خفايا مرحلة ما بعد الولادة

خفايا مرحلة ما بعد الولادة "النفاس"

الأزمنة

الأحد، ٢١ فبراير ٢٠١٠

 

تمرّ المرأة بمرحلة حساسة من حياتها في سنِّ الخصوبة، وهي مرحلة ما بعد الولادة وتسمى "النفاس".. وهي حقبة هامة إذا سارت بشكل جيد، والاطمئنان عليها للحمول القادمة ضروري للمرور من هذه المرحلة الحرجة والمهمة في الوقت نفسه للمرأة في سن النشاط التناسلي.

لذلك كان الاستفسار عن كل ما يتعلق بهذه الأمور من تغيرات عضوية ونفسية واجتماعية، إضافة إلى التنبيه لحالات قد تكون نتائجها كارثية، مع الرعاية الصحية المثلى أثناء النفاس، لغاية عودة الطمث والإباضة للمرأة بعد الانتهاء من الولادة.. كل هذه الأمور سيحدثنا عنها الدكتور سليم رجب الاستشاري بالجراحة النسائية والتنظيرية والتوليد والعقم، وأطفال الأنابيب من جامعات فرنسا..

*- ما هو النفاس؟

- هو الفترة التي تلي الولادة مباشرة وخروج المشيمة وتستمر حوالي 6-8 أسابيع، تحدث خلالها الكثير من التغيرات النفسية والفيزيولوجية والاجتماعية وتنتهي بعودة أجهزة المرأة إلى ما كانت عليه ما قبل الحمل إلا الثديين الذين يثابران على نموهما للقيام بوظيفة الإرضاع.

*- ما هي التغيرات التي تطرأ على رحم المرأة ؟

- يعود الرحم إلى حجمه وحالته الطبيعية قبل الولادة وهو ما يسمى بانطمار الرحم حيث ينقص وزن الرحم وحجمه بمقدار 16 مرة بعملية الانحلال الذاتي. فبعد خروج المشيمة (الخلاص) يأخذ الرحم شكل كرة قاسية، ويكون ارتفاعه يعادل أعلى السرة بـ 1 سم. وبعد اليوم الثاني للولادة يتناقص ارتفاع قاع الرحم بمقدار 1-2 سم يومياً ويصبح غير محسوس. وفي اليوم الثاني عشر يكتمل الانطمار بنهاية 6 أسابيع مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل التي تؤثر على عودة الرحم لطبيعته.

*- ما هي العوامل التي تزيد من سرعة عودته لطبيعته؟

- كثرة الإرضاع، إفراغ المثانة والأمعاء بشكل جيد، وعند المرأة التي كانت بحملها الأول.

*- وهل هناك عوامل تنقص من سرعة عودته لطبيعته ؟

- طبعاً.. إذا تعرضت المرأة لأحد هذه العوامل مثل: تعرضها لولادة شاقة مديدة، إذا كان الحمل يحوي أكثر من طفل، كبر حجم الطفل، إذا كانت الولادة عملية قيصرية، أو إذا كانت الأم قد ولدت مسبقاً ولادات كثيرة، إذا كانت بحالة نفسية سيئة بعد الولادة، أو إذا كانت المرأة في سن متقدمة.

*- تستمر المرأة بحالة مفرزات ونزوف ما بعد الولادة .. ما طبيعة هذه المفرزات؟

- يتدفق من المرأة أثناء النفاس مفرزات من المهبل وهي تدعى (الهلابة) التي تتكون مجهرياً من دم وكريات بيض وبقايا الأغشية الحافظة للجنين العالقة في الرحم وقطع من الغشاء المخاطي الرحمي وجراثيم من المستوطنة بالمهبل. وتكون حمراء ما بين اليوم الأول والرابع، ومصلية ما بين اليوم الخامس والتاسع، ثم بيضاء في اليوم العاشر وتختلف كميتها من امرأة لأخرى. وينقص محتواها فيما بعد وقد تستمر أسبوعين فقط عند بعض النساء، وعند البعض الآخر قد تبقى ستة أسابيع تقريباً. علماً أنه كلما زادت كمية الهلابة مع محتواها من الدم كلما دل على قلة الإنتان ودل على نشاط الأم المطلوب ما بعد الولادة.

*- بعض النساء تشعر بطلق مثل طلق الولادة بعد الولادة.. ما دلالة هذا الشيء؟

 

حالات قد تكون نتائجها كارثية

يجب على الوالدين تكييف حياتهما لتلبية حاجة المولود.. وتشجيع الأم على إرضاع مولودها مباشرة

البدء بالتمارين خلال الأيام الثلاثة الأولى من الولادة يساعد على الشعور بالتحسن الجسمي والنفسي

- فعلاً هي تقلصات رحمية مثل التقلصات أثناء المخاض وهي تساهم بعملية سد للأوعية الدموية داخل الرحم وإرقائها تزداد بعد الولادة مباشرة ثم تتناقص بعد ساعتين وتكون شدتها كبيرة في حالة الولادة الثانية، وفي حالة كبر غدد الرحم أثناء الحمل من جراء استسقاء أو زيادة السائل المحيط بالجنين أو الجنين الكبير وحالة التوءم أو الحمل المتعدد أو أثناء الإرضاع أو تنبيه الأعضاء التناسلية.

مع التنبه إذا كانت هذه الآلام شديدة مترافقة مع نزف واضح أو كبر لحجم الرحم عندها يجب التفكير بأن ترك بقايا مشيمية أو أجسام أجنبية كقطع الشاش التي توضع بعد الولادة. ولذلك يجب مراجعة الطبيب لإجراء الفحص على الإيكو والفحص المهبلي للتأكد من عدم نسيان الشاشة التي توضع غالباً بعد الولادة بسد النزف المجهري الذي يظهر من عنق الرحم، والذي غالباً ما ينسى بعض الأطباء تنبيه الأم بضرورة نزعها قبل الخروج من المشفى، أو بعده بعدة ساعات !.. والتي أدى نسيانها في بعض الحالات لنتائج كارثية.. وتوضع كنقطة سوداء في تاريخ الطبيب المولِّد.

*- متى يعود الطمث والإباضة للمرأة بعد الانتهاء من الولادة وتواليها ؟

- عند غير المرضعات يعود الطمث لدى 40 - 45 % من النساء خلال 6 – 8 أسابيع، ولدى 75% من النساء خلال 12 أسبوعاً، ولدى 100% من النساء خلال ستة أشهر. وتكون الدورة الطمثية الأولى غالباً لا إباضية أي لا يحدث بعدها الحمل مباشرة.

أما عند المرضعات يعود الطمث بعد 12 أسبوعاً. لذلك يجب التنبيه إلى أنه بعد هذه المدة قد تصبح الإباضة والحمل ممكنين، وأن منع الحمل بالإرضاع مؤقتة وغير كافية ويجب استعمال وسائل منع الحمل كي لا يحدث حمل ثان سريع بعد الولادة. مع التنويه إلى أن الطمث الأول بعد الولادة يكون شاقاً وصعباً وغزير الدم ويترافق بتعب يستدعي الراحة في السرير.

*- ما هي التغيرات التي تحدث للحوض والعجان والمهبل والفرج والأمعاء؟

- يزيد هرمون البروجسترون أثناء الحمل مما يزيد من تروية الألياف العضلية ويقلل من حساسيتها. أما في النفاس فينخفض البروجسترون مما يساعد على عودة هذه الألياف العضلية إلى قوتها خصوصاً في الحالبين وحويضة الكلية وجدار البطن أربطة الرحم عضلات جدران الأوعيـة قاع الحوض والعجان والمهبل والفرج ويساعد على ذلك الحركة الباكـرة للأم وممارسة التمارين الرياضية وتجنب الإمساك.

وفيما يخص المهبل يكون في بداية النفاس أملساً وواسعاً يتناقص حجمه بالتدريج حتى الأسبوع 6-8 ولكن لا يعود إلى حجمه الذي كان عليه ما قبل الولادة.

*- ما هي التغيرات التي تحدث للثديين؟

- إن ارتفاع هرمون البرولاكتين المحرض بإرضاع يؤدي إلى نمو أسناخ الثديين ويزيد من ترويتهما ويحرض على بدء إنتاج الحليب، فيصبح الثديان أثناء الأيام الأولى ما بعد الولادة ثقيلين ومحتقنين ومؤلمين. لذلك يراعى اللطف في معاملتهما، وأن يسندا بشكل جيد بحوامل الثديين الفضفاضة والتي يفضل أن تكون قطنية.

*- وماذا تحدثنا عن كيفية العناية بهما؟

- يجب المحافظة على نظافة الثدي وتأمين الدعم المناسب ويمكن أن تنظف الأم غير المرضع ثدييها يومياً بالماء والصابون عند الاستحمام دون أي عناية خاصة، بينما تنصح المرضع بتنظيف حلمتيها بالماء دون الصابون علماً بأن جلد الحلمتين ينظف نفسه بمطهر طبيعي يفرزه الجسم يدعى ليزوزيم.

ويجب على الأم عدم استعمال أية مادة مجففة كالكحول، وكما يطلب منها غسل يديها بالماء والصابون قبل الإرضاع للوقاية من الإنتان، وارتداء حمالة أثداء مناسبة للإرضاع - كما ذكرت - بشكل لا تخنق الثديين، ويمكن أن تستعمل فوطاً خاصة توضع بين الثدي والحمالة وتستعمل لمرة واحدة لامتصاص الرطوبة والحليب المتسرب عفوياً من الثدي، وينصح بتعريض الحلمتين للهواء أثناء النهار (15- 30) دقيقة، لأن ذلك يساعد على زيادة مقاومة الجلد ويحميه من التشقق.

*- وماذا يطرأ على الوزن؟

- تفقد المرأة حوالي 4.5 كغ من وزنها أثناء الولادة نتيجة خروج محصول الحمل وفقدان الدم والتعرّق.

*- ما هي التغيرات النفسية والاجتماعية؟

- يجب على الوالدين تكييف حياتهما لتلبية حاجة المولود ويجب أن تشجع الأم على إرضاع مولودها مباشرة، وطبعاً تطور مشاعر الأمومة والأبوة تختلف من والدين لآخرين. فالبعض يشعر باندفاع فوري وبشعور غامر بالمحبة للوليد لحظة ولادته, بينما يتطلب الأمر من البعض الآخر عدة أيام أو أسابيع حتى يولد هذا الحب. وهذا التأخير طبيعي، وليس مرضياً. ويشجع الأب على حمل مولوده مما يولد شعور المحبة لوليده.

وتعاني امرأة من بين كل ثلاثة إلى حالة عابرة من القلق والهياج والبكاء، وهذه حالة طبيعية ولا تحتاج لعلاج نفسي بل لمزيد من الدعم والرعاية وهذه الاضطرابات تنتج بسبب التغير السريع في مستوى الهرمونات في دم الولود، وقلة النوم والتعب خلال المخاض والولادة، أو النزوف والتهاب الثديين وعدم قدرة الأم على الاعتناء بطفلها والتأقلم مع متطلباته من تغيير الفوط كل فترة قصيرة واستيقاظها المتكرر عند بكائه وتقيُّئه وغير ذلك. ويلعب دوراً ايجابياً وجود والدتها أو والدة زوجها إلى جانبها في هذه الفترة ورعايتها مع مساعدتها على العناية بوليدها وخصوصاً في حال نقصان الخبرة بكيفية تعامل الأم مع وليدها الأول.

*- ما هي الرعاية الصحية المثلى أثناء النفاس؟

- تقسم الرعاية إلى قسمين : الرعاية الفورية وهي التي يجب أن تقدم في غرفة الولادة وخلال الساعتين الأوليتين مثل فحص فقر الرحم للتأكد من انقباضه، وفحص ارتفاع الرحم للتأكد من عدم امتلائه بالدم، فحص الضغط والنبض والتنفس بانتظام، فحص المثانة، تشجيع السيدة على التبول ووضع قثطرة بولية عند الضرورة والحض على الإرضاع الفوري والتغذية.

والرعاية بعد الخروج من المشفى والتي تشمل لما سبق الراحة والنظافة الشخصية والعناية بالتغذية وقياس الحرارة للتأكد من عدم حصول إنتان نفاسي مرة يومياً على الأقل مع النبض والتوتر الشرياني.

*- ماذا عن الغسول المهبلي والجماع بعد الولادة؟

- بعد الأسبوع السادس يجري انفلات عنق الرحم بشكل كامل عندها، وبعد الفحص العام الذي يؤكد أن كل شيء سار على ما يرام، يمكن إجراء الغسول المهبلي والجماع.

*- ماذا تنصح بتغذية الأم خلال النفاس ؟

- يمكن لها أن تتناول الطعام والشراب بعد مرور ساعتين من الولادة المهبلية إذا لم تكن تشعر بالغثيان، وإذا لم يكن هناك اختلاطات تتطلب التخدير والعودة لغرفة العمليات.

تشجع الأم على تناول وجبات خفيفة ومنتظمة كالشوربات الجاهزة المجففة في الأسواق ويجب أن تكون على مراحل متعددة 5- 6 مرات، ويجب أن يكون طعامها كاملاً، مشابهاً لطعام الحامل أي بمعدل 700 حريرة تقريباً وبكميات كافية من المواد المغذية المتنوعة (بروتين كالسيوم حديد – فيتامين ب6 ب 12 فيتامين سي).

ويتم غالباً تأمين هذه المواد من نصف كيلو غرام من الحليب يومياً و200 غ أو أوقية من اللحم الحيواني الأحمر لتأمين هذا الوارد المطلوب للتغذية بالإضافة لما تتناوله من خضار وفواكه متنوعة، وهذا حسب ما يكون متوفراً خلال فصول السنة مع مراقبة وزنها، فإذا زاد الوزن عن الطبيعي يجب التفكير بتخفيف الوارد الغذائي من السكريات والمتوفر في الخبز والرز والحلويات والبطاطا والخضار حلوة المذاق. مع التنبيه إلى أنه يمكن تناول البصل والثوم فهي لا تطرح مع الحليب ولا تزعج المولود كما يظن البعض- مع الانتباه بشكل كبير إلى عدم تناول الأدوية إلا بعد استشارة الطبيب لأنها قد تعبر بالحليب إلى المولود وتسبب الضرر له.

*- ما الرأي الطبي فيما يختص بالحركة وإجراء التمارين؟

- يجب تشجيع السيدة على الحركة بأسرع وقت ممكن بعد الولادة ويجب البدء بالتمارين خلال الأيام الثلاثة الأولى مما قد يساعد على الشعور بالتحسن الجسمي والنفسي، إذ إن الحركة تساهم بالوقاية من التهاب الوريد الخثري وتساعد على عودة عضلات البطن والحوض إلى حجمها الطبيعي.

وفاء حيدر