عمر النص شاعر دمشقي أخذه المسرح إليه!.. بقلم:عبد الرحمن الحلبي

عمر النص شاعر دمشقي أخذه المسرح إليه!.. بقلم:عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٥

 ولد عمر النص شعرياً في أربعينيات القرن العشرين، أي في الفترة ذاتها التي شهدت الميلاد الشعري لنزار قباني، كان عمر مع نزار في كلية جامعية واحدة هي كلية الحقوق وتخرجا فيها معاً. شرَّق نزار في شعره عربياً وغرَّب، أما عمر فلم يكد شعره يغادر الحدود الإقليمية الدمشقية بالرغم من أنه أصدر ثلاثة دواوين غاية في الأناقة طباعة وإخراجاً، فقد أراد عمر لدواوينه الثلاثة أن تأخذ قياساً موحداً وآثر أن تكون عنواناتها بخط خطاط الديار الشامية بدوي الديراني. كان ديوانه الشعري الأول بعنوان "كانت لنا أيام" طبع طبعة ثانية سنة 1958 بغلاف اشتملت لوحته على طفلين يسيران بين الأشجار، الطفلة على يمين الناظر والطفل على يساره وقد تكاتفا بمودة طفلية حميمة. عدد صفحات الديوان 165 صفحة من القطع الكبير. وصدر الديوان الثاني بعنوان "الليل في الدروب" من 165 صفحة، تماماً مثل سابقه، وبخط بدوي أيضاً، أما لوحة الغلاف فهي للفنان المرحوم محمود حماد، حروفية بالأسود المفرغ فوق أرضية زرقاء متدرجة، تشكل حروفها دروباً متشابكة، تعلوها دائرة حمراء منقطة كأنها شارة مرورية ضوئية. وقد قرظ هذا الديوان: شفيق جبري، جورج صيدح، شكري فيصل.
 ديوانه الثالث صدر بعنوان "مرافئ الصمت" في 167 صفحة، وقد أخبرتنا الصفحة الأخيرة منه أن الغلاف والرسوم الداخلية "للصديق الفنان محمود حماد" وقد كان بخط محمود الهواري "تلميذ الخطاط بدوي". أما تاريخ طبعته الأولى فهو سنة 1970 وللدكتور عمر النص ثلاثة نصوص مسرحية هي على التوالي: شهريار، حكاية الأيام الثلاثة، الليل سلطان.
 عني شاعرنا عناية فائقة بالشكل الجمالي العام لدواوينه الثلاثة تصميماً وإخراجاً وطباعة مثلما عني بصوره الشعرية ومفرداته اللغوية، وقد أعجبت أناقته هذه الشاعر الكبير "بدوي الجبل" الذي كان يذكر اسم عمر النص باحترام شديد، وكان يلهج باسمه في أحاديثه الخاصة والعامة، وقد كانت أناقة الشكل الطباعي تنم عن أناقة في الشعر، وما نحسب أن إعجاب البدوي تأتى من كون عمر النص ظل وفياً للشكل العامودي رغم أن الموجة كانت طاغية للأخذ بشعر التفعيلة أي إن بدوي الجبل لم يكن بحاجة إلى مريد آخر، ذلك أنه لم يكن ينظر برعب إلى الموجة الوافدة مع السياب والملائكة وآخرين، كما أن عمر لم يكن غراً في الشعر ينتظر كلمات التشجيع. كان من حيث الاختصاص (دكتور) في الحقوق، وكان من حيث المكانة يواكب نزار قباني وإني لأذكر أنني أخذت نصاً نثرياً له من إحدى مسرحياته وكتبته كتابة شعرية بطريقة الشعر الحر، ونشرته ضمن مقالة لي فلم أر كما أن القراء لم يروا أيما فرق بين ذلك النص وبين القصائد التي كتبت على التفعيلة.
 ومن عجب ألا نرى حيزاً لاسم عمر النص في معظم ما صنف نقادنا من كتابات في الشعر السوري المعاصر، بل إن بعضها وقد خصه مؤلفه لمواكبة حركة الشعر الحديث في سورية من خلال إعلامه، لم يأت على ذكره إلا في هامش جد ضيق، شاطباً بذلك قرابة ربع قرن من العطاء الشعري الأصيل والجميل. بعد أن اعتقد بشيء من التيقن أن الأستاذ د. أحمد بسام ساعي لم يهتد إلى مكان وجود عمر النص ليأخذ شهادته في شعره، سوى أن هذا لا يسمح للباحث بعدم الوقوف عند تجربته الشعرية مطولاً وخصوصاً أن ساعي كان قد حشر في "حركة الشعر" أسماء سماها إعلاماً من دون أن تقوى على تشكيل تلة رملية يسيرة في الشعر السوري!
 والأمر الذي يقلق أكثر هو هذا الصمت الذي التزمه شاعرنا منذ أن أصدر ديوانه الثالث "مرافئ الصمت" في العام 1970 كما ألمحنا، وكأنه أقام في هذه المرافئ الصامتة بصورة دائمة منذ ذلك التاريخ حتى وفاته يرحمه الله
ولسنا ندري فيما إذا كان النقاد السبب في هذا الصمت، فقد أعرض النقد عن قراءته إعراضاَ شبه مطلق، مع أنه يستحق أن يقرأ بخبرة ودراية بوصفه يمثل مرحلة وجد فيها نزار قباني مثلما وجد فيها أدونيس.
 كتب عمر النص، سوى ما ذكرنا، حوارية بعنوان "دفاتر سقراط" محاولاً أن يبين في هذه الحوارية جانباً من فكر سقراط ذلك الفيلسوف الذي يحترمه المؤلف أيما احترام، وقد شدد المؤلف على موقف هذا الفيلسوف من السلطة السياسية في زمنه.
 فسقراط من وجهة نظر النص، لم يمت لجناية ارتكبها، أو خيانة أدين بها، بل لأن الفئة السياسية في أثينا رأت فيه عدواً لها، فشاءت أن تلزم عقله الحر بأوامرها، وتخضعه لإرادتها، وتسوق إليه تهمها بغير حق.