من سايكس بيكو إلى كيري لافروف ..الفدرالية البائسة.. بقلم: كميل العيد

من سايكس بيكو إلى كيري لافروف ..الفدرالية البائسة.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ يوليو ٢٠١٦

في مقالتي الأسبوع الماضي على صفحات مجلة الأزمنة قلت: (( إن الفكرة الروسية عن خيار الفدرالية كمدخل للسلام في سورية والتي أعتقد أنها تخفي خلفها تفاهمات روسية أمريكية وأنها المقصودة بالخطة باء التي تحدث عنها الوزير كيري لن تؤدي للسلام في سورية؛ بل ستنقلنا إلى صراعات أخرى ذات طابع جديد أشد قسوة, صراع بين الكرد والعرب, بين الإسلاميين والعلمانيين .... , والأهم صراع بين الإرادات الإقليمية على الأرض السورية, صراع سيكون أقسى وأصعب من الصراع الحالي)).
 صحيح أن الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالمياً حيث تقسم فيه السلطات دستورياً بين حكومة المركز وحكومات الأقاليم التي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها السياسي. ولكن الأكثر صحة هو أن النظم الفدرالية في العالم من الولايات المتحدة إلى روسيا مروراً بكندا والنمسا وبلجيكا والأرجنتين والبرازيل وأثيوبيا وألمانيا والهند ..الخ فرضتها المصلحة العليا لهذه البلاد، حيث المساحة الكبيرة والتمايز الجغرافي والحدود الطبيعية بين الأقاليم, لذلك نجد أن أكبر ثماني دول مساحةً في العالم تُحكم بشكل فدرالي. كما أن هناك فدراليات فرضها وجود أعراق كبيرة ولغات متعددة في إقليم الدولة الواحدة كما هو في الهند وأثيوبيا وباكستان وإسبانيا .... أما في سورية فإن وحدة الجغرافية والانتماء وصغر المساحة والفكر الوحدوي المسيطر وذوبان الإثنيات والفوبيا التي تعتري الجمهور من فكرة التقسيم , وكذلك فشل فكرة الأعراق والمذاهب التي تم العمل عليها أثناء الحرب والتي ربما حققت بعض النجاحات على مستوى الأفراد وبعض الجماعات، إلا أنها فشلت في تشكيل محركاً ينعش الوعي والسلوك الانقسامي في سورية. كل ذلك من أسباب تجعل من فكرة الفدرالية فكرة عقيمة لن تكتب لها الديمومة والنجاح وهي في حقيقتها الفكرة أو الخطة أو المسعى الدولي لإتمام ما بدأته اتفاقية سايكس بيكو وحاول تنفيذه الانتداب الفرنسي الذي فشل في تقسيم سورية لدويلات متحاربة متباعدة. وهنا أشير إلى بعض الأصوات التي تدعي بنجاح تجربة الفدرالية في دولة الإمارات العربية المتحدة وأقول: إنه لا مجال للمقارنة بين سورية ودولة الإمارات لهذه الناحية، فدولة الإمارات تجمعت من إمارات حكمتها عائلات متوالفة مع الاستعمار البريطاني الذي أعاق اندماجها وجعل كلاً منها مستقلاً عن الآخر، بينما سورية كافح شعبها ومنذ الأزل ضد شرذمتها وتقطيع أوصالها، ونجح في لملمة وتوحيد بعض ترابها. أما ما يسوغه البعض من أن سورية مقسمة عملياً وأن الخيار الفدرالي الأفضل للملمتها فهو في غير محله, صحيح أن هناك مناطق خارجة عن سلطة الدولة السورية، وهناك مناطق محتلة من مليشيات محلية تقودها وتوجهها قوى خارجية, إلا أن الشعب السوري بكل مكوناته يعي مخاطر الأفكار الانقسامية ويعي بأنها ستنقله من حرب إلى حرب أقسى وأصعب، ويعي هذا الشعب بأن الهدف من الفدرالية هو إضعاف سلطة الدولة وهيبتها وإضعاف دور سورية في الإقليم والانتقال بها إلى دويلات فقيرة ذات ولاءات متعارضة ومتخالفة ومشرذمة ومتصارعة وتعمل من خلال سياسات مرهونة لمصلحة العديد من القوى الدولية والإقليمية.
 لقد صمدت سورية رغم الابتلاعات ومحاولات التقزيم التي تعرضت لها منذ سلخ الموصل عنها واعطائه للعراق بالتواطؤ بين بريطانيا وفرنسا, وكذلك سلخ لواء إسكندرون وما يحيط به وتسليمه لتركيا من الانتداب الفرنسي, وكذلك ضم الكيان الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية المحتلة.
لقد صمدت سورية وبنت دولتها الوطنية وتمكنت من كسر الإرادات الدولية الهادفة لعزلها وتحجيم دورها، فمنذ عام 1970 استقرت سورية وتوقفت عمليات الابتلاع لأراضيها وانتقلت لبناء مؤسساتها وبناها التحتية من جهة والتصدي لمحاولات الهيمنة على مصالحها الوطنية.
إن المواطن السوري يعي أن النظام الدولي الذي تقوده أمريكا يريد تحجيم ما يسمى دولة الخلافة (داعش) ومن دون القضاء عليها وهو يعي السعي الدولي لخلق كيان كردي مستغلاً الأخطاء التي تقع فيها القيادات الكردية منذ العصر العثماني، وهذان الأمران سأتحدث بهما في مقال لاحق.
هامش :
منذ عام 1970 استقرت سورية وتوقفت عمليات الابتلاع لأراضيها وانتقلت لبناء مؤسساتها وبناها التحتية من جهة والتصدي لمحاولات الهيمنة على مصالحها الوطنية.