الأخلاق والدبلوماسية.. بقلم: عبد السلام حجاب

الأخلاق والدبلوماسية.. بقلم: عبد السلام حجاب

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ مارس ٢٠١٥

منذ أن أجبرت الفلسفة، تعسفياً على مغادرة قلاعها النظرية، باتجاه تطبيقات عملية نفعية على الأرض وبين البشر، بدأت المعرفة التي قدمتها تفقد الكثير من قيمها النبيلة ولمعانها الأبدي.
وإلا فكيف للأخلاق أن تتحول في زمننا الراهن إلى سلعة تباع وتشرى في سوق النخاسة الدولية، بحيث بات البحث عن الأخلاق في العلاقات الدولية التي تحملها قاطرة الدبلوماسية: أشبه بحراثة في البحر!؟
ومثلما أكدت الأحداث والوقائع.. أن حرية الأخلاق لا تحمل النفاق.. كان قد حسم الرومان قديماً الأمر، حيث وصفوا الدبلوماسية "بأنها نفاق ذو وجهين".
وللتوضيح بداية أشير، إلى أن "كلام في السياسة" هو عنوان أستعيده لأجد تحت مظلته مساحة وفرتها مجلة "الأزمنة" للتنقل بين المبادئ والقيم، وبين تغير مسارات السياسة البراغماتية والقوة السادية للدبلوماسية، وبين آراء واجتهادات ونظريات تتزاحم في الحضور بين حياة الأفراد والمجتمعات!؟
إنه لم يعد عسيراً لقارئ في السياسة إدراك أبعاد ما يرمي إليه "مصطلح سياسي مراوغ"، تعمل دبلوماسية منافقة للترويج له ولتسويقه، فأصبحت حالة تغييب الأخلاق أو إقصائها حالة مرغوبة وحاجة مطلوبة في العلاقات الدولية لحساب سياسة سوداء طافية، تعكس إيديولوجيا استعمارية فاشية، دأبت على اعتبار الإنسان وسيلة، ووظفت علاقات القوة في خدمة القوي والغازي والمحتل، على قاعدة "أن يقتل الأقوياء ما يحلو لهم، ويعاني الضعفاء ما يستحقون"!؟
وكنوع من موجبات جبروت القوة، فإن هناك من يرى أن الأخلاق والدبلوماسية شيء واحد يطبق في مختلف الظروف، وليس ثمة حاجة لمعايير تفرق بين حالة وأخرى ما دامت المصالح والأطماع تقتضي ذلك، وهو ما يطبع السياسة الأميركية مع اختلاف في تفسير وتبرير كل حالة وفقاً لمقتضيات ازدواجية المعايير، وما يتطلبه النفاق السياسي والأخلاقي من صور ومسوغات، تشرعن غياب الأخلاق، وتساند دوافع وسياسات الغزو والاحتلال، والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى، بل إن التاريخ الأميركي والصهيوني مثقل بجرائم القتل المبرمج التي تعكس واقع الإقصاء القسري للأخلاق بغطاء من السياسات الانتقائية المشفرة والدبلوماسية السادية المراوغة.
ربما، تطرح الواقعية السياسية تساؤلاً افتراضياً بغرض حجز موقع للأخلاق، في واقع سياسي موبوء يتم تجنيد دبلوماسية من جنسه، لتكون في خدمته، لكن الإجابة الواقعية التي تعيد للأخلاق مكانتها وموقعها في السياسة الدولية، لن تكون إلا من خلال قوة عادلة تروعْ، وشرعية مجتمعية ودولية تمنع.
وما لم يتحقق هذان الشرطان، فإنه ليس لأخلاق عابد زاهد، أن تنتعش في خمارة، ولا أن تتواءم مع وحشية مارق مخمور، حيث لا أخلاق العابد الزاهد تطبّق، ولا سلوك المارق، يمكن له أن يفلح ويتحقق، ولعل الواقع، يؤكد ويشرح أن للحق قوة أخلاقية مشروعة تدافع عنه وتحميه، وإن تمكنت دبلوماسية سادية بوجهين تزيين الباطل وتغييب الأخلاق.