأة.
وأضافت قبيطري: إن العنف الاقتصادي ضد المرأة هو ظاهرة معقدة العوامل، ولا يمكن الحديث عن عنف اقتصادي بمعزل عن العنف اللفظي والجسدي، فمن النادر وجود شكل واحد للعنف ضد المرأة، ويمكن فهم هذه الظاهرة من منظور بيئي شامل يأخذ بالحسبان البنية النفسية للمرأة المعنّفة والعلاقات البين شخصية مع الآخرين والأفكار الاجتماعية والعادات والتقاليد، فعلى صعيد البنية النفسية؛ فإن عدم القدرة على وضع حدود شخصية واضحة ومميزة في العلاقة مع الآخرين لدى المعنفات هو أحد العوامل المؤهبة لقبول العنف، يضاف إليه أنه غالباً ما يكون توكيد الذات ضعيفاً لدى المرأة فيصعب عليها أن تقول (لا) أو أن توافق موافقة واعية على خيارات العمل المتاحة لها، وفي هذه الحالة لا تدافع المرأة عن ميراثها أو فرصتها في الترقي الوظيفي.
ومن جهة أخرى قد يكون لدى المرأة المعنفة توكيد ذات قوي لكن تنقصها المهارات الوظيفية أو المؤهل العلمي، وفي هذه الحالة تضطر للعمل في مستويات جائرة بحكم أن المجهود البدني غالباً ما يكون أقل أجراً من المجهود الفكري، والبنية النفسية للمرأة المعنفة لا تقتصر على المرأة نفسها، بل تتأثر بالعلاقات البينشخصية أي العلاقات الاجتماعية ضمن أسرتها والوسط الاجتماعي المحيط، فقد تتعرض المرأة للعنف الأسري في طفولتها، أو قد تشاهد نماذج للعنف الأسري من خلال تعنيف نساء حولها كالأم أو القريبات، وهنا تترسخ في ذهن المرأة أن التعرض للضرب أو الحرمان من التملك أو التعرض للإهانة أمر اعتيادي أو حقيقة واقعية مفروضة، وتالياً فإن العديد من الأفكار اللاعقلانية غير الصحيّة تترسخ ضمن الخبرات الشخصية للمرأة مهيئة أرضية لإدراك أحداث العنف الاقتصادي ضد المرأة على أنها أمور مقبولة.
مقترحات عملية
أوضحت الاختصاصية أماني أن الموروث الاجتماعي يعدّ داعماً للعنف الاقتصادي ضد المرأة مثل أن خروج المرأة للعمل يسبب انحرافها، أو أن عمل المرأة رفاهية، أو أن مصير الشهادات العلمية التي تحصل عليها هو المطبخ.. هذا النوع من الأفكار الاجتماعية المغلوطة يقلل من عدّ المرأة وحدة إنتاج اقتصادي في المجتمع، كما أنه يشكل الأساس في حرمان المرأة من فرص التعليم العالي والذي يعد حالياً شرطاً أساسياً للتوظيف، وإن كان هذا النوع من حالات العنف ضد المرأة غير ملاحظ في المدن بشكل واضح، فعلينا النظر إلى الأرياف البعيدة وإلى حالات الزواج المبكر الذي يحرم المرأة من فرص التعليم العالي وتالياً من فرص العمل اللاحق ويغلق في وجهها فرص إثبات ذاتها في ميدان العمل وفي المشاركة في الحياة الاجتماعية على حد سواء.
ومن المقترحات لعلاج ظاهرة العنف الاقتصادي ضد المرأة حسب رأي قبيطري هو تمكين المرأة بشكل أساس على الصعيد النفسي، بحيث تكون على وعي كاف بحقوقها وواجباتها وتعزيز قدرتها سواء من حيث الحصول على المؤهل العلمي أو من حيث ممارسة العمل في مجالات وظيفية متنوعة، إضافة إلى تدريبها على امتلاك المهارات اللازمة لدعم مسارها الوظيفي، ولاسيما اللغات الأجنبية ومهارات التواصل وغير ذلك، ويناط هذا الدور في جانب منه إلى عمل مؤسسات المجتمع الأهلي.
ومن جهة أخرى، تقع على الإعلام مسؤولية تغيير الموروث الاجتماعي غير الصحي، وتالياً لابدّ من تكريس نماذج للمرأة العاملة كما يجب أن تكون من حيث توازن دورها الاجتماعي ومشاركتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وختمت: يبقى المجتمع هو المسؤول الأكبر عن الحد من العنف الاقتصادي ضد المرأة من خلال ممارسة عملية الضبط الاجتماعي على حالات العنف بشكل عام، وحالات الحرمان الاقتصادي للمرأة بشكل خاص فكل منا معنيّ بما يشاهده من عنف أسري في محيطه ليبادر في الحد من ظواهره، وعبر ذلك تتم معالجة كل حالة من حالات العنف في سياقها وبالشكل الأنسب لها.
وجهة نظر القانون
الحقوقية هديل العقرباني (ماجستير في القانون والإدارة) أشارت إلى أن أكثر الظواهر التي تمثل العنف الاقتصادي في المجتمع السوري هي استيلاء الأب أو الأم على مهر الفتاة عند الزواج، ولاسيما أن الكثير من الفتيات لا يعلمن أن المهر من حقهن، وظاهرة إجبار الأطفال على ترك التعليم ودفعهم للعمل بغية الاستيلاء على ما يحصلون عليه من مال، والتحكم بتزويج الأخت أو البنت فلا يتم تزويجها إلا بعد أن تتنازل عن حقها بالتركة، واستيلاء أحد الزوجين على مرتب الآخر، أو الاستيلاء على مرتب البنت أو الابن من الأب أو الأم، إلى جانب عمل المرأة في الأرياف في المنزل وفي الأرض الزراعية من دون مقابل.
وبينت العقرباني أن المشكلة الأساسية في هذا الموضوع عدم وجود قانون أسري في سورية يحكم العلاقات الأسرية ومن ضمنها الجانب الاقتصادي، وإنما يقتصر قانون الأحوال الشخصية على المواد التي تحدد علاقات الخطبة والزواج والطلاق والنفقة وغيرها، وتالياً يجب الاتجاه إلى وضع قانون أسرة، كما هو الحال في بعض البلدان العربية التي تعمل على مثل هذا القانون، ومن خلال تطبيقه سيتم التحكم بالعلاقات الاقتصادية والحد من وجود عنف اقتصادي وغيره من أنواع العنف، وأضافت: مع الإشارة إلى وجود مادة – قد تكون الوحيدة – في قانون العقوبات، التي تعدّ مؤيداً قانونياً قابل للتطبيق للحد من العنف الاقتصادي، وهي المادة 487 التي تنص على (أن الأب والأم اللذين يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي أو غير الشرعي أو ولد تبنياه سواء رفضا تنفيذ موجب الإعالة الذي يقع على عاتقهما أو أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة أشهر على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز المئة ليرة)، وبرغم أن العقوبة قليلة وخاصة الغرامة إلا أنه يمكن من خلالها إلزام الناس بالقاعدة القانونية لتخفيف التعنيف الاقتصادي على الأولاد.
من جانب آخر أوضحت العقرباني أن حالات التبليغ أو الشكاوى على وجود عنف داخل الأسرة قليلة بشكل عام، وتكاد تكون معدومة فيما يخص العنف الاقتصادي، فلا يوجد من يتقدم بشكوى على أخيه أو أبيه أنه يستولي على مرتبه مثلاً، ولاسيما أن القانون لم ينص على مثل هذه الحالات، وهذا يعني أن المشكلة لاتزال تحت الغطاء، وعدم وجود مؤشرات وأرقام وضرر واضح يجعل المشرع لا يفكر بسن قانون مرتبط بذلك، ولكشف المشكلة أكثر يجب توعية المجتمع ولاسيما من خلال الإعلام بالإضاءة على مثل هذه النقاط الموجودة بشكل كبير التي يعيشها الكثير من الناس لكن أغلبهم لا يعرفون أنها انتهاك لحقوقهم، بالإضافة إلى ضرورة وجود قانون أسري يوضح حدود العلاقة داخل الأسرة والذي سيفيد بشكل كبير مستقبلاً في التخفيف من حالات العنف الاقتصادية وغيرها.