الاستثمارات السورية المهاجرة.. هل تعود إذا توقفت الحرب؟

الاستثمارات السورية المهاجرة.. هل تعود إذا توقفت الحرب؟

مال واعمال

الاثنين، ٢٩ أغسطس ٢٠١٦

ليس الدمار والسرقة وحدهما ما سلبا الاقتصاد السوري قوامه وحرفاه عن خط سيره الثابت ليكون رقماً صعباً بين اقتصادات الشرق الأوسط قبل أن يغدو اقتصاداً هشاً يتهاوى ببطء، إذ إن هجرة الاستثمارات وتسربها تحت وطأة الحرب زادا من مأساة سوريا وغيَّرا من تركيبتها الاقتصادية وأوقفا عجلة الانتاج فيها إلى أجل غير مسمى.
يُقدر حجم الاستثمارات السورية التي هجرت البلاد بين مئة إلى مئتي مليار دولار، استقر معظمها في تركيا والأردن ومصر وكردستان العراق، بالإضافة إلى بعض دول الخليج.
في تركيا، احتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها خلال العام 2015، المرتبة الأولى بين تلك التي تعود للمستثمرين الأجانب في البلاد، وقد وصلت نسبتها إلى نحو 22.3 في المئة من إجمالي تلك الاستثمارات، وذلك بحسب بيان صادر عن رئاسة «هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية» (آفاد)، التابعة لرئاسة الوزراء التركية.
وبحسب البيان الصادر مطلع العام الحالي، فإنه «مع استمرار الحرب في سوريا منذ خمس سنوات، بلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا أكثر من 2.4 مليون لاجئ، أصبحوا عاملاً مهماً في الاقتصاد التركي»، مضيفاً أنه «خلال 11 شهراً من العام الماضي، وصل مجموع الاستثمارات الأجنبية في البلاد إلى 918 مليون ليرة تركية (قرابة 300 مليون دولار أميركي)، منها 205 ملايين ليرة تركية استثمارات سورية»، كما أسّس رجال الأعمال السوريون خلال هذه الفترة 1429 شركة، جعلتهم في المركز الأول وبفارق واسع عن الشركات الألمانية التي احتلت المركز الثاني بـ 310 شركات.
في الأردن، بلغ حجم الاستثمارات السورية المتراكمة منذ اندلاع الحرب حوالي 70 مليون دولار، توزعت على ما يزيد عن 360 منشأة صناعية وتجارية، وفق تقديرات غرفة صناعة الاردن، بعدما قدمت عمان تسهيلات كبيرة للمستثمرين السوريين.
في مصر، اقتحمت الاستثمارات السورية الانتاجات ذات التكاليف الضخمة، فتصدرت قطاع النسيج بحجم يتجاوز الملياري دولار، ما يجعل مصر أحد أكبر المستفيدين النوعيين لهجرة الاستثمارات السورية الكبيرة، في حين توجهت نسبة من الاستثمارات المتوسطة والصغيرة إلى كردستان العراق وهي تحقق عمليات نمو متزايدة.
الأرقام السابقة، وبرغم ضخامتها، شكَّلت في المرحلة الاولى عناصر «اطمئنان» للحفاظ على نسبة كبيرة من الاستثمارات السورية من ويلات الحرب، الأمر الذي يعني إمكانية إعادتها الى البلاد مع توقف القتال وإعادة الأمان الى سوريا.
غير أن تجربة حلب الاخيرة، والمتمثلة باستعادة السيطرة على المدينة الصناعية في الشيخ نجار، أثبتت عكس ذلك تماماً، إذ إن إعادة بسط الحكومة سيطرتها على المدينة لم يُعِد إليها نشاطها الاقتصادي إلى حده الأدنى، لتبقى المدينة الصناعية الكبرى في حلب، عاصمة سوريا الاقتصادية، عبارة عن مجموعات من الكتل الاسمنتية المدمرة.
الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري يؤكد لـ «السفير» أن «جذب الاستثمارات المباشرة لا يتم بإصدار الأنظمة والقوانين فقط، ولكنه يحتاج أولاً لإعادة الثقة إلى السوريين بأن الأزمة انتهت وعاد الاستقرار السياسي والأمني، وثانياً يجب إصدار تعليمات تنفيذية واضحة وشفافة تُبسِّط الاجراءات وتُلغي الاجراءات البيروقراطية المعقدة»، لافتاً إلى وجوب انطلاق التعليمات من «عقلية تشجيع الانتاج وربطه بحوافز ضريبية تراعي حجم الانتاج من جهة وحجم التشغيل من جهة ثانية، مستعيضة بذلك عن عقلية الجباية، ما يمنع بعض المسؤولين من استغلال مواقعهم ليكونوا شركاء بالباطن أو يعمدون لوضع العصي في عجلات الاستثمار».
يشير حزوري إلى «وجود قسم لا بأس فيه من المستثمرين الوطنيين الذين صمدوا وصبروا وتحملوا كل المعاناة ورفضوا الهجرة بانتظار عودة معاملهم أو ممتلكاتهم الصناعية بشكل خاص، وقد فرح الجميع بتحرير المنطقة الصناعية في الشيخ نجار أولاً، ومن ثم أخيراً منطقة الليرمون الصناعية».
وأضاف: «للأسف، فإن حجم الدمار والتخريب وسرقة الآلات والمعدات من ناحية ورفض الحكومة كل مطالب المستثمرين بإصدار نص تشريعي يعتبر حلب مدينة منكوبة من ناحية أخرى، سيمنعان هاتين المنطقتين من العودة للعمل والانتاج بشكل سريع، إذ إنهما تحتاجان لإعادة تأهيل عوضاَ عن تأمين حوامل الطاقة، وهذا أمر يحتاج الى وقت وإمكانيات مادية ربما تفوق امكانيات الحكومة في وضعها الراهن».
كلام حزوري يتوافق وكلام المستثمر والباحث الاقتصادي السوري ليون زكي، إذ يرى أن «إعادة الاستثمارات أو حتى الأموال المهاجرة إلى البلاد تتطلب توفير ظروف العودة وعدم انتظار توقف الحرب، التي يبدو أنها ستطول لعدم نضوج وتوافر مناخ لجمها»، مضيفاً: «لا بد من العمل منذ الآن على توفير ضمانات لتلك العودة والبدء بإصدار حزمة التشريعات المحفزة للاستثمار في المناطق الآمنة، وخصوصاً في مدنها الصناعية التي شهدت عودة ليست ميمونة لقليل من رؤوس الأموال الجبانة، التي أغرتها الأرباح التشغيلية الناجمة عن رخص اليد العاملة وفرق سعر صرف العملة السورية مقارنة بالعملات الأخرى، لا سيما الصعبة منها».
وتابع زكي: «في المدى المنظور من توقف رحى الحرب، يصعب استعادة الجزء الأكبر من الاستثمارات المهاجرة جراء ضعف الثقة بعامل الأمان الذي افتقدته البلاد لفترة طويلة، كما أن المغريات التي وفرتها دول استقطاب الاستثمارات، مثل قانون تملك الأجانب للأراضي والعقارات من دون شرط الإقامة كما في تركيا سيعيق عودتها، خصوصاً مع اندماج المستثمرين الصغار في المجتمعات الجديدة، وتفضيل الكبار منهم تنويع سلة استثماراتهم في الخارج ما دامت العملية مجدية اقتصادياً»، ويضيف: «من الصعب عودة المستثمرين السوريين الكبار من أسواق الجوار التقليدية وخلال سنوات من توقف الحرب نظراً للمزايا والتسهيلات التي منحتها الحكومات لهم، كما في لبنان ومصر، بخلاف أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذين يحنّون لإعادة توطين استثماراتهم في سوريا لعدم توفر المناخ الاستثماري المثالي لهم وللأجانب بشكل عام في تلك الدول».
المستثمر السوري طلال عطار، نقل نشاطه إلى مصر، يؤكد خلال حديثه لـ «السفير» أن «إمكانية عودة الاستثمارات من مصر إلى سوريا تبدو ضئيلة جداً. المستثمرون السوريون أقاموا هنا نشاطات ضخمة، ليس من السهل عليهم أن ينقلوا هذه الاستثمارات إلى سوريا من جديد، خصوصاً بعدما تمكنوا من العودة إلى الأسواق العالمية وحصلوا على تسهيلات كبيرة».
أمام ما تقدم، يبدو الرهان على إعادة ما تسرب من استثمارات سورية إلى البلاد مغامرة غير محسومة النتائج، وهو أمر يتطلب العمل على نواح تتعلق بتشجيع إقامة استثمارات سورية جديدة وتقديم الحكومة يد العون لها، عدا التركيز على الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، والتي قد تتمكن، ولو جزئياً، من ترقيع «الخروقات» الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد السوري. كذلك تبدو عملية إعادة إعمار ما تدمر فرصة لجذب الأموال السورية المهاجرة، إن أحسنت الحكومة العمل في هذا السياق، وذلك بعدما تضع الحرب اوزارها.