ريمون جبارة.. سقوط زهرة المسرح

ريمون جبارة.. سقوط زهرة المسرح

ثقافة

الأربعاء، ١٥ أبريل ٢٠١٥

بعد يعقوب شدراوي وأسامة العارف يُرزَأُ المسرحُ اللبناني بخسارة جديدة. ريمون جبارة من جيل الرواد ومن أعلاهم صوتاً وأكثرهم شاعرية وتجريباً يرحل في يوم احتشد برحيل الكبار. ريمون جبارة باشر حياته موظفاً بأجرة يومية في قلم النفوس وطوبوغرافيًّا في مصلحة المساحة. كان التحق بفرقة المسرح الحديث وهي الفرقة الأم في المسرح اللبناني التي أسَّسها منير أبو دبس وتخرَّج منها عدد من رواد المسرح في لبنان، لكنه ما لبث أن حاز الدكتوراه في المسرح من جامعة فانسان ليستقر بعدها مخرجاً ومؤلفاً وأستاذاً للمسرح في الجامعة اللبنانية.
ريمون جبارة الذي عمل في الإذاعة وانتخب رئيساً لدار الفن والأدب وكتب زاوية أسبوعية في «ملحق النهار»، كان في الوقت نفسه مخرجاً ومؤلفاً مسرحياً وممثلاً. لم يكن مؤلفاً أقل منه مخرجاً وممثلاً. في المسرحيات التي ألفها ثمة نَفَس ساخر وقدرة على توليد المفارقات وميل إلى العبث وجسارة لافتة وقدرة على الصدم وعلى مجابهة السائد والدارج. مسرح ريمون جبارة كان بامتياز مسرح العبث برغم أنه ألّف وأخرج مسرحية عن القديس شربل، إلا أن ريمون جبارة الذي انتمى منذ البداية إلى مسرح اللامعقول استمر يسخر ويعبث ويلعب على الأفكار والكلمة في زاويته الأسبوعية في «ملحق النهار». لقد كان في وقت واحد عدمياً وعبثياً وكافراً وقديساً وقد ضحك إلى أعلى قهقهته.. ضحك من المجتمع وضحك من التقاليد وضحك من الحياة وضحك من الوطن ومن الثقافة ومن الدارج والمألوف والسائد. ضحك من كل شيء. كان هذا الضحك عنصراً أساسياً في مسرحه الذي استمر فاضحاً وصدامياً.
إلا أن لريمون جبارة شاعريته أيضاً، فمن أعماق الضحك والعبث كانت تصدر نغمات حنون وأنفاس دافئة وآهات وعذابات وأزهار «من قطف زهرة الخريف». كان هناك غناء مكبوت خائب في داخل الدراما الجبارية.
ريمون جبارة صاحب مسرحيات أضيفت بجدارة إلى تراثنا: «الزنزلخت»، «لتمت ديدمونة تحت رعاية زكور»، «من قطف زهرة الخريف»، «زرادشت صار كلباً»، و «قندلفت يصعد إلى السماء». استمر برغم مرضه يتحامل على نفسه ويكتب ويخرج، هكذا أنجز «بيكنيك على خطوط التماس» عام 1995 و «مقتل أن وأخواتها» عام 2012.
برحيل ريمون جبارة لا نفتقد مسرحياً لامعاً فحسب وإنما نفتقد بالدرجة نفسها كاتباً لامعاً في وقت نفتقر فيه حقاً إلى كتاب المسرح لا يستطيع مسرح المؤلف أن يعوض عن هذا الفقر. كان ريمون جبارة، مخرجاً ومؤلفاً وممثلاً، هو المسرحي الكامل. ولا بد في هذا الوقت الذي يذبل فيه المسرح اللبناني ويغدو مشرداً ومهملاً وبلا إمكانيات، من أن نرى في زهرة الخريف التي سقطت أمس علامة على سقوط زهرة المسرح.