أسئلة عن «مهرجان بغداد السينمائي الدولي»

أسئلة عن «مهرجان بغداد السينمائي الدولي»

سينما

الجمعة، ١٧ أكتوبر ٢٠١٤

تشهد بغداد، منذ أعوام قليلة، مهرجاناً سينمائياً. الفكرة، بحدّ ذاتها، مهمّة وضرورية. المدينة العريقة في تاريخها الثقافي والفني والسينمائي لا تزال تسعى إلى نفض الخراب عنها، عبر وسائل معرفية. ليس الأمر سهلاً. مواجهة الموت بالصورة لا تعني أن الصورة منتصرة على الموت. التغلّب على الموت محتاجٌ إلى وسائل أخرى، قد تكون الصورة إحداها، كما النتاج الثقافي أيضاً. لكن إقامة مهرجان سينمائي في بغداد، في ظلّ الخراب كلّه المستمرّ في محاولاته القضاء عليها كلّياً، تتطلّب قراءة نقدية تبدأ بسؤال المعنى: ماذا يعني تنظيم مهرجان سينمائي، وماذا يعني تنظيمه في مدينة مقيمة في موت يومي، وإن كانت تقارع الموت بالحياة، بشكل يومي أيضاً؟
ليس واضحاً تماماً معنى إقامة مهرجان سينمائي عربي جديد، وسط الانهيارات الجمّة التي تعيشها الغالبية الساحقة من هذه المهرجانات. الكلام النظريّ جميل، لكنه لا يؤسّس فعلاً ثقافياً مطلوباً من المهرجان السينمائي، كما من التظاهرات الثقافية. إلقاء نظرة على المهرجانات العربية كفيلٌ بتبيان المآزق الشتّى التي تعانيها: الهدف، الهوية، المعنى، التوجّه، ناهيك بالأمور التقنية واللوجستية والتمويلية، وغيرها. هل يكفي عرض أفلام لا تُعرض في الصالات التجارية؟ هل تكفي إقامة ندوات تُلقى فيها عشرات الأفكار التي تبقى مجرّد حبر على ورق؟ هل تكفي دعوة سينمائيين ونجوم كي يستقيم المهرجان، ويتّخذ هوية واضحة له؟ مهرجانا دبي وأبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدّة عرفا التملّص، ولو قليلاً، من هذا المأزق، بذهابهما إلى الإنتاج أو التمويل أو الدعم. ألغيا الندوات، واستعاضا عنها بنقاشات مفتوحة حول الأفلام والصناعة والمال، وهي أمور أساسية في تنفيذ المشاريع، وإقامة صناعة سينمائية متكاملة.
يحاول «مهرجان بغداد السينمائي الدولي» إيجاد مكان له في المشهد العربي. الخطوة ضرورية. استعادة شيء ما من تاريخ البلد لا غبار عليها. للعراق حضور في السينما منذ بداياتها، عروضاً وإنتاجاً وحركة. المهرجان الآنيّ دعوة إلى فهم العلاقة التي يُفترض بها أن تُقام بين التاريخ والحاضر، وبين الذاكرة والراهن، وبين السينما وصناعتها، وبين الأفلام والمدينة، وبين الحركة السينمائية كشريكة للحراك الثقافي والبلد برمّته. لا يحول وقوع المدينة في سلسلة من الأفعال التدميرية دون إشاعة مناخ حياتي، عبر الثقافة والفن، أو عبر وسائل العيش اليومي العادي. أميل إلى قول انفعالي، مفاده أن تلك الأفعال المفروضة على بغداد سبب أول، ربما، لإقامة مهرجان سينمائي، هو بحدّ ذاته لحظة مواجهة ما. لكن، إلى أي مدى يُمكن لمهرجان كهذا، يُقام في مدينة تعاني آلاف المصاعب، أن ينجح في تحقيق شيء بسيط على الأقلّ من معنى الحياة ومواجهة الموت؟
أسئلة كهذه تُطرح بالتزامن مع إقامة الدورة السادسة لـ«مهرجان بغداد السينمائي الدولي» بين 15 و19 تشرين الأول 2014. يفيد بيان صادر عن إدارته، أن هناك 112 فيلماً ستُعرض في المسابقات والبرامج المتنوّعة، 80 بالمئة منها تُعرض للمرة الأولى في العراق والعالم العربي. هناك أفلام أُنجزت أثناء الاحتفال ببغداد عاصمة للثقافة العربية، بالإضافة إلى ندوة خاصّة بها. هذا حسنٌ. لكن: ماذا عن النتيجة؟ هل الدورة هذه مجرّد أيام قليلة، ينتهي كل شيء بعدها في انتظار دورة جديدة؟ ماذا تعني الأرقام، وكيف يمكن أن تُترجم إلى فعل ميداني لتوضيح موقع المهرجان وصورته وشكله ومضمونه في بغداد، كما في الامتداد العربي له؟
أسئلة عديدة كهذه تبغي نقاشاً نقدياً. لعلّ الدورة الجديدة هذه تبدأ به.