السعادة وهم أم حقيقة

السعادة وهم أم حقيقة

الأزمنة

الأحد، ٩ أغسطس ٢٠٠٩

غالباً ما نسعى ونهرول طالبين السعادة، لكن هل فكر أحدنا ترى ما هي السعادة وهل هي وهم أم حقيقة وهل ترافقنا أينما اتجهنا لكننا لا نشعر بها؟ بل هناك سؤال آخر محيِّر يطرحه كل فرد منا عندما يقول: لماذا تكون لحظات السعادة قليلة بينما لحظات الألم والحزن تطول فتصبح اللحظة ساعات واليوم أياماً؟ أم ترى هل يختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر، بمعنى أن ما يسعدني يحزن غيري؟

أسئلة كثيرة يمكن أن تدور بالبال بمجرد لفظنا لمفهوم أو مصطلح السعادة وسأحاول الإجابة على بعضها علني أصل والقارئ الكريم إلى سعادة هي بين يدينا لكننا نجهل الاحتفاء بها.

والآن لو أردت اتباع منهجي المعتاد في تعريف المفردة التي هي موضوع البحث لوجدت أن السعادة هي أكثر بكثير مما يستطيع أن يصفه مقال، بعض الناس يصفون السعادة بأنها الإحساس الذي نشعر به عندما ندرك أن كل شيء صحيح أو كما يجب أن يكون من وجهة نظر العموم وليس من الوجهة الشخصية، والبعض يعرّفون السعادة على أنها الإحساس الذي نشعر به عندما نحقق أهدافنا والبعض الآخر يعرّفون السعادة على أنها لحظة الحصول على السلام الداخلي والرضا.

 

ما هي السعادة؟

الحقيقة، إنني ترددت كثيراً قبل الخوض في هذا الموضوع الإشكالي لدرجة انعدام تعريف شامل أو متفق عليه لهذا المصطلح، لكن ما دفعني لكتابة الموضوع هو سعادتي عندما سمعت أن ابنتي البكر غادردينيا نجحت في الشهادة الإعدادية أو كما أسموها مؤخراً شهادة التعليم الأساسي، لا فرق لأن المشكلة واحدة وهي عدم جدوى وجود هذه الشهادة، لكن شعور السعادة ما لبث أن فرَّ هارباً عندما علمت أنها لم تتمكن من الحصول على العلامة التامة، والجيد بالنسبة لي ولمعظم الأهل أصبح أمراً غير مقبول، وهنا تأملت أيام الدراسة التي شاركتها بها وكيف ضِعت في زحمة المنهاج المحدد تماماً كما تهت عندما كنت في مثل عمرها، وكانت النتيجة أن لحظة سماعي النتيجة هي الشعور الذي كنت أبحث عنه وأنني ضيعته في التفاصيل التي أصبحت العبء الذي يثقل كاهل الأهل قبل الطالب، التفوق جميل لكن إذا كان في مكان محدد الاتجاه، لكن أن أنجح وأتفوق وأنسى كل ما سبق وحفظته فهذه هي الكارثة التي لم يدركها بعد القيّمون على وضع مناهجنا التعليمية وعدم ربط هذه المناهج بالحياة العملية.

المهم أن السعادة موجودة بين أيدينا وهي تاج غير مرئي وفي اللحظة التي نفقد بها هذا التاج نشعر بأننا ضيعناه أو فقدناه دون وجه حق أو دون أن نستمتع به.

أو قد تكون السعادة هي اللحظة التي تأتي بعد الألم أو بعد الأيام والسنين العصيبة، وهنا تكون نشوة الشعور بالسعادة وصلت ذروتها، وهذا ما يؤكده الفيلسوف الشهير نيتشه حين يقول: إن البؤس والألم والشقاء تجارب لابد من أن يمر بها الإنسان لكي يعرف معنى السعادة ويتذوق طعمها فعن طريق الألم يصل الإنسان إلى الحرية.

 

هل نقضي العمر بحثاً عن السعادة؟

قد تكون عملية البحث عن السعادة شراً لابد منه تماماً كما الزواج، فعندما تربط علاقة عاطفية حبيباً وحبيبة تكون غاية سعادتهما الوصول إلى الزواج وبعد المشكلات التي تواجه حياتهما الزوجية ينسى الحبيبان سعادتهما التي كان أساسها الحب ويعيش الاثنان في دوامة البحث عن لحظات سعادة يقتنصانها من زحام المشكلات، والسعادة تشبه إلى حد كبير الحالة السابقة فالإنسان قد يقضي عمره بحثاً عن السعادة وما إن يتلمّسها حتى يشعر أنه بحاجة إلى سعادة البحث عن طريق آخر يقتنصها من خلال سعادته المنشودة، قد يستغرب القارئ أن أشبه بين الزواج والسعادة وبين السعادة والشر، وأسارع هنا لإزالة الاستغراب بالقول عندما يتزوج شاب وفتاة يقال لقد دخلا قفص الزوجية والبعض يصفه بالقفص الذهبي، لكن هذا القفص ما يلبث أن يتحول إلى سجن حقيقي إذا لم يستمر الزوجان بالبحث عن أسباب السعادة الزوجية وتجديدها، والسعادة عندما نصل إليها نسكنها للحظات أو حتى لأيام لكن سرعان ما نتململ منها ونشعر بأننا أسرى لها إلى أن نعاود البحث عن أهداف أخرى تجعلنا نجدد حتمية السعادة، أما الشر والسعادة فهذه جدلية تسير بنا إلى المجهول، فالشر أن نقضي العمر بحثاً عن السعادة وهي بين أيدينا وهي شر لأننا إذا لم نبحث عنها ونسعى إليها ينقضي بنا العمر دون أن نصل إلى لذة السعادة، وكلمة لذة هنا تصل بنا إلى إشكالية أخرى تحمل عنوان:

 

السعادة هل نبلغها بالعقل أم باللذة؟

مع أنني درست مادة الفلسفة لسنة واحدة فقط بعدها تخصصت في ميدان علم الاجتماع إلا أنني أجد نفسي قريبة جداً من الفلسفة ومتأثرة بشكل كبير بالمقولات الفلسفية، ولنترجم علاقة اللذة بالعقل وكلاهما بالسعادة لابد من التعرف على بعض الآراء الفلسفية في هذا الخصوص حيث يعتبر أبيقور أن اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها فهي الخير الأول ومعيار الخير، فاللذة عنده هي شرط الخير والخير شرط السعادة لكن بالتوازي اللذة هي الخير وهي السعادة بما أنها طبيعية في الإنسان لكن عندما يعتبر أبيقور أن اللذة هي الخير لا يجعل من اللذة غاية كل فعل أخلاقي، فنحن لا نبحث عن اللذة إلا لندفع الألم لذلك فالسعادة عند أبيقور لا ترتبط باللذة الحسية فحسب وإنما تقتضي الحكمة التي توجهنا في إشباع اللذات.

 

الحكمة واللذة هما طريق للسعادة

أما موقف روسو الذي يعتبر أن الحياة دون ألم لا تستحق أن تعاش إذ هي البؤس عينه، ذلك أن الإنسان رغبة وإذا أقصينا كل رغباته عبر إشباعها ينتفي الإنسان وينطفئ، ولا مجال عندها للحديث عن سعادة، فإن يُشبع الإنسان كل رغباته هو أن يكون بلا رغبة، أن يعيش دون أمل، دون هدف، وبالتالي يفقد الوجود الإنساني كل معنى، بل يفقد نكهته، ذلك أن الوجود الإنساني عند روسو هو مجاهدة ومكابدة، هو نضال من أجل الأمل، فشل في تحقيق أمل وتحقيق أمل وإنتاج أمل جديد.

إن السعادة كما يعرّفها "كانط" هي حالة كائن عاقل تجري كل الأمور طيلة حياته وفقاً لمبتغاه ولإرادته.

 

السعادة ترافقنا أينما اتجهنا

إذاً السعادة غاية نبتغي الوصول إليها جميعاً، وحسب آراء الفلاسفة هي تحرير الرغبة وفق ارتباطها بالعقل لكي لا يتحول أي فعل مرتبط بتحقيق اللذة إلى فعل حيواني أو غريزي، وعليه فإن الفروق الفردية هنا تلعب الدور الأكبر في تعبيرنا عن السعادة أو شعورنا بها أو مقاربتها، وهذه ترتبط بالحياة وما توفره الحياة من رغبات هي في أصلها أهداف إنسانية على شكل متوالية هندسية كل ما تحقق هدف نسعد لإنجازه ونبحث عن مصدر آخر للسعادة عبر أهداف متعددة ومختلفة. لذلك قد يكون من الصعب تحديد مفهوم السعادة لأنها تتعلق بخصوصية كل واحد منا.

بجميع الأحوال السعادة جميلة جداً وهي معنا ترافقنا في جميع لحظات وجودنا البشري لكن علينا أن نعيش ونحيا تفاصيلها لنجعلها الأساس ونحول الحزن إلى تفاصيل يمكن أن ننساها مع مرور الوقت، وأعود هنا إلى رأي "كانط" فالإرادة هي الأساس وهي من يجعلنا نغلّب السعادة على التعاسة فهل نمتلك الإرادة لنجعل أيامنا أكثر سعادة؟

ميساء نعامة