السعودية وسحب الأصول الخارجية: بداية انهيار اقتصادي؟

السعودية وسحب الأصول الخارجية: بداية انهيار اقتصادي؟

مال واعمال

الجمعة، ٢ أكتوبر ٢٠١٥

فجّرت عملية سحب السعودية عشرات المليارات من الدولارات من أصولها المالية في الخارج العديد من التساؤلات عن وضع المملكة الاقتصادي، وما إذا كانت ستواصل الانحدار، إذا ما بقيت أسعار النفط على مستواها الحالي، أو انخفضت أكثر.
ويعتمد الاقتصاد السعودي أساساً على النفط، وهو يمثل حوالي 90 في المئة من إيرادات الرياض، التي كانت قد أعربت عن استعدادها لزيادة الإنتاج من أجل إبقاء سعر النفط منخفضاً، وذلك لأسباب سياسية من بينها الأزمة السورية والعلاقات مع روسيا وإيران في محاولة لتقويض اقتصاد البلدين، بالإضافة الى ضرب صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
لكن غاب عن بال السعودية أن روسيا هي دولة كبرى، سياسياً واقتصادياً، وأن إيران استطاعت، رغم العقوبات الدولية والحصار، أن تصمد وتعود بقوة إلى المجتمع الدولي، وأن الولايات المتّحدة تحاول الاعتماد على إنتاج النفط الصخري كبديل للنفط أو تخفيف الاعتماد على «الذهب الأسود».
وبدأت الرياض تعاني من انهيار أسعار النفط، وهناك مسؤولون سعوديون اقترحوا حتى أن يتمّ استخدام الذهب كرديف للنفط، بمعنى أن يتم أيضاً الاعتماد على الذهب على اعتبار أنه سوق عالمي، أو أن يتم ربط سعر النفط بالذهب، لكن بعض المحللين الاقتصاديين في المملكة ثاروا على هذه الاقتراحات.
وبسبب الحرب التي تخوضها في اليمن وانخفاض أسعار النفط إلى مستوى لم يكن متوقعاً، أقدمت السعودية على سحب أكثر من 70 مليار دولار من أصولها وودائعها في الخارج من أجل دعم الاقتصاد الداخلي. لكن بعض المحللين يحذّرون من أن حرب اليمن قد تطول، كما أن سعر برميل النفط قد يبقى دون الـ50 دولاراً، وهو ما سيؤدي إلى إطالة الأزمة المالية في السعودية.
وكانت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية قد نقلت عن مسؤولين في مصارف دولية أن الرياض قامت بعمليات سحب ضخمة لأصولها المالية في الخارج، والتي بلغت 72 مليار دولار، في ظل سعيها لتقليص عجز الميزانية جراء انخفاض أسعار النفط وتمويلها لحملتها العسكرية في اليمن.
ووصف أحد مدراء المصارف عمليات السحب بـ «الاثنين الأسود»، في إشارة إلى سحب السعودية خلال أيام عشرات المليارات من الدولارات.
وقال الخبير في الشركة الاستشارية روزا ماوند سيبل، لموقع «ميدل ايست أي»، إن «الصورة مقلقة، لكن يمكن للمملكة أن تصمد لسنوات عدة. في نهاية تموز العام 2014 بلغت احتياطات السعودية 669 مليار دولار بعدما كانت 746 مليار دولار. تملك السعودية، بعد الصين واليابان، احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية تزيد 16 مرة عن قطر بحسب البنك الدولي، ولكن المملكة ليست بعيدة عن الخضات المالية».
أين ذهبت كل هذه الأموال؟
وتشير الكاتبة في الموقع سيمونا سكيميتش، في مقالة بعنوان «هل سحب الرياض 70 مليار دولار من أصولها عامل اضطراب؟»، ليس هناك سياسة مالية واضحة أو مصاريف مكشوفة، ولكن من المؤكد أن جزءاً من المال قد صُرف لسدّ العجز الداخلي المالي المتنامي بسبب الأزمات المتلاحقة.
وقال سيبل «قد يصل العجز المالي في السعودية إلى 20 في المئة من الناتج القومي هذه السنة، بالإضافة إلى خروج رساميل مهمة، تظهر أن الوضع الاقتصادي مقلق».
وأشار المحلل الاقتصادي في «مجموعة كابيتال ايكونوميكس» جيسون توفاي إلى أن الوضع المالي سيتواصل على هذه الحالية لمدة من الوقت. وقال «استنزاف الاحتياطات المالية الخارجية، عوضاً عن زيادتها، يمثل الحقيقة الجديدة في سياسة السعودية. يجب ألا يكون هناك أي اندهاش بشأن هذا الأمر».
وفي مقالة لنذير أحمد في «ميدل ايست آي»، بعنوان «انهيار السعودية حتمي»، نقل عن دراسة، نشرت في «مجلة العلوم وهندسة البترول»، توقعها أن تشهد المملكة الذروة في إنتاج النفط، على أن يليه تراجع لا يرحم، قد يكون في العام 2028.
وتعَدّ السعودية من أكبر مستهلكي الطاقة في المنطقة، وارتفع الطلب محلياً بنسبة 7.5 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية مدفوعاً إلى حد كبير بسبب النمو السكاني، كما أنها عرضة للتقلبات المناخية، ومواردها المائية المتجددة محدودة، واقتصادها يعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات الوقود الأحفوري، ثم إن تقارير منظمة «الفاو» لا تبشر بالخير على صعيد التقدّم الزراعي بسبب الطبيعة الصحراوية.
يُشار إلى أنه في العام 1990 بلغ الدين العام في السعودية 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن بعد الطفرة النفطية في الأسعار في أوائل العام 2000، تمكنت الرياض من تقليص ديونها حتى أصبحت من الأدنى في العالم.
ويقول محللون إن السلطات، في محاولة لتخفيف العجز والنزيف في احتياطها من العملات الأجنبية، اضطرت إلى إصدار سندات خزينة بقيمة 27 مليار دولار، ويمكن استغلالها لتحقيق الاستقرار في العملة ومحاولة لتعويمها، لكنهم يحذرون من أن هذا الأمر لن يكون ذا فائدة على المدى الطويل.
وتحدّث أحمد، في مقابلته عن نقاط ضغط إضافية على السلطات السعودية، حيث إنها تدعم ما يصل إلى 80 في المئة من الواردات الغذائية. وتشير المعلومات، بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، إلى أن حوالي ربع السعوديين فقراء، كما تصل البطالة إلى 12 في المئة.
وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية نشرت مقالاً بعنوان «أمير سعودي يطالب بتغيير النظام في البلاد، وتنحي الملك سلمان بن عبد العزيز». وقال كاتب المقال هيو مايلز إن «أحد كبار الأمراء السعوديين المرموقين يطالب بتغيير النظام في المملكة، التي تواجه أكبر التحديات على الإطلاق في الحروب التي تخوضها وفي تدني أسعار النفط، وكذلك في الانتقادات على إدارة موسم الحج».
وأوضح مايلز أن الأمير السعودي صاحب الرسالة، وهو أحد أحفاد مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود، كشف عن انزعاج العائلة المالكة وأبناء المملكة من الملك الحالي الذي يدير شؤون البلاد، موضحاً أن الأمير لم يكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، وأنه كتب رسالتين يطالب فيهما بإقالة الملك الحالي. وقال إن «الملك الحالي ليس في وضع مستقرّ، وفي الحقيقة إن ابن الملك محمد بن سلمان، هو مَن يدير شؤون البلاد»، وإنه «تلقى دعماً واسعاً من داخل الأسرة الحاكمة وخارجها وفي المجتمع بأسره. لكن لم يحظَ هذا الخطاب بدعم في العلن إلا من إحدى الشخصيات الملكية المهمة، وهو ما يُعدّ أمراً عادياً بالنظر إلى التاريخ السعودي الوحشي في عقاب المعارضين السياسيين».