من الدفاتر القديمة لإذاعة دمشق - الإذاعة الوطنية- الحلقة الثانية

من الدفاتر القديمة لإذاعة دمشق - الإذاعة الوطنية- الحلقة الثانية

ثقافة

السبت، ١٨ أبريل ٢٠١٥

شمس الدين العجلاني
انطلقت الإذاعة الرسمية السورية عقب جلاء المستعمر الفرنسي عن بلادنا عام 1946 م، وكانت انطلاقتها بمناسبة عزيزة غالية على قلوب السوريين ألا وهي مناسبة عيد الجلاء الأول.
انطلقت الإذاعة بخطوات خجولة، وبعد محاولات عدة لإثبات الوجود وبجهود أناس مخلصين أثمرت وأعطت إذاعة وطنية لها مكانتها ودورها في المنطقة.‏
كانت تبث ساعتين متواصلتين فقط يومياً ومن ثم أصبحت ست ساعات يومياً، وكانت تعمل بقوة (5، 7) كيلو واط على الموجـات القصيـرة وتتبع إدارياً إلى مديرية البريد والبرق والهاتف، وتشغل غرفة واحدة في مبنى البريد، ومع ضعف الإمكانيات آنذاك استطاعت إذاعة دمشق أن تنقل خارجياً احتفالات عيد الجلاء الأول في 17 نيسان عام 1946 م.
قفزت إذاعة دمشق بخطواتٍ كبيرة وسريعة وتوسعت وتطورت، وأضحت الوسيلة الإعلامية الأولى في البلاد آنذاك، يتجمهر الناس على الراديو في " المقاهي " لمتابعة الأخبار والأغاني، فلم يكن بدمشق في الأربعينيات من القرن سوى عشرين جهاز راديو.
الإذاعة الوطنية 1946 م:
اعتبرت الجهات المعنية بسورية أن تأسيس الإذاعة السورية كان عام 1946 م بعد خروج آخر جندي محتل عن بلادنا، وكان أول مقر لهذه الإذاعة في منزل استُأجر في أحد أبنية دمشق في منطقة الحبوبي الرابع أو ساحة النجمة في قلب العاصمة دمشق ليكون مقراً لإذاعة دمشق، ومن ثم خصصت مصلحة البريد غرفة في مقرها للإذاعة، وفي الرابع من شباط عام 1947 م انتقل مقر الإذاعة السورية من مصلحة البريد إلى مبنى كبير ومستقل لها في ساحة السبع بحرات بدمشق " وهو موجود حتى الآن " مؤلف من ثلاثة طوابق، وهو أول مبنى خاص للإذاعة السورية. في هذا المبنى تطور عمل الإذاعة بشكل ملحوظ فأنشئ ضمنه استديو خاص للأخبار السياسية واستديو ثانٍ للتمثيليات الإذاعية والموسيقا.
بالعودة إلى الدفاتر القديمة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، يذكر أنه في السابع عشر من نيسان عام 1946 تأسست أول إذاعة عربية سورية، وافتُـتحت يوم الجلاء باحتفالات أقيمت لهذه المناسبة، واستمر البث ست ساعات متواصلة، وكانت تعمل هذه الإذاعة بقوة (5، 7) كيلو واط على الموجـات القصيـرة، أما استديو البث فقد كان عبارة عن غرفة من دائرة مصلحة البريد، وكانت هذه الإذاعة تابعة إدارياً إلى مديرية البريد والبرق والهاتف..
كان أول نقل إذاعي خارجي.. يوم 17 نيسان عام 1946، وبطرق بدائية صعبة وشاقة تتطلب جهداً كبيراً من قبل الفنيين لعدم توافر الأجهزة الحديثة، وكان الاحتفال في شارع شكري القوتلي ولم تكن هنالك تقنيات تساعد في أداء مهمة النقل فتم استعارة سيارة شحن من أحد المواطنين ووقف على ظهرها المذيع يحيى الشهابي كي يشاهد العرض وينقل وقائعه للمستمعين.
استمرت الإذاعة السورية في بث الأخبار وبرامجها بعد ذلك من دون أن يكون لها نظام ثابت في البث سوى المناسبات وكلها وطنية وقومية، وفي عام 1947 بدأت الإذاعة تبث في أوقات محددة وبحدود اثنتي عشرة ساعة تقريباً.
بدأت أول فترة بث ثابتة في الإذاعة السورية فـي أول شهر رمضان بعد الجلاء، حيث بثت يومياً ساعتين متواصلتين برامج رمضانية بمناسبة شهر رمضان.
في هذه الفترة أُنشئت موجة متوسطة قوتها (5) كيلو واط بالإضافة إلى الموجات القصيرة، أما نشرات الأخبار فقد كانت خمس نشرات موزعة على مدار اليوم وكانت تؤخذ عن النشرات الأجنبية في الراديو وتُـترجم إلى العربية ثم تُـذاع، وأصبحت ساعات البث اليومية اثنتي عشرة ساعة وُزعت على فترتين، أما من الناحية الإدارية فقد بقيت هذه الإذاعة تابعة إدارياً إلى مؤسسة البرق والبريد والهاتف في كل شيء.
استطاعت إذاعة دمشق منذ بداياتها أن تواكب الأحداث العامة في الوطن العربي، والتعبير عن أحوال الناس ومعيشتهم وطرح مختلف القضايا الاجتماعية بأسلوب طريف، من خلال أعمال درامية "تمثيليات" ساهم في تقديمها عدد من الفنانين الرواد منهم، حكمت محسن، أنور البابا، تيسير السعدي وفهد كعيكاتي، وتعد الفنانة هدى الشعراوي أول صوت إذاعي نسائي في إذاعة دمشق.
يسجل للإعلامي يحيى الشهابي إنه أول صوت انطلق من إذاعة دمشق يعلن عن مولد إذاعة دمشق، حين افتتح الإذاعة قائلاً: "أيها الشعب الكريم، يا شعب البطولات والتضحية، هذه إذاعتكم، إذاعة الجمهورية السورية من دمشق، إذاعة القومية العربية، إذاعة كل العرب، تنقل صوتها إليك في أعيادك، الإذاعة السورية في دمشق تتحدث إليك" وبهذا سجل الشهابي في تاريخ الإذاعة السورية أنه أول صوت إذاعي في إذاعة دمشق الوطنية، وكان الشهابي أول من أعلن استقلال سورية من الإذاعة وأول من سمي مديراً لبرامج الإذاعة وهو من قام بالتغطية الإذاعية لأول عرض عسكري بعد جلاء المستعمر الفرنسي عام 1946 م.
وفي عام 1950 م نُقل مقر الإذاعة إلى شارع النصر، وهو بناء أثري قديم لم يزل قائماً إلى الآن وهو تابع إلى وزارة الإعلام بعد أن نقل مقر الإذاعة إلى مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين.
 واستقدمت لها أجهزة إرسال أقوى، وأنشئت عدة محطات في بعض المحافظات وكان الأمير يحيى الشهابي حينذاك مديراً لها وكانت البرامج تبث على فترتين.
وتعتبر الإذاعة السورية هي ثاني إذاعة تأسست في الوطن العربي بعد إذاعة صوت العرب من القاهرة.
البث الإذاعي في الخمسينيات من القرن الماضي:
في عام 1950 انتقلت الإذاعة إلى مبنى خاص في شارع النصر واستقدمت لها أجهزة إرسال أقوى وتم إنشاء أربعة استديوهات مع تجهيزاتها، وأنشئت عدة محطات في بعض المحافظات وكان يحيى الشهابي حينذاك مديراً لها، وفي زمن إدارته للإذاعة فتحت أبوابها للمواهب الإذاعية، فكان منهم بهجت العلبي والفني الذي أصبح ملحناً غالب طيفور، صباح قباني، توفيق حسن، خلدون المالح، فؤاد شحادة، عبد الهادي مبارك، سهيل الصغير، سامي جانو، كما عمل فيها عصام حماد " 1925-2006- شاعر وكاتب وإعلامي فلسطيني " وزوجته فاطمة موسى البديري (فلسطينية 1923-2009) وعواطف الحفار وسعدي بصوص..
كان أول صوت نسائي انطلق من الإذاعة هو للمذيعة عبلة أيوب الخوري وهي ابنة أخ فارس الخوري من قرية كفير حاصبيا في لبنان، حين انتسبت إلى إذاعة دمشق في بداياتها، وظلت تعمل بالإذاعة السورية مدة تسع سنوات وانتقلت بعدها إلى إذاعة لبنان في بيروت، وعن عملها في إذاعة دمشق تقول عبلة: " أنا وصلت بنفسي عن طريق إعلان عن إذاعة دمشق يقول: إن الإذاعة تطلب مذيعات ومذيعين، مذيعات للمرة الأولى في تاريخ سورية. ولم ينته المذيع من إعلانه حتى كان تصميمي قد أصبح نهائياً. فقصدت منزل نشأت التغلبي الذي كان مديراً للإذاعة. وكنت لم أزل مجلّلةً بالسواد حداداً على زوجي. وعرّفت عن نفسي بقولي «عبلة الأسعد» وكان يعرف من أنا عن طريق شقيقته. سألته عن شروط المباراة فأجابني أن يتقن المرشّح العربية وأن يلمّ بلغة أجنبية. ولكنه عندما عرف أنني أريد أن أرشّح نفسي قام عن كرسيّه والذهول يغطّي محيّاه وقال: «غير معقول. أنتِ… أنتِ…؟ أرجوك، هذا عالم بعيد عنك…» ولكنه رضخ أخيراً أمام إصراري وقبل بإجراء التجربة. وفي استوديو إذاعة دمشق، كان عليّ أن أقرأ مقطعاً من صحيفة، وكان نشأت التغلبي والأمير يحيى الشهابي خارج الاستديو يراقبان. ونجحت التجربة. وبقيت في إذاعة دمشق تسع سنوات مذيعة لنشرات الأخبار – صحيفة السفير بتاريخ 16/05/1990 ".
لقد قفزت الإذاعة السورية خلال هذه الفترة قفزة مهمة حتى أُطلق عليها تسمية الإذاعة الكبرى، فلأول مرة بعد الاستقلال تنشئ الدولة موجة متوسطة قوتها خمسون كيلو واطاً في الصبورة غرب مدينة دمشق، وقد غطت هذه الموجة المناطق الجنوبية والوسطى في سورية مع فلسطين والأردن ومصر ومناطق أخرى، وكانت بمثابة ثورة في عالم الإذاعات آنذاك.. إلى جانب هذه الموجة أُنشئت موجة متوسطة ثانية في سراقب جنوبي مدينة حلب قوتها عشرون كيلو واطاً لتغطية المناطق الشمالية في البلاد، وقد خصصت الإذاعة بعض برامجها ناطقةً باللغتين الفرنسية والإنكليزية.
يقول أحمد عسة مدير الإذاعة في افتتاحية العدد الأول من مجلة "الإذاعة السورية الصادر بتاريخ 1/9/1953" : "عندما جلَت الجيوش الأجنبية عن سورية، لم يترك لنا المستعمرون في حقل الإذاعة إلا جهازاً باثاً واحداً قوته ربع كيلوات، نحتفظ به في متحف الإذاعة للذكرى والتاريخ، إذ لم يكن صوته مضموناً لإسماع عاصمة بلادنا، فكيف بالعالم؟! واليوم بعد سبع سنوات مرت على استقلال بلادنا، أصبح في سورية محطات للبث على الموجات الوسطى والقصيرة يبلغ مجموع قوتها (1255) كيلوات، أي إننا زدنا قوتنا الإذاعية (1500) مرة خلال بضع سنوات، وأنجزت سورية المستقلة في حقل البناء والإنشاء الإذاعي ما عجز الانتداب عن إقامته بنفسه خلال (26) عاماً رزح فيها كابوسه على صدورنا."
في الخمسينيات وتحديداً عام 1954م كانت الإذاعة السورية ورشة عمل لا تهدأ، فقد سجلت فرقة الأوركسترا السمفونية للإذاعة السورية تحفة موسيقية تصويرية بعنوان "الليل" من نظم الشاعر سعيد عقل وألحان وإخراج توفيق الباشا وغناء ناهد " مجلة الإذاعة السورية شباط 1954 م " كما سجل فلمون وهبي في الإذاعة السورية 7 مقطوعات من تلحينه وغناء كروان وفتى دمشق، واستقطبت برامج الإذاعة السورية كلاً من الفنانين العرب، ناديا حمدي، سميرة توفيق، ماريا عطايا، صابر الصفح، حسن عبد النبي، عفيف رضوان" مجلة الإذاعة السورية شباط 1945م" وكانت برامج الإذاعة مقسمة إلى ثلاث فترات صباحية تبدأ الساعة السادسة وتنتهي الساعة التاسعة صباحاً، وتليها فترة الظهيرة التي تبدأ الساعة الواحدة والنصف ظهراً لتنتهي الساعة الثالثة، ومن ثم الفترة المسائية من الساعة الخامسة إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً.
وخلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي وتحديداً عام 1956 م أُنشئت إذاعة حلب وكانت مخصصة لمدينة حلب وضواحيها، وتبث لمدة سـاعتين يوميـاً..

كانت جهود العاملين في الإذاعة السورية يقابلها اهتمام نيابي حسبما يذكر مدير الإذاعة السورية آنذاك أحمد عسة : " أوصى المجلس النيابي بناء على اقتراح لجنة الموازنة السلطة التنفيذية بمشروع جليل تنفذه الإذاعة السورية. ونعني بهذا المشروع إقامة سلسلة من الإذاعات الإقليمية الصغيرة في مراكز المحافظات تساهم بالنهضة الفكرية والفنية في كل محافظة سورية".
يتبع