الشعر الشعبي نبع من الأصالة..وشعراء أعلام تغنوا بالوطن والإنسان

الشعر الشعبي نبع من الأصالة..وشعراء أعلام تغنوا بالوطن والإنسان

شاعرات وشعراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

إذا كان الشعر العربي الفصيح يملأ الكتب بتدوينه للأحداث التي مر بها تاريخ المنطقة العربية ويسكن في ذاكرة الإنسان العربي كأغنية خالدة فان الشعر الشعبي هو زوادة الفلاح إلى بستانه والمعلم إلى مدرسته وصيحة الجندي في خندقه وصورة عن أحاسيس الإنسان الذي يفكر من خلالها فيكون من عالمه المنطوق كلمات ومرآة ما يجول في ردهات وجداننا من أحلام وأحاسيس وآلام وآمال وأفراح وأحزان.
ومع تطور الحياة وتزايد الوعي تطور شعرنا العامي وازداد الإقبال عليه والحرص على توثيقه فالشعر الشعبي اليوم يتناول جميع أغراض الشعر الفصيح من غزل ومدح ورثاء وحكمة وحماسة وهجاء كما أنه يطال جوانب الحياة جميعها ويعكس الأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومع تطوره صار فنا قائما بذاته له ما يميزه عن الفصيح إذ له تعابيره وصوره واستعاراته وتشبيهاته وكناياته وبديعه وأساليبه.
وبرز من الشعر الشعبي العديد من الشعراء المميزين الذين كانت لهم بصمتهم في هذا المجال فمنهم الشاعر السوري الكبير عمر الفرا الذي بدأ كتابة هذا النوع من الشعر منذ سن الثالثة عشرة وهو أحد الشعراء القلائل الذين تميزوا بالابداع في الأداء والإلقاء وصوته المتميز واهتم بجمع التراث الشعبي ودافع عن اللهجة البدوية خلال ما يزيد على ربع قرن قضاها في أحضان البادية وشعرها وأقام العديد من الأمسيات على مستوى الوطن العربي وحصد الكثير من الجوائز وكانت قصيدة الوطن من أبرز القصائد التي قالها ومنها..
“الوطن عزة وكرامة وصحوة الوجدان…‏ الوطن صبر وعزيمة وقوة الإيمان…‏ الوطن للي يخلي الصحرا مخضره, ويزرع بالصخر بستان…‏ الوطن للي سما حتى وصل مرحلة إنسان” .
ويستخدم الفرا في شعره لغة الناس المحكية فتأتي كلماته سهلة كخيوط العنكبوت قوية كسيل ماء جميلة كأناشيد الطيور يتلقفها الكبير كما الصغير والأمي كما المتعلم ومن أشهر قصائده قصة حمدة التي تتحدث عن معاناة فتاة بدوية أرادت عائلتها إجبارها على الزواج من ابن عمها وفيها دافع الفرا عن المرأة واعتبرها مظلومة ولابد من إنصافها وانتقد العادات المتخلفة بروح عاطفية إنسانية مؤثرة..فيقول ..
“ما أريدك ..ما أريدك حتى لو .. تذبحني بيدك.. ما أريدك ابن عمي … ومثل اخوي.. ودم وريدي من وريدك أما خطبه .. لا يا عيني .. لاني نعجه .. تشتريها ..ولاني عبده..من عبيدك”.
إن تراثنا الشعبي الذي هو جزء من القيم النبيلة والعادات والتقاليد العربية الأصيلة والذي يجمع الأدب الشعبي والفن معا بكافة أنواعه يزخر بالمعاني الوطنية والصور الفنية والشاعر الراحل حسين حمزة يعد من بين أبرز شعراء سورية في الشعر الشعبي وكتب العديد من القصائد التي تعد من عيون الشعر العامي فقال في قصيدة عم تهربي يا سنين…
“عم تهربي يا سنين بالسرقة..ومن قطفة ورقة بعد ورقة.. ولو كل شمعة بتنطفي بتعود ..ما ضل عنا شموع محترقة”.
كما تفرد الراحل حمزة بأسلوب مميز في إلقاء الشعر في شارات المسلسلات وكان آخر شارة قدمها بصوته هي شارة مسلسل بيت جدي التي قال فيها..
“يا بيت جدي ضاع هالمفتاح….. وأبوابك بتبكي على اللي راح ما ضل طعم ولون قلي شلون….. يا بيت جدي ماتت الأفراح”.
أما الشاعر الراحل عيسى أيوب فقد أحيا بشعره مئات الصور التي يعيشها الريف السوري ..فهو بيادر من المعاني التي حصدها في سمو الإلهام ودقة التعبير وهو لون متفرد في قاموس الخلود فيصف تعلق المواطن السوري بأرضه وبذل الغالي والنفيس من أجلها قائلا .. “بتذكر يا أرض بلادي .. قالو لي بعد الولادة .. الداية” أم عبدو ” الختيارة ..حتى يعيشو ع أيديها ولاد الحارة .. تملحن بتراب الأرض ..و لما نوقع ع المساطب .. كانوا أهل الحارة يرشو عالجرح من تراب الأرض .. و لما الوجع يشد و يمرق .. ع سواعد أهل المشقية كان الدوا تراب الأرض”.1
وامتاز سكان الريف بالشعر العامي اذ كان تسلية الأذكياء ومتعة الحكماء منهم فتهافتوا على قوله وارتجاله في سهراتهم ومناسباتهم من أعراس وأحزان واحتفالات وبرعوا في وصف جمال الطبيعة والتغزل بحياة الضيعة كما عبروا من خلال الشعر المحكي عن حبهم للوطن والأهل وكتبوا في المرأة والحب وفي الطفولة والأمومة والعمل والدين والسياسة فها هو الشاعر المغترب جعفر حيدر يسكب جداول أشواقه للشام شعرا يهيم في بساتينها زهوا وافتخارا كأنه أحلام الشهداء … “ولادك يا سورية فطاحل ملهمين… حملو الوطن بقلوبهن هالمخلصين صدرك جمعنا ولم شمل الشاعرين… جوا الوطن وبغربتن هالقاعدين”.
وها هي الشاعرة ثناء حيدر غنت رياح شوقها لوطنها شعرا زاخرا بالحس المرهف والشعور الجميل فقالت .. “شام العروبة ورودها وياسمينها….الإصرار ناطر عبواب سنينها التاريخ نهرو بينبع من جبينها….وماشي تيسقي لمة بساتينها”.
والشعراء الشعبيون يتحسسون آلام الشعب والوطن مثل زملائهم شعراء الفصحى على ساحة الوطن والقصيدة الشعبية هي نفثة وجدانية همها الأساسي هم وطني وهي تتخذ شكل رسالة الى المخاطب تنتهي بنغمة من الحماسة الثائرة التي تبشر بغد يخلو من الظالمين والمستعمرين.
ولا يغيب عن بال الشاعر علي عبيد في ديوانه ربابة الجبل عندما يتناول الثورة السورية الكبرى وما امتازت به من إيمان وبطولة وتضحية ونخوة وصبر وما شابهها مشيدا ببطولة المناضلين الأشداء قائلا..
“أظن ربعي الكل منهم نشاما…. طلعوا عن الأوطان لأجل الشهامه وياما عيال كثار صاروا يتامى… ويا ما خسرنا منا أماجيد وأبرار”.
وللشعر الشعبي في جبل العرب نموذج خاص لتميزه بالحماسة والنخوة والوطنية والكلمات المعبرة والمصورة للوقائع والأحداث فعندما أبيدت الحملة العسكرية التي أرسلتها سلطات الاحتلال العثماني في حرب خراب عرمان المشهورة عام 1896 بفضل إرادة الثوار وشجاعتهم وغنموا الذخيرة والأسلحة اشتهرت من بين النساء المناضلة سعدى ملاعب التي كانت تبعث النخوة والحماسة في نفوس الثوار وهي تحمل الخبز والماء مع مجموعة من نساء القرية فقال لها بعض الرجال الثائرين هذه الأبيات..
“لعيونك سعدى ملاعب نفني كل الكتايب..ما بيرجع لقرابو السيف حتى يسوي العجايب”.
لقد كان الشعر الشعبي السوري نبعا من الأصالة والتاريخ وكلماته مرهفة الاحساس وفي قصائده الأصالة والإيقاع ليحبه كل من سمعه ولتعكس إشراقات شعرائنا العاميين ولتدل على ليونة الكلمة وإيحائها وطواعية اللغة وخفة دمها وبساطتها وعفويتها.