كيف طوّعت روسيا وايران سلطان «الاولكر» ؟

كيف طوّعت روسيا وايران سلطان «الاولكر» ؟

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ ديسمبر ٢٠١٤

 كما حقّ لليهود التغني بالأمجاد الكاذبة لزمان وصلِ في فلسطين، يحق لزعيم عثماني سئم من تسول العلمانية على أبواب أوروبا أن يُدير وجهه شطر الجنوب علّه يجد بين آثار أمبراطوريته المندثرة أضغاث إحلامٍ تجسّد تكراراً لأكذوبة خلافةٍ متأسلمة طغت في المشرق فساداً وديجوراًعلى مدى قرونٍ خمس.

هو تاجرٌ بامتياز، من طبقة رفيق الحريري وعدنان خاجقجي، أوليغارشيٌ سخر المال لخدمة السياسة حين كان وكيلاً لأكبر شركات تركية في الشرق الاوسط (شركة أولكر) لتخدمه السياسة بالوصول الى سدة الحكم، جمع حوله جهازاً مافياوياً ضخماً غالبيته من أقربائه وأنسبائه، حكم وتحكّم بمفاصل الدولة والاقتصاد وحتى الدين. أقصى الخصوم وحجّم الأحزاب وزجّ بالضباط والأركان والصحافيين والإعلام في غياهب السجون. ركب حصان القضية الفلسطينية فأرسل قافلة مرمرة التي لم يكن على متنها محازبٌ واحد من حزب العدالة والتنمية، استحقّ جائزة أفضل منافق عن فئة الدفاع عن المسلمين في مسرحية قمة دافوس أمام بيريس حينها، فتصوّره العرب صلاح الدين بُعث من جديد.

إنه التاجر أردوغان، الذي رفض وبكلّ وقاحة المشاركة في قمة جدة لمكافحة الإرهاب والمشاركة في محاربة داعش ما لم تعوّض عليه دول الخليج عائدات النفط المسروق من العراق وسوريا التي ينهبها والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
لصُ حلب الذي سرق الآلاف من معاملها ونهب حبوبها وبيادرها، عفش البيوت، الجرارات الزراعية، المواشي، حتى الأعضاء البشرية لم تسلم من تجارته في هذه الحرب ليتربع على امتداد سنوات أربع على عرش أكبر لصّ في تاريخ العصر الحديث.

منذ سيطرة داعش على أجزاء من العراق وتحوّلها الى تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين، بدأ التحول في مقاربة الصراع في المنطقة، وبالرغم من ميوعة الموقف الأمريكي اتجاه داعش إلّا أنّ الغرب بدأ ولو بتواضع خطوات جادة للجم هذا الوحش الذي اخترعوه مما شكّل انعطافاً في مسار المواجهة مع دول الممانعة انعكس على طبيعة متطلبات الغرب من حلفائهم في المنطقة ومنهم تركيا. وقد ظهرت علامات هذا التغيّر في بعض المواقف التي أطلقها الرسميون الأتراك والأمريكيون مؤخراً.
في المقابل، تحاول كل من روسيا وإيران الاستفادة من هذا التغيّر عبر محاولة التقرّب من تركيا واستيعابها لما تشكّل من حجر أساس في الصراع القائم في سوريا على كافة مستويات التدريب والتسليح للجماعات الارهابية التي تحارب في سوريا. وبما أنّ التاجر اردوغان يبحث دوماً عن الأثمان المناسبة لتنازله عن تلك الورقة، نجد في تصريحات المسؤولين الأتراك مؤخراً عن أنّ تركيا أوقفت دخول 7000 مسلح الى سوريا وأعادت الكثيرين الى بلادهم وصادرت شحنات النفط المهرّب الى الأسواق الأوروبية استدراج عروض للروسي والإيراني لكي يدفع الفاتورة التي رفضت دول الخليج والغرب دفعها لأردوغان، فكانت صفقة بوتين لبيع تركيا الغاز بأسعار أقل من السوق بستة بالمئة في صفقة تخطى حجمها الثلاثين ملياراً بمثابة رشوة كبيرة سال لعاب التاجر اردوغان لها، ثم أكملت الجمهورية الإيرانية ما بدأه الحليف الروسي عبر اتفاقات ثنائية لتطوير التبادل الاقتصادي التجاري بين إيران وتركيا ليصل أيضًا الى ثلاثين مليار العام القادم جلّها من الطاقة الرخيصة التي تحتاجها تركيا التي تعتمد بالدرجة الاولى على الغاز في توليد الطاقة وكافة الصناعات.

لا شكّ أنّ مصلحة مشتركة حققت هذين الإنجازين، فإيران كما روسيا، في ظل انخفاض أسعار النفط والغاز وفي ظل حرب العملات والعقوبات، تحتاجان الى توسيع آفاق التصدير النفطي لتعويض لانكماش في المردود النفطي من جهة ولتخفيف الضغط التي تمارسه أميركا من جهة أخرى.
أردوغان، التاجر دوماً، والمستفيد من كافة السيناريوهات وعلى كافة الجبهات، حقق مكسباً اقتصادياً مهمًا، سيضاف إليه جائزة كبرى بعد تنفيذ المطلوب منه وهو خط الغاز الذي سيمر من تركيا الى أوروبا بدلًا من أوكرانيا أو خط ساوث ستريم، وبقي أن يترجم التزامه السياسي والأمني بالجزء المتعلق بالأزمة السورية، ولا شك أنّ المفاوضات الجارية في طهران صعبة ودقيقة إلّا أنّ أردوغان قبض الثمن، وما نسمعه من تصريحات لحفظ ماء الوجه فقط. الكلام عن استعداد تركيا مساعدة الروس في لعب دور إيجابي يساهم بتحقيق حل سلمي في سوريا هو بداية المسار، والكرم بالكرم يذكر على قاعدة ما عُرف سعره، هان دفعه.