قراءة نقدية في مجموعة "معنى على التل" للشاعر صقر عليشي

قراءة نقدية في مجموعة "معنى على التل" للشاعر صقر عليشي

شاعرات وشعراء

الخميس، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
لا يخفى على القارئ أنّ الشاعر صقر عليشي في مجموعته معنى على التل التي صدرت مؤخراً عن الهيئة العامة للكتاب هو شاعر متمكن ومطبوع وموهوب ويدرك تحديد معالم الرؤية الشعرية وضبط الأبعاد والأسس التي تكوّن القصيدة وربطها بالقواعد النحوية بشكل منطقي.
كما أنّ صقر عليشي يلجأ إلى استخدام الألفاظ والتراكيب التي يستعملها المثقف وسواه إلا أنه يصوغها بصورة مجازية تغير لغة المفردات وتصنع قصيدة حديثة قائمة على الشعر ومرتكزة على المنظومة اللغوية يقول في قصيدة المفاتيح:
لينظر لها.. من له نظر
أو ليمسك بها إن أراد..
ليقرأ عليها العلامة واضحة..
ليس في الأمر غش ولا سحر.. هاهي كل المفاتيح في قبضتي.. ولا ثم باب.
نجد من هذه المقاربة لمكونات الفعل الشعري أنّ الشاعر ظل ملزوماً بموسيقا الشعر وتفعيلات الخليل بشكل إيحائي يؤثر ويتأثر حيث تفور حرارة العاطفة هادئة بفعل الدلالات والإيحاءات التي استطاعت أن تغلب المباشرة وتتجاوزها برغم وضوح معاني المفردات وسهولتها وسهولة الروابط التركيبية المؤدية للنهاية الدالة وهذا أيضاً ينطبق على نصه الذي جاء بعنوان بطالة يقول:
أسير.. أسير.. وليس سوى السير لي..من عمل.
أجر السماء ورائي وتتبعني كالجمل.
وهنا تكبر الحالة الشعرية مكثفة بفضل الموهبة التي أثرت عليها المكونات الثقافية والمعرفية في الخطاب الشعري وفي التجليات المتضمنة رؤية تمكن الشاعر من العمل على دمجها بمكونات القصيدة التي أضاف إليها جماليات خلال استخدام الحروف الفاعلة نحوياً وربطها بالجمل.
وواضح أنّه ثمة علاقة ليست بالقليلة بين صقر عليشي وبين لغته الشعرية وهذا ما دل عليه تشابه الأساليب الشعرية التي أتى من خلالها بقصائده ومما تتكون من مفردات أعطته شخصية مستقلة يرتفع وجودها الشعري ومستواها الكلامي حتى ولو تراجعت في بعض الشعاب والمفارق الفنية خلال التوغل في القصيدة يقول:
أعرف أين الباب ولكن..
ولكن أبقى كل حياتي خلف الباب.
وهنا نجد أنّ هذا النص برغم محاولة الشاعر تحديد بنيته ونمطيته وتنميق جملته الشعرية بفضل الخبرة والقدرة على الإبحار في الخيال والتعامل مع الثقافة.. تراجع الإحساس لصالح المكونات الأخرى التي اعتدنا عليها في أغلب نصوص عليشي.
وإنّ النصوص التي وصلت إلينا هي نصوص شعرية بامتياز برغم ما تعرضت إليه من صراعات ومحاولة فسخ علاقتها بالقاعدة الشعبية.
وليس غريباً أن ندرك أموراً هامة وأهمها هو الارتباط الواعي بين أواصر التجربة الفنية والعوامل النفسية التي يتكون منها النص وهنا لابد من تحمل الشاعر والناقد بمسؤولية طرح القصيدة والاستماع لما تتركه من أثر هام كقوله في قصيدة الأزرق:
منذ زمان.. يسحرني هذا اللون الشفاف
لو كنت كتابا.. لم اختر بالتأكيد سواه غلاف.
إلا أنّ الشاعر صقر عليشي تراجع في علاقتها الخاصة مع مقدرته الشعرية بسبب وشم غلاف ديوانه الشعري معنى على التل واعتزازه بالدكتور محي الدين صبحي الذي لم يتمكن من الوصول إلى بنية صقر عليشي حكماً بسبب محاولة استعلاء عاشها خلال تعامله مع نزار قباني فأقحمه والمقصود صقر معتبراً أنّ صقر مهم وخطير وأن ما كتبه لم يستطع أن يكتبه نزار.. وفي واقع الحال كان أحد الأصدقاء يحكي لي بأن محي الدين صبحي أخبره أنه كان يتقاضى مالاً عندما كان يذكر نزار قباني أو يتكلم عنه وهذا يدل على أنّ الحالة الكتابية السليمة مضطربة عند صبحي وقد يتقاضى من الجميع عندما اعترف أنه تقاضى من نزار وذلك لأحد أصدقائه المقربين.
ليس صحيحاً أن يفرح عليشي بقول محي الدين صبحي بأنه مهم وخطير لأنّ هذا ما يحبط الآخرين، وإن نزار قباني له قصائد لا يمكن أن تتكرر وهي من شعر الشطرين والتفعيلة ولعل الخلاف قد حل بينه وبين محي الدين صبحي وهذا مالا نفتش عنه.
كما أننا نقر أن نزار قباني تراجع في الآونة الأخيرة وتفاوت مستوى شعره كسائر الشعراء إلا أنّه في الواقع قدم نصوصاً شعرية لا تجارى ولا تضاهى معتمداً فيها على العاطفة وعلى البوح والرمز والدلالة والنغم وتفرد بأسلوب يصعب تقليده وقد لا يتمكن شاعر معاصر أن يفعل ما فعله نزار.. لذلك كان حرياً بصقر عليشي أن يظل مع منظومته الشعرية التي قد لا تقبل مثل هذا الصراع الفاشل وتداعياته فإذا قرأنا قصيدته مشى على الغيم نرى السر البلاغي الذي يحكم عاطفة نزار قباني يقول:
نحن اختلفنا حول تفسير الغيابي.. فقال قوم أنه قصد السماء
ليشرح المأساة.. شوهد يستقل قصيدة صغيرة من الوزن الخفيف..
علت به فوق السحاب
لذلك على الناقد دائماً أن يحضر وعلى الشاعر أن يتعامل مع المجيد منه.