شكوى إلى أبي العلاء المعري

شكوى إلى أبي العلاء المعري

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٩ ديسمبر ٢٠١٤

شعر: محمد خالد الخضر
عينـاكَ فـي غورَيْهـِما أنـوارُ
وعلى جبينكَ تسـجدُ الأقمـارُ
وعبيـرُ قبرِكَ قد تغلغلَ في دمي
حتى تفجَّـرَ في دمي إعصـارُ
يبـدو نخيلك لا يسـاقطُ ثوبـهُ
كـمْ ذا تمـلُّ ثيابها الأشـجارُ
أشـعلتَ تاريخ المعـرة عِـزةً
وأنا تفور على شـفاهي النـارُ
وأتيتُ يا جدي إليـك لأشـتكي
شـكوى الجريح تذيبه الأسرارُ
أصبحتُ مبحوح المتاعب عاتباً
بينـي وبينك مـارق وجـدارُ
وأمام قبركَ والخشـوع يهزني
تتمـزقُ الأوهـام والأسـتارُ
لكَ يا عظيم الشعر أحني هامتي
أو ينحني التاريـخ والإكبـارُ
أنيبكَ أن الشـعر أصبح خائباً
يؤذي الجمالَ وليس فيه ثمارُ
لم يغن عن كرهِ النساءِ ولا أرى
إلا عيونـاً ملؤُهـا عُـوّارُ
مفتوحـةٌ لكنَّ قلـبَ مليكهـا
أعمـى وقلبـُكَ دائمـاً نَوّارُ
أنا يا معري قـد رأيتك عاتبـاً
ساءَلتُهمْ فتنكـروا وتـواروا
أعطوكَ شِعراً لا يساوي قشةً
وأنا بفيضِ قصيدتـي أحتـارُ
سقطت هوية أحمد في جعبتي
فمضى تلونُ وجههُ الأسـفارُ
ما بيـن كافورٍ وبيـن مراوغٍ
أمضـى الحياةَ تقودهُ أوطارُ
ويعودُ مداحُ الملوك مُعذبـاً
وطلولُ عهدك في الدماء تغار
يشقى لأن الشعر أصبحَ سِلعةً
خدعت بـه الأحلام والأوطـارُ
أكلتْ ندامتهُ القصائدُ والرؤى
وأتى يزورك والشـريف يزارُ
وأراك أحياناً تقهقـه ضاحكاً
متناسـياً أن النـوى غــدارُ
نبكي معاً فالجرحُ يشبه بعضهُ
وسيوف عصري في النزال قصارُ
صلبوك في بغداد ساعة زرتهم
هم ذاتهـم إخواننـا الأحــرارُ
من أجل حقٍّ قُلتـه يا شاعري
غضب الملوك وخانـكَ الأخيارُ
واليوم نحنُ على ضريحك نلتقي
متفرقيـن يشُــلنا تيـــارُ
تُدمى حضارتنا لأجل حضارةٍ
نــادى بهـا متآمـرٌ ثرثــارُ
وتغيرت تلك الطلول وأقفـرت
وأبـو العـلاء بشـعرِهِ أسَّـارُ
يهتزُّ في حرم الضريح /مولولاً/
وضريحـه في جرحه ينهـارُ
يلقى العتـاب وسـيفه متأهبٌ
وشـقاؤُهُ وهمومـه أطــوارُ
قل لي رهين المحبسين ألا ترى
أنـي أقاومُ والرفـاقُ سِـفارُ
لا فرق بيـن الحقبتيـن لأننـا
متشـابهانِ وجرحُنـا مـوّارُ
أولم يكن أستاذُ شعرك مادحاً
والآن تسـقط بعـدهُ الأشـعارُ
لولاه ما شاهدتَ كافور الخنى
متكـرراً ورجالـه أشــرارُ
وابـنَ الحسين يجيئه بعبـاءةٍ
مشقوقـةٍ تجتاحـه أمصــارُ
لينالَ نصف ولايةٍ أو بعضها
والأسودُ المخصيُّ ليس يثـارُ
والآن جئتك يا معري شـاكياً
وأنا على شـرف الديار أغـارُ
عبثت خيول الفاتحيـن كأنهم
متآمـرون وحقدهـم أمــارُ
ونساءُ قومك تستغيث ولا أرى
إلا الغريب ومـا أتاهـا الجارُ
حفـروا حيالك نجمةً مشبوهةً
فإلام يصمت حولك الأبرارُ
وأتى العميدُ إليك وهو مطبـعٌ
قد باع مصر وما شكا الأذمارُ
يمشـي إليـه كلُّ نـذلٍ بائـعٍ
ووراءه بيـن الأنـام قطـارُ
قد عاد مرداسُ الأجانب حاقداً
وعلى ضريحك كيف يغفو الثارُ
نـاورته وأخذت كل حصوننـا
والجيش حول رئيسه جـرارُ
وسواك أعطى للأجانب وانتشى
وعلى رؤاه العـار والدولارُ
والأوصياءُ كما تراهم لن يروا
إلا الرديء وليـس ثـمَّ قرارُ
وصفعتني حتـى أرد هجومهم
فأخذتُ سـيفك والوطيس يدارُ
لكن فرحتهم تمـادت عندمـا
طلـب التفاوض راقصٌ زمارُ
أعطيتهم حـق الكلام فهدمـوا
وإلى العمالـة قادهم سمسـارُ
من ذا يؤجرني القرار لساعةٍ
وعلى جدارك صـارمٌ بتـارُ
لأعدتُ إعلام المدائـن مثلما
عادت ثقافتنـا وعـاد نــزارُ
وجعلت كل مفاصل محكومةٍ
عربيـةٍ ويديرهـا ثــوارُ
هبني سِـلاحك يا معري إنني
سـأعيد مجدك فالديـار قفـارُ
هبني سِلاحك في دمائي نقمـة
وعلى جراح مشاعري إصرارُ
بَلغ الطغـاةُ حدودنا ولعلـه
يتوحـد التاريـخُ والأقـدارُ
أنا يا معري انتماء مشـرقٌ
روحي لأجل عروبتي أسـوارُ