أنطون المقدسي

أنطون المقدسي

نجم الأسبوع

الأربعاء، ٢ أكتوبر ٢٠١٣

المفكر أنطون المقدسي اسم رسم بمشواره علامات، كانت كالمنارة لمن يريد أن ينهل الثقافة ويسير في دروب المعرفة، فلم تخرج كلماته قط إلا بدافع الإصلاح،
لأنه رأى فيه أولى مهام المثقف الحق الذي يسعى لتسخير العلم الذي في خاطره لخيره وخير غيره، ليعد من كبار المثقفين على مستوى المشهد الثقافي العربي فالكلمة كانت كالجوهر الثمين المؤتمن عليه لأن الثقافة بالنسبة إليه رسالة وبمقدار ما نؤدي الرسالة بأمانة ونضحي في سبيلها بمقدار ما نسهم في بناء الوطن، وبذلك استحق لقب (الأستاذ)، كما كان يعرف بعطاءاته التي لم تبدأ  بوضع أسس الحزب العربي الاشتراكي ولم تنته مع مؤلفاته  خلال عمله في قسم الترجمة والتأليف ضمن وزارة الثقافة لعشرات الأعوام لتكشف مترجماته ومؤلفاته عن عمق تفكيره وأصالة مبدئه..
 وفي مسيرته ما يدل على أثره إذ جاء في دراسة للباحث نبيل سلامة عن المقدسي:
  وُلِدَ أنطون المقدسي في يبرود (دمشق) عام 1914، وأتم تحصيله العملي في مدارس يبرود ودمشق وعندما كان طالب (بكالوريا)  نشر أولى كتاباته في مجلة لبنانية وهو في السابعة عشرة من عمره، ورفض ناشر المجلة التصديق بأنه كاتب المقالة حين التقاه لأول مرة! أما كتاباته الأولى في الصحف الأدبية فقد بدأت فعلياً منذ عام 1938.
 وحين كان طالب حقوق في الجامعة السورية قطع دراسته وذهب إلى فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية كي يدرس الفلسفة الإغريقية وعلم الاجتماع وحصل على إجازة في الفلسفة وشهادة في الأدب الفرنسي من فرنسا، عندما عاد إلى سورية عام 1940، عمل مدرساً للفلسفة في الثانويات ضمن عدة مدن سورية وأثناء ذلك أكمل تحصيله القانوني في كلية الحقوق، وحصل على إجازة في الحقوق وأخرى في العلوم السياسية من مدرسة الحقوق الفرنسية في بيروت.انخرط في الحياة السياسية نصيراً لاستقلال الوطن والمستضعفين من أبنائه، ومدافعاً عن عروبة فلسطين، ومناضلاً في سبيل وحدة العرب. فكان له دور في الحركة الشعبية التي عرفتها سورية بدءاً من أواخر الأربعينيات، وأدت إلى إيقاظ الفلاحين من خلال زياراته المتكررة للقرى وفقراء المدن، حيث نشر لديهم الوعي بحقوقهم، وأهمية دورهم في الحياة العامة، ليطالبوا بحقوق عادلة، ولعب دوراً رئيساً في بلورتها والدفاع عنها بالقلم والموقف العملي.وكان أحد مؤسسي الحزب العربي الاشتراكي بزعامة أكرم الحوراني، واضعاً دستوره ونظامه الداخلي، وحين اندمج هذا الحزب عام 1953 مع «حزب البعث العربي» ليصير اسمه «حزب البعث العربي الاشتراكي» كان أحد الذين  كتبوا وثيقة الاندماج، وفور وصول الحزب إلى السلطة انسحب منه أنطون المقدسي غادر نهائياً النشاط السياسي المباشر وتفرغ لعمله الفكري. كما كان له الدور في تأسيس اتحاد الكتاب العرب عام 1969، وظل عضواً في مكتبه التنفيذي حتى عام 1996.
 عمل المقدسي لسنوات في تدريس الفلسفة في جامعة دمشق وفي المعهد العالي للعلوم السياسية، وكان متميزاً بقربه من الطلبة وفتحه مجالاً للحوار.
 ترك أنطون  المقدسي الجامعة السورية، وتفرغ لعمله لمصلحة وزارة الثقافة في مديرية الترجمة والتأليف لمدة تجاوزت الأربعين عاماً، وقد استطاع أن يجعل  خلال فترة استلامه من إصداراتها أهم إصدارات الكتب في الوطن العربي، حيث أدخل الحداثة إلى نوعية الموضوعات التي أصدرتها.
 عُرف المقدسي في الأوساط الثقافية السورية بـلقب «الأستاذ» رغم أنه كان مقلا في كتاباته لكنه كان يناقش ويحاور ويوجه ويلقي المحاضرات، وكان ذا معرفة واسعة بمختلف أنواع وأشكال الفكر، وبمختلف الاتجاهات الفلسفية القديمة والحديثة، كل هذا جعل لقب الأستاذ ينطبق عليه كثيراً.
 وتقديرا لعطاءاته وعرفانا بدوره الثقافي  حصل عام 2001 على جائزة الأمير كلاوس، وفي عام 2002 نال جائزة وزارة الثقافة، وفي عام 2003 منحته وزارة الثقافة الفرنسية جائزة «عامل» في حقل الإبداع الأدبي والفكري من أجل نشر الثقافة في فرنسا والعالم. بعد أن أثرى المقدسي المكتبة العربية بمؤلفاته من كتب ودراسات ومقالات ومن أهم ماقدم ترجمة «فاسا جيليزنوفا» لمكسيم غوركي1981. «مبادئ الفلسفة، مشكلة المعرفة» تأليف: أنطون المقدسي1985. «الصوفانية» الأب الياس زحلاوي «وقائع وذكريات»، الأستاذ أنطون المقدسي «تأملات». «حرب الخليج: اختراق الجسد العربي» أنطون المقدسي، دار رياض الريس. «الأستاذ»، إعداد وتقديم: د.علي القيم، مجموعة مقالات لأنطون المقدسي معظمها في مجلة المعرفة منذ 1968 حتى 1992، «الحب في الفلسفة اليونانية والمسيحية».
 إضافة الى فكره الأصيل في الكثير من القضايا السياسية والنظريات الاجتماعية والمدنية وفي أولها مسألة الحب وأثره في الحياة العامة والخاصة وفي رقي الانسانية.وهذا ما أكده الأصدقاء في موكب رحيله حيث قيل عنه: المقدسي عاش عصره وتفاعل معه وعانى مشكلاته، وفي مقدمتها بؤسه العدمي، ذلك المرض القاتل الذي ينبغي الشفاء منه بالحب، فالحب والعدمية على طرفي نقيض، الأول يمثل الانفتاح، والثاني يمثل الانغلاق الذي يهيمن على عصرنا. ولكن أنطون مقدسي كان يراهن على ميتافيزيقا الحب التي تشخصن الإنسان، وتساعده على الانفتاح، وهو من كان يقول دوماً: بمقدار سخائنا في بذل الحب للآخر، نسمو بإنسانيتنا، وأن نكون قادرين على أن نجلس في علاقة حقيقية مع كائن إنساني آخر، يساوره قلق عميق أو شعور بالذنب، أو يعاني مأساة معلقة فوق رأسه، فإن هذا الموقف يعد أسمى ما في إنسانيتنا جميعاًً، وهذا ما يجعلنا نؤكد على أهمية التلاقي (اللقاء الصميمي أو الحميم مع الآخر) بدلاً من مجرد علاقة. ليرحل أنطون المقدسي  في 5/1/2005 بموكب بسيط كما طلب وكما أمضى حياته.