واشنطن تقترب من «داعش»

واشنطن تقترب من «داعش»

تحليل وآراء

الاثنين، ١ سبتمبر ٢٠١٤

 تستعدّ منطقة الشرق الأوسط لعاصفة جديدة. وإذا كان هذا هو قدَر هذه المنطقة المضطربة من العالم كلّ فترة من الزمن، إلّا أنّ للعاصفة المقبلة نتائجَ مفصليّة ستترك آثارَها الكبيرة على الاتّجاه المستقبلي لكلّ دوَل الشرق الأوسط.
صحيحٌ أنّه ومع إطلاق «الربيع العربي» سادَ اقتناع لدى بعض الدوائر المتابعة بأنّ نهاية هذا المسار ستكون مع تفتيت هذه الدوَل عبر إنشاء كيانات طائفية ومذهبية وإثنية جديدة تتصارع في ما بينها، إلّا أنّ أحداً لم يكن ليتصوّر للحظةٍ المسارَ الراهن الذي رسَت عليه الأمور، خصوصاً مع نشوء دولة الخلافة الإسلامية على هذه المساحة الجغرافية الهائلة التي تحوي ثروات طبيعية، لعلّ أبرزَها على الإطلاق النفط.
وقد يَكون مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى بريت ماك غورك أكثر مَن عبَّر صراحةً عن ذلك حين قال في إحدى محاضراته في واشنطن أخيراً أمام ديبلوماسيين اميركيين معنيّين في ملف الشرق الاوسط، إنّ أحداً لم يكن يتوقّع أن يصبح «داعش» جيشاً كاملاً، مستخدماً عبارة Full Blown army.
وبات معلوماً أنّ الإدارة الاميركية التي تتحضَّر لخوض هذه الحرب جوّاً ومن خلال ترؤّس ائتلاف دولي عريض، باتت على مشارف إنجاز التفاهمات السياسية المطلوبة لمواكبة العاصفة المنتظرة، تفاهمات تحاكي مصالح الدوَل والقوى الإقليمية لمرحلةِ ما بعد العاصفة والقضاء على «داعش»، ولو مع إبقاء بعض الجيوب للمتطرّفين لاستخدامها لاحقاً وفق الحاجة السياسية.
وقد أوكلت الإدارة الاميركية الى معاهد دراسات معروفة إعدادَ نظرة استراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب الآخذ في التصاعد، إنْ في الشرق الاوسط وأفريقيا، أو حتى احتمالات تمدُّدِه إلى العمق الاوروبي والاميركي.
ومن الواضح أنّ كلام ماك غورك يُجسّد الإحراج الذي تواجهه الإدارة الاميركية حيالَ عدم التمكّن من ضبط مسار «الربيع العربي» ونموّ الحركات المتطرّفة من رحم «ثوراته»، حيث أغمضَت واشنطن عيونها عمداً أمام تصاعد هذه الحركة بهدف تعزيز موقعها خلال تفاوضها المفتوح مع إيران على برنامجها النووي، وبالتالي دفع طهران إلى تسريع خطاها في اتّجاه فتح صفحة جديدة مع واشنطن وفق دفتر الشروط الاميركي.
ومن أبرز معاهد الدراسات التي واكبَت طلبَ الإدارة الاميركية كان معهد «ولسن» الذي تديره العضو السابق في الكونغرس الاميركي جاين هارمن والذي نظّم لقاءات عدّة مع مسؤولين أمنيّين، لعلّ أبرزَهم: جولو بريمان صاحب نظرية ديبلوماسية الدرون والتي لم تطبّقها واشنطن منذ أكثر من سبعة أعوام.
وشاركَ أيضاً المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب ماتيو اولسن الذي كان قد استقال في 9 تمّوز الماضي، حيث أقرَّ بأنّ أقربَ الطرق لاستعادة زمام المبادرة في الشرق الاوسط من يد التنظيمات المتطرّفة، يقضي بإعادة نسج علاقات غير معلنة مع الأنظمة القائمة راهناً في الشرق الاوسط، ولو أحرجَ ذلك مجلسَي النواب والشيوخ. وقد قصَد اولسن بوضوح إعادة فتح قنوات التواصل السرّية مع النظام السوري، إضافةً إلى الأنظمة الأخرى.
ومن المتوقّع استدعاء اولسن مجدّداً إلى الإدارة الاميركية بسبب توقّعاته التي صدقَت حيال خطر التيارات المتطرّفة وضرورة ضربها قبل أن تكبر، وعدم اللجوء إلى لعبة «غَضّ النظر» عنها لغايات التفاوض.
وعلى رغم النفي الرسمي الأميركي، إلّا أنّ الكواليس الديبلوماسية تضجّ بمعلومات عن التواصل غير المباشر ما بين واشنطن ودمشق. وعدا التنسيق الأمني الملزم حيال تفاصيل كثيرة تملكها دمشق عن «داعش» وتبدو الطائرات الاميركية بحاجة ماسّة إليها، تبدو العاصمة الاميركية قلِقة على الوضع الأمني في لبنان والأردن، وهي أعلنَت ذلك صراحةً في بياناتها الرسمية.
ذلك أنّ «داعش» الذي نجحَ في استقطاب عناصر كثيرة، باشرَ في تنفيذ تكتيك حربي جديد يقوم على شنّ هجماته وفق الموجات البشرية، أي عبر دفع مقاتليه مرّة واحدة في اتّجاه الهدف ولو أدّى ذلك لخسائر كبيرة في صفوفه، كونه بات يعاني «تخمة» في عديده. وقد استعمل هذا الأسلوب أخيراً في هجومه على مطار الطبَقة العسكري حيث خسرَ أكثر من 550 عنصراً دفعةً واحدة، لكنّه تمكّن من الاستيلاء على المطار.
وبالتالي تخشى واشنطن أن تؤدّي الضربات الجدّية إلى انسحاب مقاتلي «داعش» خصوصاً في اتّجاه لبنان عبر الممرّات المفتوحة والمؤدّية إلى جبال القلمون، وبالتالي إغراق لبنان انطلاقاً من عرسال في مستنقع دم كبير. إضافةً إلى أنّ وصولَ هؤلاء الى لبنان سيعني احتمالَ انتقال العناصر الاوروبية والاميركية في هذا التنظيم الى بلادهم، ما يعني زيادةَ المخاطر الأمنية لهذه البلدان.
وربّما من هذه الزاوية يُفهَم «الشرط»، الذي وضعَته «جبهة النصرة»، في شأن معركة «تحرير» القلمون خلال أيام. لذلك تبدو واشنطن أقربَ لنسج تفاهم عسكري مع السلطات السورية لإجهاض أيّ مخاطر متوقّعة ولو من خلال طرف ثالث.
وبعيداً من هذه الصورة السوداوية، إلّا أنّ نتيجةً إيجابية يمكن أن تظهر، وتتلخّص بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. فالتنسيق الأميركي مع دمشق ولو من بعيد سينعكس تسهيلاً في ملفّ الرئاسة اللبنانية لدرجة أنّ أحدَهم قال: ما إن تحلّق الطائرات الاميركية في السماء السورية لا بدّ من توقّع ولادة قريبة لرئيس الجمهورية اللبناني.
في أيّ حال فإنّ السفارة الاميركية في لبنان باشرَت تحرّكاً هادئاً وبعيداً من الأضواء في هذا الاتّجاه.