هرباً من الواقع إلى فضاء الخيال أحلام اليقظة.. ركوب على موجة الأمنيات وسقوط مؤلم على شاطىء الحقيقة

هرباً من الواقع إلى فضاء الخيال أحلام اليقظة.. ركوب على موجة الأمنيات وسقوط مؤلم على شاطىء الحقيقة

آدم وحواء

الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

كانت تعيش الحب من خلال الأفلام الأجنبية الرومنسية والهندية التي تحضرها منذ نعومة أظفارها، تتقمص شخصية البطلة في الفيلم و في الروايات التي تقرؤها، لتبني لها بطلاً من محض خيالها تعيش معه لحظات الحب و مشاعر العاشقين، كم كانت تتمنى أن يتحول هذا الخيال إلى حقيقة، وإلى اليوم ورغم عدد الأشخاص الذين تقربوا منها بغرض الزواج إلا أن علا، وهي في منتصف الأربعينيات من العمر، مازالت تجلس وحيدة في منزلها تتابع تلك الأفلام، وتسرح في أحلامها لترسم معالم شاب وقصة حب تعيشها معه مشابهة لهذه الأحلام التي لم تتحقق حتى الآن، في حين تسرح جارتها أم علاء في خيالها لساعات ترسم وتخطط في أحلامها لما ستفعله حين عودة ولدها بخير من خدمة الوطن منتصراً…
هي أحلام اليقظة التي تراودنا بشكل دائم، فمن منا لا يفقد الارتباط بواقعه بشكل كامل لدقائق معدودة ويستسلم للعيش في أحلامه وتخيلاته سارحاً في دنيا الأحلام، حيث متعة الهروب من واقع مرير، أو مغاير للآمال والتطلعات لتأخذنا هذه الأحلام إلى حيث يصعب علينا الذهاب، وتحقق لنا أهدافاً بعيدة المنال….
وبالرغم من تباين وجهات النظر حول أحلام اليقظة بين من يدرجونها ضمن مواقف لا شعورية يتمنى الإنسان تحقيقها، وآخرين يذكرون بأنها معلومات غير واقعية تنطلق من الذاكرة وتسيطر على الفرد عندها يحاول تحقيقها بواسطة أحلام اليقظة، فإن واقع هذه الأحلام يبقى واحداً…

أحلام صغيرة
يحلم أن يكون فناناً ليتذوق طعم الشهرة والثراء، فينسج عقله الباطن خيوط فيلم قصير يحقق فيه الشخص الذي يحلم هدفاً في غمضة عين يصعب تحقيقه على أرض الواقع، وكما قيل في هذه الأحلام :” القليل منها مفيد والكثير منها مضر”… فإن إغراق شبابنا اليوم في أحلام اليقظة ربما يعطيهم شعوراً بالرضا عن أنفسهم، حيث يعوض الواقع بالخيال ليكون بمثابة مادة مخدرة يتعاطاها للهروب من الواقع إلى خيال ممتع سرعان ما يعود منه إلى الواقع ليجد أن الواقع قد أصبح أكثر صعوبة، ولكن خلال الأزمة التي نمر بها اختلفت أحلام اليقظة عندنا لتتحول إلى أحلام صغيرة كانت سابقاً أمراً واقعاً نعيشه قبل الأزمة، فهذا يحلم بدخل مادي بسيط بعد أن كان صاحباً لأكبر معامل الألبسة، وتلك تحلم بمنزل دافئ بعد أن فقدت منزلها، وذاك يسرح في أحلامه ليحلم بانتهاء الأزمة السورية وعودة الأمان لوطنه الغالي، والطفلة الصغيرة تحلم بالعودة للمدرسة هي وإخوتها بعد أن حرمهم الفقر وفقدان منزلهم من الذهاب إليها… لتبقى هذه الأحلام مجرد عالم من الأوهام الذي يطير فيه الحالم فوق السحاب على أجنحة من التخيلات المرئية طمعاً في تحقيق الأمل المنشود.

خيال خصب
وأكثر ما تنتشر أحلام اليقظة في فترة المراهقة التي تشهد اضطرابات صاخبة، نفسية وجسمية وعقلية، وتختلف طبيعة الأحلام بين الجنسين، فبينما يحلم الشبان بالبطولة والمغامرة، فإن الأحلام الرومانسية هي التي تشغل عقول المراهقات، وتساهم قراءة القصص الرومانسية بأبطالها وأحداثها في إشعال أحلام اليقظة، وكثيراً ما تكون هذه الأحلام بمثابة صمام أمان يسمح بتحقيق ما هو بعيد المنال على أرض الواقع ليصبح أمراً ممكناً على صعيد الخيال، وأحلام اليقظة شائعة أيضاً عند الأطفال، فالمعروف عن هؤلاء أنهم يتمتعون بالخيال الخصب الذي يمكنهم من التغريد لبعض الوقت بأفكارهم بحرية دون قيود، ما يعطيهم الفرصة للابتكار والإبداع.
رفضاً للواقع
إن الواقع وما يحمله من تغيرات صعبة يجعل المرء يتطلع إلى ما يصعب الوصول إليه بقدراته الخاصة، وخاصة في ظل الأزمة التي نمر بها برأي الدكتورة هناء برقاوي” علم اجتماع” مضيفة:” أن الكثير من الشباب حالياً يصدمون في الواقع المرير الذي يقف كالسد في طريق طموحاتهم، ويبقى الحل الوحيد أمامهم الهروب للعالم الخيالي لتحقيق ما فشلوا به على أرض الواقع، ومع ذلك فإن أحلام اليقظة قد تكون مفيدة في حال كانت عبارة عن رسم لخطط مستقبلية في الخيال بغية النجاح في الحياة العلمية والعملية من خلال ترتيب الأفكار واتخاذ الخطوات لتحقيق الهدف الذي يحلم به الشخص، ومن ناحية أخرى قد تنعكس هذه الأحلام سلباً على الشخص إذا وصل إلى حالة إدمان بها ليهرب في خياله ليلاً نهاراً إلى واقع أجمل من واقعه، فالمشكلة اليوم ليست في أحلام اليقظة بل بالأشخاص الذين أصبحوا يعتقدون بصحتها ويتحدثون عنها بشكل يشير إلى أنها أمر واقع وحدث حقيقي لا انه مجرد حدث في مخيلة الشخص، لذا لابد للفرد الذي يعيش هذه الحالة من أحلام اليقظة أن يمارس نوعاً من الضبط عليها كي لا تبقى حياته رهينة لها، وبالتالي تتحول إلى حالة مرضية وأوهام ليست لها حدود وقيود.

ضوابط وأسس
كلنا يحلم بالنجاح، والتقدم على كافة المستويات الاجتماعية والعلمية والثقافية، يبدأ بحلم وأمل، ولولا الآمال والأحلام العظيمة ما كانت هناك حضارة راسخة، والاختراعات تبنى أساساً على تخيّل لكنه محكوم بضوابط وأسس علمية، وعلى الشباب الذي يحلم ولديه القدرة على وضع أسس لخياله وحلمه أن يبدأ فوراً بتنفيذ الحلم على أرض الواقع، أما أوهام اليقظة فهذه مسألة أخرى ونوع من أنواع الأمراض النفسية التي تقود صاحبها إلى الفشل الذريع.