كسب: معركة «تمويه» أم حرب قمم ومعابر برية وبحرية؟

كسب: معركة «تمويه» أم حرب قمم ومعابر برية وبحرية؟

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٣ أبريل ٢٠١٤

حسم الجيش السوري في ريف حمص الغربي، وانتهت معارك الزارة والحصن بالسيطرة على القلعة، فيما كانت وحداته والحلفاء تتقدم في القلمون والغوطة مسجلة الإنجاز تلو الإنجاز، ولم يكن أمام المعارضة المسلحة وداعميها فرصة لإلتقاط الأنفاس، فلجأت كالعادة الى الإعلام محركة آلات الترويج لمعركة «الجنوب»، عبر حركة تعيينات مترافقة مع قوافل ومساعدات وارتفاع مستوى التسليح، حركة تم تظهيرها في الإعلام الغربي والعربي على حد سواء وبشكل مقصود، لكن المعركة فُتحت في كسب ولم تغلق في حلب، مما زاد في اتساع مروحة التساؤلات عن حقيقة الغايات والأهداف: فهل كانت «حملة درعا» غطاءً تمويهياً لمعركة «كسب» أم أن الأخيرة كانت مجرد محاولة لتشتيت الأنظار عن معركة «حلب»، أسئلة لا بد أن يكون محتوى الصندوق الطائر المنقول من «الأردن» إلى «تركيا»، يتضمن الكثير من الإجابات المنتظرة عليها.
 بالعودة الى جبهة كسب، سواء كانت ثانوية أم رئيسية وذات أبعاد استراتيجية تتمثل بالسيطرة على الجغرافيا الجبلية الساحلية تمهيداً لفتح أول معبر بحري لم يُعرف ما الغاية والفائدة من وجوده مقابل عشرات المعابر البرية المتبقية على الحدود الأردنية والتركية والعراقية، بعد اقفال المعابر اللبنانية بقوة السلاح في القلمون، وفي قراءة ميدانية لوقائع المواجهات، لا بد من الإضاءة على جغرافية وديموغرافيا المنطقة بدءاً من المدينة الحدودية السورية ومعبرها.
 مدينة «كسب» السياحية الحدودية، تقع على تخوم قمة «الجبل الأقرع»، الذي يرتفع عن سطح البحر حوالي 1800 متر وتتمركز على قمته أهم قاعدة للجيش التركي، يبلغ تعداد سكانها حوالي 3500 نسمة 90 % منهم من الطائفة الأرمنية، إضافة إلى الوافدين من حلب والرقة والذين شردتهم الجماعات المسلحة بممارساتها وارهابها سابقاً.
 المعارضة المسلحة وكما صرح عدد من قادتها اعتبرت أنها ارتكبت خطأ استراتيجي لأنها لم تبدأ ما أسمته حربها ضد «النظام السوري» من الساحل، على اعتبار أن الساحل هو الخزان البشري الرئيسي المؤيد للنظام من وجهة نظرهم، كما أوضحت تصريحات مسؤوليها السياسيين والعسكريين أن المسألة ليست مجرد محاولة للسيطرة على معبر بحري بل تتعداها الى قلب موازين الميدان في الساحل السوري بكامله، خاصة بعد تسرب معلومات عن خطة تركية للسيطرة على منطقة «البسيط»، تتضمن إنشاء مرفأ بحري بعد السيطرة على «رأس البسيط» وامتداداته سفوحه لتشكيل حامية جغرافية وعسكرية له، ليتم استخدامه لاحقاً لتمرير السلاح والرجال بدل استخدام الأراضي التركية لتفادي الإحراج المتزايد تجاه الدول الداعمة لسوريا.
 تعتبر كسب ومحيطها، وتحديداً قرية السمرا الحدودية والسياحية، خاصرة ضعيفة وذات طبيعة جبلية وتضاريس صعبة ومعقدة الاتصال ببعضها، يمكن الوصول اليها بشكل سريع من الحدود التركية، وتساهم جغرافيتها المطلة وقمم جبالها بالسيطرة بالنار على مسافات واسعة محيطة بها، الأمر الذي سيسهل أي عملية عسكرية باتجاه عمق الساحل لاحقاً.
  بداية المراحل التنفيذية للخطة بدأت مع تشكيل عدد من الكتائب والفصائل المعارضة التابعة لجبهة «النصرة» و«أحرار الشام» و«جيش أنصار الإسلام» و«حركة شام الإسلام» و«الكتائب الشيشانية» التي يقود معركة كسب أحد قادتها المدعو «أبو مسلم الشيشاني» غرفة عمليات موحدة، بإشراف ودعم لوجستي تركي لا محدود وإسناد ناري من قبل الجيش التركي، مطلقة ما أسمته «معركة الأنفال» التي بدأت من ثلاث محاور رئيسية في ذات الوقت عبر معبر كسب الحدودي باتجاه منطقة نبع المر وباتجاه قمة جبل النسر والنقطة 45 الإستراتيجية، وبهجوم موازي من ناحية «الصخرة» باتجاه مدينة كسب مباشرة حيث تم مباغتة الجيش السوري في الأيام الأولى للمعركة لتسيطر الجماعات المسلحة على المدينة، متخذة من المدنيين رهائن ومن دور العبادة الأساسية مقرات لها.
  الجيش السوري لم ينتظر طويلاً بالرغم من كون عملية الهجوم مفاجئة وغير متوقعة، لكنه سرعان ما استوعب الخسائر ممتصاً هجمات المسلحين إلى نقاط أوسع مما كانوا يخططون له، وبعد إنفلاشهم على مساحة لا يمكنهم تغطيتها، بدأ أولى عملياته التي أثبتت صوابية أسلوبه الدفاعي، مطلقاً حملة لاستعادة السيطرة على محور مرصد النقطة 45، الذي يعتبر أهم نقطة إستراتجية في المنطقة، نظراً لارتفاعه واشرافه على مساحة كبيرة من الشريط الساحلي لريف اللاذقية الشمالي وإطلالته المباشرة على باقي نقاط تمركز الجيش الأخرى على طول خط الجبهة.
  معارك شرسة ومواجهات عنيفة دارت في محيطة المرصد، حيث أعتمد الجيش السوري على غطاء ناري كثيف بمساندة مكثفة من سلاح الجو، معززة بتقدم وحدات المشاة، ليتم استعادة السيطرة على المرصد بعد ساعات قليلة على سيطرة الجماعات المسلحة، لكن الوحدات العسكرية لم تتوقف هناك بل واصلت تقدمها لتسقط تلة جديدة بيد الجيش وهي قمة جبل الحرامية المؤهلة لتشكيل رأس حربة في عمق نقاط سيطرة الجماعات المسلحة.
  محاور القتال الأخرى لم تكن أقل أهمية من معركة السيطرة على المرصد ٤٥، فكانت معركة السيطرة على قمة جبل سلدرين المعروف بـ«تشالما»، والذي يطل بشكل مباشر على قرية السمرا وشاطئها الصغير، المنفذ البحري الوحيد الذي تمكنت هذه الجماعات من السيطرة عليه والذي لا يتعدى طوله 1 كيلو متر ويقع ثلثه داخل الأراضي التركية، وهو خليج صغير محاط بطبيعة صخرية قاسية وغير مهيأ لرسو المراكب أو السفن.
  أيام إضافية ومواجهات هي الأعنف خاضها الجيش السوري على سفوح «تشالما»، ليرتفع بعدها العلم السوري مرفرفاً على قمة جبل «سلدرين»، ولتتركز حالياً ضربات الجيش على قمة النسر الاستراتيجية أيضاً، نظراً لتوسطها القمتين (المرصد وتشالما) وفي حال نجاح الجيش بالسيطرة عليها يكون عمليا قد سيطر على كامل الميدان.
  ميدانياً وبعيداً عن التحليل حول أهداف معركة «كسب»، فإن الوقائع الميدانية العسكرية المتتالية على هذه الجبهة، بدأت تشبه إلى حد ما سبق وشاهدناه أو تابعناه في معارك يبرود والقلمون، عندما اعاد الجيش السوري تغيير الموازين وقلب معادلات وآليات المواجهة، مسيطراً على القمم و التلال ليتمكن وخلال وقت وجيز وغير متوقع من السيطرة على كامل القلمون، اليوم تقترب معركة القمم والتلال المتتكررة في كسب من نهاياتها، لتمهد لاحقاً إلى إعادة الأوضاع الى ما كانت عليه، إن لم يكن لدى القيادة السورية خطط أخرى.. لن تمس الحدود، لكنها ستغير شكلها.