قراءة في ديوان «دعوة إلى الحبّ»... صرخة أنثوية ناعمة هادفة إلى بثّ روح المحبة في النفوس

قراءة في ديوان «دعوة إلى الحبّ»... صرخة أنثوية ناعمة هادفة إلى بثّ روح المحبة في النفوس

شاعرات وشعراء

الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠١٨

من يعرف وفاء يونس الإنسانة، لا يستغرب بتاتاً سبب عنونة ديوانها الأول بـ«دعوة إلى الحبّ» ، فهي فيضٌ من الأنوثة والرقّة، الصدق والطيبة، المحبة والوفاء.
 
وإذا ما عدنا إلى الديوان، نرى وفاء قد جزَّأته إلى ثلاثة أقسام : قصائد حبّ، خواطر، وجدانيات… حمَّلتهم ذروة الحبّ الصافي الشفاف بكلّ ما في وجدها من رقيّ مشاعر.
 
ففي القسم الأول «قصائد حبّ»، كانت البداية عطرة بشبق العشق في قصيدة «العطر والرحيق»، معتبرةً الحب هو رحيق الأرض، وهو العطر الذي يفوح والعبير الذي يُنعش الأيامَ والأحلام. فبالحب يبدأ الكون وينتهي. وهو الحقيقة الأزليّة في ظلّ الله الذي يحمي البشرية التي ما عرفَتْ قيمتهَ الحقيقية، وإلا لما نسوا إنسانيتَهم.
 
فوفاء الإنسانة تطالبُ الآخرَ بضرورة الاعتراف بحبه حتى يُصبح الحبُّ ديناً للناس، منهجاً وسبيلاً… وتغمزُ إلى الحبيب بشكل عفويّ، تدعوه أن يقرأَ مشاعرها نحوه في ديوانِ أشعارها علَّه يدقُ بابَ قلبها ليحييها ويطفئ الحنينَ في ضلوعها، وألَّا يخجل من سؤالها إذا ما كانت تحبّه وتهواه. فسؤاله لها حقٌّ مشروعٌ له لأنه حبّها الوحيد الذي لا ولن تنساه، الذي تفضحُها عيناها أمام الناس. فهي تحبه بكل حالاتها، وعلى طريقتها المخفيّة كي لا تراهُ عيون الحاسدينَ الكارهين كلِّ حبًّ طاهرٍ جميل، أيّ على الطريقة العربية تهريباً وتزويراً، لأن القيد يقمعُ الروحَ والأمل. فتتمنى أن تُقلَبَ حركةُ الكون حتى تبقى معه إلى أن تشرقَ الشمسُ من الغرب.
 
وتتابع الكاتبة وفاء في القسم الأول تحليقها على أجنحة الحبّ الشفيف عبر الخيال، لترتوي من خمر الهوى رغم قسوة القدر والزمان، فتنصهرَ والحبّ حتى يغدو الحبيبُ بلسماً لجراحها، شمسها وقمرها، نبضاً يُحيي كيانها، لكأنه هو الكلّ المعلمُ والملهمُ، وفيه يُختزَلُ الحبُّ والعشقُ.
 
وفي الديوان «دعوة إلى الحبّ»، نجد الأنوثة مكثَّفة في أنثى من طرازٍ راقٍ تُدركُ معنى الحبّ وشيمَ العشاق. تعرفُ أنَّ لا امرأة يمكن أخذُ حبيبِها منها ما دامت تحيطه بالحب والوفاء، لكنها مع هذا ـ وككلِّ أنثى ـ رغم ثقتها بنفسها وسموّ كبريائها إلا أنها تخافُ فقدَه، إذ تجد فيه الرجاء، النور والصفاء، ولاؤها لروحه لا رياء فيه. فهو الغيمة في صحراء روحِها التي تُنبتُ فيها وروداً وباقات عطرٍ مختلفة الأشكال والألوان… وهو شاعرُها المُلهِم الذي لم تلتقِ به. فكلُّ ما تملكه منه طيفٌ زارها ليلاً، وبخيالها العاشق رسمت على صفحة السماء صورتَه وحملت عطرَه في خاطرها وذكرياتها.
 
ويستمرُ دفقُ العاطفة في «دعوة إلى الحبّ» عبر القصائد، الحبّ ذاك الشعور الدافق الذي يهزّ الكون ويجمع القلوبَ عازفاً على أوتار الحياة ألحانَ الجمال والإبداع. فتارةً نراها تردّد أحبكَ ألفَ مرة كلّما أشرقت شمسٌ، وتارةً تدعوه ألا يتوقفَ عن قولِ أحبكِ لتضحكَ الشمسُ ويبتسمَ القمر، لتصحوَ ملائكةُ السماء تمجّدُ خالقَ البشر.
 
وعلى الرغم من هذه الدعوة إلى الحبّ إلا أننا نجدها في قصيدتها «قُلها» تدعوه أن يُخاصمَها، أن يقولَ ولو لمرةٍ أنه يكرهُها كي يطمئنَ قلبُها لأنها ترى في تعارض الأشواق هدفاً يُكسبُ الحبَّ نكهة وطعمة. ولكن عندما يثورُ كبرياؤها، تنتفض بشموخٍ مذكرةً الحبيبَ أنَّ الأمرَ لها، فهي فرشت دربَه بالفلّ والياسمين وأهدته الشمسَ والقمرَ وصاغتهُ رجلاً يغارُ منهُ رجالُ الدنيا.
 
هكذا هي شاعرتنا، قلبُها عرشٌ لمن تحب لكن عند الخيانة لا تغفر، لا تسامح. هي ترفضُ أن تشاركها أُخرى حبيبَها حتى لو أودعتْ أحلامها فيه أو ذابْت فيه عشقاً.
 
أمّا القسم الثاني المخصص لخواطر متعدّدة ففيه دعوة إلى الصدق والحبّ والتضحية، تتوجّه فيه إلى الحبيب تناديه، تشكوه وتلومه، وإلى السماء تناجي رب السماء لتشكو له ما فعله البشرُ بكرامة الإنسان، واصفةً القلب بمحرابٍ للصلاة ليجدَ المخلوقُ سعادتَه مع الخالق، وأنَّ الدين ليس بعمامةِ شيخٍ ولا بقولِ كاهن، بل هو عند الله دينُ حبّ وإحسان.
 
في القسم الثالث والأخير من الديوان والذي جاء بعنوان «وطنيات» تخاطب الكاتبة أعداء الحياة والإنسانية متمنيَّةً جمعَ القلوب بالمحبة وبناء عالم مختلفٍ لا مُتخلِّف. فتدعو أبناء الوطن إلى الوعي وغسلِ قلوبهم من الأحقاد ليتحرّروا من سجن الكراهية، فتتغنّى بلبنانها الذي سجدَ على أعتابه المجدُ وتهاوتِ الأعداء.
 
أما بيروت ـ المظلومةُ من المستبدّين ـ فهي لؤلؤة المدن وعشيقة الكون، بيروت التي دافع عن هامتها أبطالٌ لحمايتها، وهي المشهورةُ عبر التاريخ بكونها ناشرة الحرف والمعرفة والمحسودةُ من العواصم لجمالها ومجدها. كما أنها لم تنسَ الجنوبَ الساهرَ على عُرسِ الدماء والذي عمَّدَ الانتماء للوطن بأرواح شعبٍ يرفض الإنحناء.
 
ولا تقف وفاء يونس عند حدّ التغني بالوطن والأمجاد، فكل هذا لا يتحقق إذا لم يكن السلام هدفنا فتُكثر من التضرع إلى الله أن يحفظ العالم العربي كله وينشر فيه السلام بعد أن تكبَّلتِ العقولُ بأفيون المذاهب والأديان، فعمَّ الفساد والطغيان، راجيةً المولى أن يغفرَ لنا ما فعلناه بأرضنا عن جهلٍ وسوء دراية وتنتقد شريعة البشر التي تخالف شريعة الكون. فشرائعهم جامدة كقلوبهم نتاجُ عاداتهم البالية، أما شريعة الكون فمحبةٌ وحنان، عطاءٌ وسخاء .
 
وهكذا، نستطيع القول أنَّ الحبّ عند وفاء هو حنانُ أم، محبةُ شقيقة،غرامُ عشيقة، إلهامُ شعراء، فرحةُ لقاء وفضاءٌ من وفاء، وحبُّ الوطن كبرياء.
 
في الختام، في ديوان «دعوة إلى الحبّ» للكاتبة وفاء يونس والصادر عن «دار المؤلّف» صرخة أنثوية ناعمة هادفة إلى بث روح المحبة في النفوس، ورجاءٌ قويّ أن يعمَّ السلام القلبَ والبلدان لأنَّ هذه هي غاية الأديان، عسى أن تجد هذه الدعوة صدىً في قلوب القراء وكلّ من يحبّ لبنان والخير لجميع البلدان.