استبدال سياسة حافة  الهاوية بسياسة الأبواب المواربة في حلب

استبدال سياسة حافة الهاوية بسياسة الأبواب المواربة في حلب

أخبار سورية

الأربعاء، ٤ مايو ٢٠١٦

إيهاب زكي - بيروت برس -
إن أفضل ما تمتلكه ما تسمى بـ"الثورة" السورية من رأسمال، هو الجمهور، فهو  جمهور قابل للاستثمار بشكلٍ غير مسبوق، ويفوق كل ما أوتي علماء الاجتماع من خيالاتٍ ولو وصلت حد الهذيان، ولكن مع تسارع الأحداث وصولاً إلى جرائم حلب، يبدو  التصور القديم عن ذلك  الجمهور موغلٌ في السطحية، فهذا الجمهور لم  تعد  تعنيه جودة المنتج أو سعر السلع المعروضة في السوق"الثورة"، لذا لم يعد على الباعة والتجار والمصنعين لكل بضائع ذلك السوق بذل أي جهد لإقناع الجمهور بالشراء، يكفي أن يعلنوا عن وجود السلعة حتى يتهالك إليها الجمهور ويتهافت عليها، فمثلاً بعد أن قامت فصائل الإرهاب بقصف مستشفى التوليد في حلب، قامت ما تسمى بـ"المعارضة" باتهام النظام بذلك، حيث قالت أن "النظام" يستخدم أسلحةً تشبه أسلحتنا ويستخدمها في القصف ثم يتهمنا، ورفعت كتاب للأمم المتحدة بهذا الخصوص، الأمم  المتحدة التي قال المدعو أسعد الزعبي  أن "النظام" يستخدم سياراتها لنقل مقاتلي داعش من مكان إلى آخر، وهذا في معرض برهنته على  التنسيق بين داعش و"النظام"، أو تلك الوثائق التي تقول "سكاي نيوز عربية" أنها حصلت عليها من ضابط فيما يسمى بـ"الجيش الحر" وتثبت ذلك التنسيق، فمن يشتري هكذا بضاعة غير هكذا جمهور.

ما  سبق من  أمثلة لا يصلح حتى ليكون رأس جبل الجليد من كم الأكاذيب المجللة بالهراء التي تمارسها تلك"الثورة" السوق، ولكن هناك أكاذيب من نوعٍ مختلف، فهي مصنوعة بشكلٍ يوحي أنها سُكَّت لفئةٍ نخبوية متخصصة ومحترفة، وهذه الفئة بالمناسبة لا تختلف عن ذلك الجمهور سوى بالألقاب التفخيمية، فمثلاً في دراسة للـ"مركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ومقره قطر، يقول بصيغةٍ اتهامية لسوريا وروسيا معاً "وضع الروس فصائل المعارضة في حلب وقطع خطوط الإمداد عنها والتي تصلها بتركيا في مقدمة قائمة الأهداف الميدانية التي سعوا إلى تحقيقها" ثم "الاستراتيجية التي يشرف عليها الروس تؤشر إلى قيام قوات النظام بعملية عسكرية من خان طومان، لقطع طريق الإمداد الأخير عن القسم الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب واستكمال حصارها"، وهذا المنطق الذي يُفترض أنه موجه للنخبة يفترض أنهم منساقون مجردون من أي منطق، فهو يتعامل مع خطة الجيش االسوري لقطع الإمداد عن الإرهاب باعتباره جريمة قانونية وسياسية وأخلاقية،  فيما بمعادلة أشد بساطة من  عقول النخبة وهي العودة للمربع الأول.

بالعودة إليه نرى أن تركيا هي التي تمارس الجرائم القانونية والسياسية والأخلاقية، حيث التدخل السافر في شؤون داخلية لدولة ذات سيادة، من خلال التمويل والتسليح وفتح الحدود، وإن استدركت بأن مقاربة الشؤون الداخلية في سوريا لم تعد صالحة للتداول في ظل الصراع العالمي  فيها وعليها، فيجب عليك بالنتيجة الخروج من متلازمة "نظام يقتل شعبه" وصراع الاستبداد مع الحرية، فإما شؤون داخلية وبالتالي فالتدخل مُجَرَم دون  إذن الدولة  صاحبة السيادة، وإما صراع دولي فتختار اصطفافك دون خجل العار المستتر بدموع التماسيح.

ما سبق ليس من منطلق الاستقطاب أو حتى الدعوة لإعادة التفكير بل من باب التشخيص والتوصيف، فأؤلئك لم يعد الرهان حكيماً على محاولة استفزازهم لشقاوة النعيم، فقد استمرأوا نعيم الشقاوة، وليس بعيداً ممنهم من  يراهن على استحالة تطهير الجيش السوري لمدينة حلب وأريافها من الإرهاب، فالمتابع يستطيع استنتاج عوامل يقينهم من  تلك الاستحالة، حيث  يعتبرون أن القتال في حلب هو قتال شوارع، وبالتالي فهو يحتاج لعشرات الآلاف من المقاتلين، ويعتبرون في ذات الوقت أن هذا العدد متعذرٌ توفيره على الجيش السوري، وقال أحدهم" لو توقف القتال على جميع الجبهات وحشد الأسد كل جيشه في حلب فلن يتوفر له هذا العدد"، كما ويعتبرون أن هذه عملية ستُكلف "النظام" خسائر فادحة لا طاقة له باحتمالها، لذلك فلن يغامر بالإقدام عليها، لذلك فـ"النظام" لا يملك سوى الوحشية لإجبار" ما تسمى بـ"المعارضة" للعودة إلى التفاوض، ولتمرير حلول على مقاس "النظام" والروس والإيرانيين وحزب الله، ولكن هذا اليقين الوهم تنسفه التجربة، فالجيش السوري وحلفائه استعادوا مناطق بمجرد أنهم رأوا أن الوقت مناسب فقرروا استعادتها، من بابا عمرو وصولاً إلى تدمر ومروراً بالقلمون وريف اللاذقية والشيخ مسكين وغيرها الكثير، فتحرير حلب من براثن الإرهاب هو مجرد قرار في توقت مناسب وليس مستحيل يقيناً كما توهموا سابقاً ومازالوا يتوهمون.

هذه الأوهام وحدها هي مصدر التصريحات الكاريكاتورية لوزير الخارجية السعودي حين كرر من  جنيف "على الأسد أن يرحل سلماً أو حرباً" وليس من الرصانة التعامل معها بجدية، ولكن ما يلفت النظر تصريح الوزير سيرغي لافروف بعد لقائه  ديمستورا" حيث قال" روسيا وأمريكا متفقتان على استمرار الهدنة، وعلى الحكومة والمعارضة العمل على ذلك"، وهذا ما يسمى بسياسة الأبواب المواربة، وهي تعني لا هدنة ولا حرب، كما تعني أنه في حال التوصل إلى هدنة في حلب فلا ضامن روسي أو أمريكي للحفاظ عليها، ويعني أن الأطراف على الأرض هي من تقرر، وكما تعني تنصل أمريكي من تبعية "المعارضين" لها، تعني محدودية القدرة الروسية على التأثير في القرار السوري، وهي أيضاً تعني الخروج من سياسة حافة الهاوية لسياسة الأبواب المواربة، فمهما كان في حلب من هدنة أو استمرار القتال، فإن روسيا وأمريكا سيظلان في حالة الصمت العسكري، فلا اصطدام بينهما تحت أي ظرف، وعليه فإن الباب سيظل مفتوحاً ليقرر الجيش السوري وحلفائه متى تعود حلب بعينين خضراوين.