الشعر والعقيدة رسالة لبيان دور الشعر...يبقى الشعر صدى إيمان وارتعاشة وجدان

الشعر والعقيدة رسالة لبيان دور الشعر...يبقى الشعر صدى إيمان وارتعاشة وجدان

شاعرات وشعراء

الخميس، ١٦ أبريل ٢٠١٥

تدور أحاديث كثيرة عن الشعر والإسلام، وكثيراً ما عقدت ندوات، ودبجت مقالات حول موقف الإسلام من الشعر، ومع أن الآراء واضحة ومبثوثة في جل الكتب التراثية،
إلا أننا ما نزال نجد رأيين أحدهما ينزل مكانة الشعر ويرى بتشدد غير مسوغ أن الإسلام حارب الشعر والشعراء، والرأي الآخر يطلق العنان للشعر، وكأن الشعر يختلف عن غيره من الكلام! وقد ناقش عدد كبير من الباحثين والعلماء الشعر قبل الإسلام وبعده، وقرأنا تفسيرات كثيرة تحاول تفسير ليونة الشعر بعد الإسلام، خاصة من الشعراء الذين عاشوا قبل الإسلام وبقوا على شعرهم بعد الإسلام.
 
العقيدة والشعر
الأستاذ الدكتور رفيق خليل عطوي أخلص بحثاً لطيفاً عن الشعر والعقيدة، تناول فيه مجمل القضايا التي أثيرت حول موقف الإسلام من الشعر، استخلص وأوجز وخرج بنتائج مهمة وقاطعة، ولعلّ أهم ما في هذا البحث أنه صدر بعد نصف قرن من تدريس الأدب بمختلف عصوره، والدكتور عطوي خبير في الأبحاث الإسلامية، وقد قدم إسهامات عديدة حول الأدب الإسلامي في العصور المتقدمة، وفي الوقت نفسه هو أديب متعمق في الشعر والأدب والكلمة، لذلك لا نجد انحيازاً لعقيدة يجلها، ولا لأدب عاشه في مسيرة حياته، فكانت الأبحاث علمية مخلصة للموضوع للخروج بنتائج دقيقة، وقد جاء الكتاب في ستة فصول بعد المقدمة والتمهيد وهي:
التكليف في الإسلام وتحديات العصر، في قضية الموت، الشعر في خدمة العقيدة، الشعر في معاضدة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به، الشعر مع الرسول في معاركه، النزعة الدينية في شعر الفرزدق.
 
بيان بين يدي الشعر
في الفصل الأول يحاول المؤلف أن يتحدث عن الإسلام والتكليف، وما ينتاب هذا التكليف من مشكلات في عصرنا، ليبين أن الإسلام في جوهره لا يتعارض مع التطورات التي تقع تحتها المجتمعات، وفي هذا ربط حاذق بين الموضوع الأساسي الجامع لأبحاث الكتاب حول الشعر والعقيدة، وما يعتري التكليف في عصرنا، فكما تعرض مجتمعنا وعصرنا لتحديات كثيرة أمام مفهوم العقيدة الإسلامية، كذلك فإن التحديات عند بدء العقيدة كانت موجودة، ويظهر الدكتور عطوي الدور الذي أدته العقيدة في الشعر، وذلك في قوله «الشعر استمد من القرآن الكريم قوة مضمون وأسلوب، فتبدلت منهجية شعر ما قبل الإسلام، وسار في ظلال القرآن غنياً بمضمونه الذي فتح عيني الشاعر على آفاق جديدة لم يألفها، ومعالم أخرى لم يعرفها، وغنى أسلوب جزالة لفظ وحسن تركيب وبراعة بيان».
وقفت عند هذا الاقتباس لأنه يخالف النقاد الذين يرون أن الشعر ضعف في الإسلام ولان، فهو حسب رأي الباحث لم يلن، بل أخذ من نهج القرآن وأسلوبه ومعارفه التي لم يكن يعرفها، وهذا الحكم فيه الكثير من الصوابية اعتماداً على تطور الحياة وتغير التحديات، ما استدعى أن يتم التأثر بالعقيدة منهجاً وأسلوباً، وإن كان الشعر بعد الإسلام أكثر قرباً من الناس، وأكثر سهولة، فذلك يعود إلى بيان القرآن وإعجازه، وقرب مأخذه، وطلاوته وابتعاده عن الفحش والإفحاش الذي عرف به شعر ما قبل الإسلام ناهيك عن الفخر والعصبية التي أزالها الإسلام بمؤاخاته بين عامة المسلمين، رافضاً العصبية والتعصب.
 
حياة الإنسان وتبدلاتها
تناول الدكتور عطوي في فصل طويل نسبياً قضايا الإنسان من حياته إلى موته إلى قيامته مستشهداً بأبيات شعرية متفوقة لشعراء معروفين كأبي العتاهية وأبي نواس، وذكر عدداً من الرواة الثقاة كالأصمعي، وروى أخباراً تدل على مكانة الشاعر وشعره لدى النخبة، وفي هذا الفصل تتراوح أمثلة الكاتب بين الآيات القرآنية الكريمة والأبيات الشعرية التي جاءت متناغمة مع البيان الإلهي، وكأنه بذلك يتابع ما جاء في الفصل الأول من أن الشعر تغير أسلوبه ومنهجه لأنه تأثر بمعاني القرآن الكريم.
 
الشعر في خدمة العقيدة
في عنوان الفصل الحكم الفصل على الرأي بمكانة الشعر في الإسلام، فبعد أن تأثر الشعر بالإسلام والدعوة، وبعد أن انخرط في عمق معاني الحياة كان الشعر في خدمة العقيدة، فهو سلاح من أسلحة العقيدة التي تستعملها للدفاع عن الرأي الإيماني، وأقف عند هذا الفصل لأهميته، ولأنه خلاصة الرأي في موقف الإسلام من الشعر، ويبدأ هذا الفصل جازماً بدور الشعر في خدمة العقيدة الإسلامية «لقد أبلى الشعراء المسلمون بلاء حسناً في سبيل نصرة الإسلام وإعلاء كلمته، ونشر تعاليمه السامية في عقول العرب وقلوبهم، لما لهذا الشعر من قوة أثر».
والمعادلة عند المؤلف تجمع بين أمور عديدة: أهمية الشعر عند العرب، قدرة الشعر على إيصال ما يريد الإسلام إيصاله، منافحة الشعراء عن العقيدة ونصرتها،  لينتقل بعد ذلك إلى الشعراء وأخبارهم من حسان بن ثابت إلى كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وغيرهم كثير، خاصة عندما تعرض شعراء قريش المشركون للنبي والدعوة، فكان شعراء الرسول هم الذين دافعوا عن الإسلام والدعوة والنبي، وردوا عنه أذى ألسنة شعراء قريش، ويخصّ الدفاع عن النبي بفصل، ودور الشعر في المعارك من تحميس ورفع للهمة والهمم، ليختم بفصل مهم أخذ مساحة جيدة عن النزعة الدينية في شعر الفرزدق، فحلل هذا الشعر، وبيّن أثر العقيدة في الشعر والشاعر، وهو بذلك لا يتوقف عند شعراء الرسول والدعوة في العصر الأول، وإنما يظهر أثر العقيدة في الشعراء الذين جاؤوا بعد الرسول، والفرزدق هو من هو قبلية ومكانة، ولكن انتماءه الديني جعله متأثراً بالعقيدة أكثر من تأثره بقبيلته ومكانته ومكانة أبيه وأسرته.
(الشعر والعقيدة) بحث لم يتجاوز 125 صفحة من القطع الصغير، لكن مؤلفه أراد من خلاله أن يقدم خلاصات تظهر مكانة الشعر عند العرب، ودور الشعر العربي في خدمة العقيدة، ويفند الآراء التي تقول بالعداء بين الشعر والإسلام، ليظهر أن الشعر كان دوماً سلاحاً للعقيدة ومنبراً لآرائها ومعانيها السامية.