المؤسسات المصرفية “تنام” على فوائض سيولة هائلة..

المؤسسات المصرفية “تنام” على فوائض سيولة هائلة..

مال واعمال

الاثنين، ٩ يوليو ٢٠١٨

يعوّل كثيراً على القطاع المصرفي في دعم وتحريك العجلة التنموية والإنتاجية، وفي تنشيط الحركة الاستثمارية، لما للتمويل من دور مفصلي في الاستثمار والتنمية كونه عصب الاقتصاد، وركيزة الإنتاج، ومفتاح الاستثمار، ويأخذ هذا الدور بعداً أكبر وأشمل وأعمق في ظل الظروف الراهنة، والآثار الاقتصادية الناتجة عن الحرب الكونية على قطرنا، ويرى الكثير من أهل الخبرة والاختصاص أن لدى القطاع المصرفي “كلمة المرور” للدخول إلى الميدان الاستثماري والتنموي والإنتاجي، ومن خلاله تكون صافرة الانطلاق للقاطرة الاستثمارية والتنموية، بما تتطلبه التنمية من طاقات، وقدرات، وإمكانات، وخبرات بكل أشكالها وأنماطها، ومن الطبيعي أن تضطلع المصارف بدور محوري في الخطط، والبرامج، والمشروعات الاستثمارية والتنموية، ما يجعل توسيع مساهمتها التنموية أولوية غير مسبوقة للتغلب على الصعاب التي يجري تداولها، ومنها إيجاد معالجة مقترحة للقروض المتعثرة، ودعم تمويل المشروعات التنموية، والصناعات الزراعية التصديرية، وتخطّي العقبات والتحديات التي تعترض التمويل.
سيولة مصرفية
ومن القضايا المطروحة ضرورة تصنيف القروض المتعثرة من حيث فترة التمويل، ومحددات المشروع والتمويل بشروط ميسرة، مع تعميم تجربة المدن الصناعية بما يخص الرهن، وما نستشفّه بوضوح من المعنيين في اثنين من أهم مصارفنا العامة الكبيرة ممن تسنى لنا اللقاء معهما، بأن السيولة المصرفية كبيرة وقادرة، والملاءة عالية، بما يتيح تغطية تمويل المشروعات أياً كان حجمها عندما تكون أضابيرها مستكملة تماماً، وبعد أن يضمن المصرف حقه بضمانات كاملة، وهذا التأكيد المصرفي غاية في الأهمية والقيمة والدلالة، لأنه يحمل طمأنة مصرفية كبيرة بما يخص السيولة التي تشكّل العصب الضروري لحركة النشاط التنموي، والاقتصادي، والاستثماري، وهذا يتضح في سياق تحقيقنا تالياً، وما تحدث به القائمون على إدارة العمل المصرفي في المصرف التجاري السوري، والمصرف الزراعي التعاوني.
جاهزية عالية
يطمئن مدير عام المصرف التجاري السوري فراس سلمان الذي تسنّى لنا لقاؤه في اللاذقية مؤخراً على هامش مشاركته في مؤتمر حول الاستثمارات في المنطقة الساحلية، بأن المصرف التجاري السوري لديه جاهزية عالية لتمويل المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية والإنتاجية، وأكد أن السيولة الموجودة في المصرف التجاري كبيرة، وبملاءة عالية تمكّن من الإقراض لدعم العملية الإنتاجية والاستثمارية، وأوضح سلمان أنه من خلال دراسة متأنية ومعمّقة ومتكاملة للسوق السورية، ولاحتياجات القطاع الاقتصادي في سورية، يمكن توظيف هذه الأموال في مجالات إنتاجية متعددة، بما يساهم في دعم العملية الإنتاجية، ونهضة السوق السورية وتنشيطها.
وبيّن مدير عام المصرف التجاري السوري بأن الإضبارة المصرفية ليست روتينية مطلقاً، ولكن هناك إجراءات يتخذها المصرف، وأيضاً من واجب المستثمر المقترض أن يقدّم ما يثبت حجم استثماره من مستندات، ووثائق، ودراسات جدوى حقيقية وكاملة، ومن حق المصرف عندما لا تكون الدراسات والمستندات كاملة أن يطلب المزيد من المستندات للتحقق من إمكانية منح التمويل المطلوب.
التنمية أولوية تمويلية
ولدى الاستيضاح من مدير عام المصرف الزراعي التعاوني إبراهيم زيدان عن مدى وحجم مساهمة المصرف الزراعي في دعم وتمويل مستلزمات العملية الزراعية، واحتياجاتها، ومشروعاتها، فقد أكد جهوزية المصرف التامة والمستمرة لتمويل أي مشروع إنتاجي يساهم في التنمية، موضحاً أن منتجات وخدمات المصرف تصبّ في دعم التنمية الزراعية، وبتمويل يغطي أي مشروع مهما كان مكلفاً طالما يساهم مساهمة فعلية ومباشرة في التنمية، حسب معطيات دراسة جدواه الاقتصادية، ووفقاً للتدفقات النقدية للمشروع، وبعد ثبوت وتوثيق ضمانة حق المصرف، وبيّن زيدان أن احتساب التكاليف الإنتاجية يتم بدقة من خلال اعتماد الكلفة السوقية للمستلزمات والاحتياجات بأسعار استرشادية، بأكثر من مصدر لتحديد الأسعار والتكاليف الفعلية الواقعية التي يتم الاستناد إليها في تمويل المشروع.
جاهزية تمويلية
وجاءت طمأنة زيدان كبيرة وقوية لدى سؤاله عن السيولة لدى المصرف الزراعي، مؤكداً أن السيولة متوفرة في المصرف، وتمكّنه من تمويل جميع مستلزمات الإنتاج الزراعي، وبما يغطي الاحتياجات التمويلية للمشروعات الإنتاجية، أياً كان سقف تمويلها، طالما أنها تحقق الجدوى الاقتصادية، وتقدم ضمانة تكفل حق المصرف، وتساهم في تنمية الإنتاج الزراعي، ما من شأنه تحقيق التوسع النوعي والكمي في القاعدة الإنتاجية عبر دعم تمويل مستلزمات، ومشروعات، ومنشآت الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وأوضح بأن خطة المصرف هدفها بالأساس وأولويتها تمويل كل احتياجات العملية الزراعية، ولأي منتج زراعي، ولا يقتصر التمويل- حسب زيدان- على العملية الإنتاجية، بل يشمل التصنيع الزراعي بتمويل أية منشأة تصنّع المنتجات الزراعية كمنشآت تصنيع الألبان والأجبان، والأعلاف، ومعاصر الزيتون، وكافة المعامل والخطوط الإنتاجية التي تستهدف تصنيع المنتج الزراعي، وتحقق مساهمة واضحة في التنمية، وأوضح زيدان بأن تمويل المنشآت الزراعية في المساحات ذات الملكية على الشيوع ممكن، ولا مشكلة تعيق الإقراض في الملكية على الشيوع، وذلك بعد تقديم الفلاح ضمانة عقارية تكفل حق المصرف، حيث يتم رهن الأسهم في الملكية على الشيوع، ويتم قبولها ورهنها كضمانة لحق المصرف.
التمويل أولوية مطروحة
تعددت المشروعات المقترحة من اللجنة الزراعية الفرعية في اللاذقية لتطوير مؤشرات الإنتاج نوعاً وكماً، وتحسين مردود وغلّة المزارع، وعلى رأس هذه الأولويات وفي مقدمتها تأمين التمويل الضروري للانطلاق بهذه المشروعات التي تغطي القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، بما ينعكس إيجاباً على الواقع الاقتصادي للمزارعين من خلال خطط ومشاريع زراعية، وإعطاء قروض تشجيعية تمكنهم من تنفيذها، ومن هذه المشروعات شبكات الري الحديث، والزراعات المحمية، والمنشآت الإنتاجية، والتوضيب والفرز، والتعبئة والتغليف، ومراوح لكسر الصقيع، لاسيما أن هناك عدة تحديات تواجه الإنتاج الزراعي، وتحدّ من مؤشرات الجدوى التي ينتظرها المزارع المنتج، ومنها التحديات المناخية، والاقتصادية، والارتفاع المضاعف المتلاحق في التكاليف الإنتاجية في ظل اختناقات حادة في تسويق وتصريف المنتج الزراعي.
تمكين المزارع وضمان المردود
هذا يجعل الحاجة أشدّ، والضرورة أكبر للإسراع في دعم تمويل المزارعين لتمكينهم من تخطّي مجمل ما يلاقونه من صعوبات تعترضهم، وفي الوقت نفسه تتسبب هذه العقبات في تدني الكفاءة الإنتاجية، والمواصفة النوعية في وحدة المساحة جراء عدم قدرة المزارع على تغطية مستلزمات وتكاليف الإنتاج، وهذا يضع تمويل العملية الإنتاجية أولوية مطلقة من خلال قروض ميسرة تمكّن المزارع- على سبيل المثال- من شراء مراوح لكسر الصقيع، والتخفيف من ضرره، ودعم الفرز والتوضيب، ودعم برنامج الوقاية ومكافحة الآفات، وتمويل احتياجات ومستلزمات العملية الإنتاجية، وتفعيل صندوق التأمين على ممتلكات الثروة الحيوانية، وتشجيع إنشاء وحدات منتجات للألبان لضمان استمرار العملية التسويقية، وتشجيع تربية النحل بما يعطي قيمة مضافة للإنتاج الزراعي.
تحريك عجلة المشروعات
مما لا شك فيه أن تحريك دوران عجلة المشروعات السياحية المتوقفة والمتعثرة يحتاج أكثر ما يحتاج إلى معالجة عقبة تعذر تمويلها من قبل أصحابها، أو الجهات المصرفية المختلفة، وهذا التحريك الموصوف بأنه مشغول عليه يأتي ضمن رؤية تطويرية أشارت إليها وزارة السياحة من  خلال شراكات بين القطاع العام والخاص، أو ما بين فعاليات القطاع الخاص نفسها لتخطّي المعيقات، وفي مقدمتها المشكلة التمويلية، وصولاً إلى شراكات تنهض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، انطلاقاً من أن القطاع السياحي قطاع اقتصادي تنموي، ما يحتم الإسراع في دعم المشروعات الصغيرة، لأن هناك إجراءات تتعلق بالتمويل، والترخيص، والتأمين، وهناك قوانين مصرفية، ومن الضرورة العمل من خلالها بمنظومة متكاملة، مع الأخذ بالاهتمام أن منطقة المشروع السياحي تشهد تنمية نتيجة استثماره وتشغيله، ومن الضروري التشبيك التشاركي،  وصولاً إلى مشروعات صغيرة مولّدة لفرص العمل.
دليل عمل مصرفي
وعلى خط مواز للتمويل التنموي نجد أن القروض المتعثّرة تشغل حيّزاً من الاهتمام والمعالجة، وأنه- بحسب الاختصاصيين- لأجل تحصيل حقوق المصارف من المقترضين المتعثرين، تضطر المصارف لشراء المشاريع المتعثرة، ما يولّد مشكلة جديرة بالاهتمام والعلاج، حيث يصعب استثمار هذه المشاريع والضمانات المتعلقة بها، مع صعوبة حمايتها والحفاظ عليها من جهة، وتأثيرها الكبير على نسب السيولة في المصارف من جهة ثانية، وبالتالي هناك من يقترح أنه يمكن منح المصارف صفة التنفيذ المباشر على العقارات المعروضة للبيع لتجاوز المعوقات الإجرائية، أو التفعيل السريع للمحاكم المصرفية، أما فيما يخص معالجة قضية تباين طرق احتساب الفوائد بين المصارف، وتباين تفسير التعليمات بين مختلف  المصارف، فيعتبر البعض أن الضرورة تقتضي توحيد التعليمات، ووضع دليل تنفيذ موحد، وفيما يخص تأمين السيولة اللازمة لعمل المصارف، هناك من يقترح فتح حسابات وسيطة بين المصارف العاملة للاستفادة من فائض السيولة المتاحة.
تدوير عجلة الإنتاج
وفيما يتصل بإعادة التمويل بالنسبة للمشاريع الممولة بالاقتراض، وهي قيد الإنجاز، وثبت التعثر بسبب الحرب، فيمكن تسوية القرض المتعثر بشروط ميسرة، أو تجميد الوضع الائتماني للمستثمر، وإعادة تمويل المشروع وفق شروط ميسرة أيضاً، أما المشاريع الجاهزة فيعاد تمويل رأس المال العامل بعد تسوية القرض المتعثر، وتكون الشروط الميسرة شروطاً متناسبة مع حالة وآثار الحرب العدوانية الظالمة، كما تضمن إعادة تدوير عجلة الإنتاج، ما يساهم في زيادة الناتج الإجمالي المحلي وهذا بدوره يعزز استقرار صرف الليرة، ما يؤدي إلى ضبط التضخم، واستقرار الأسعار، ما يعزز القوة الشرائية، ويخفف العبء عن كاهل المواطن، مع التأكيد على أهمية الاستفادة من توفر السيولة اللازمة لدى المصارف في دعم القطاعات المستهدفة كالصناعات الزراعية التصديرية، وإيجاد آلية لإدارة العقارات التي آلت ملكيتها الى المصارف العامة.
فوائد القروض الإنتاجية
ومن الجدير بالاهتمام أن نشير بوضوح إلى ما أوصى به ملتقى رجال الأعمال حول  “المحفّزات الاستثمارية في سورية ما بعد الحرب”، والذي انعقد مؤخراً في محافظة اللاذقية، حيث أكد الملتقى على ضرورة الإسراع بدراسة ملفات القروض المتعثرة، وإيجاد الآلية لإعادة إقراض المتعاملين المتعثّرين، وتخفيض فوائد قروض المشاريع الإنتاجية، وتطوير النظام الضريبي ليكون أكثر عدالة ومرونة، وتشجيع تأسيس الشركات المساهمة العامة، ومشاريع التطوير العقاري، وتم التأكيد على ضرورة تأسيس صندوق للتأمين على مختلف أنواع الكوارث، بما فيها الأخطار التي تقع على المنتج الزراعي من خلال هيئة الإشراف على التأمين، مع التوسع بنشر الوعي التأميني.
مروان حويجة