أردوغان يُغرقُ تركيا في حرب أهلية

أردوغان يُغرقُ تركيا في حرب أهلية

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٥ أغسطس ٢٠١٥

حتى الآن، لا تحظى عمليات الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني في العراق وسورية، بأي مسوغ قانوني، بنظر القانون الدولي. في حين ترى الولايات المتحدة، أن حزب العمال الكردستاني والجيش العربي السوري، هما القوتان الفاعلتان على الأرض في مواجهة داعش.
إطلاق الحرب على الأقلية الكردية، يوضح إرادة حزب العدالة والتنمية بمواصلة تنفيذ «خطة جوبه- رايت»، حتى بعد الانسحاب الجزئي لكل من قطر وفرنسا.
أما فيما يخص عمليات الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني على أرضه، فهي ليست حتى مماثلة للعمليات ضد صدام حسين في العراق، لأنها تدخل من جانب واحد، أثناء وقف كامل لإطلاق النار بين الطرفين. وهي تعيد إلى الأذهان مذابح السلطان عبد الحميد الثاني ضد غير المسلمين، تلك المذابح التي استبقت إبادة اليونانيين، والآشوريين، والأرمن.
مع ذلك، هناك عنصر أساسي غيّر المعطيات بعمق خلال الشهور الماضية: إسرائيل والسعودية اللتان ظلتا حتى وقت قريب تؤيدان فكرة إنشاء دولتين، واحدة كردية، وأخرى سنية في العراق وسورية، تعارضان الآن الفكرة من أساسها. لم يعد يخفى على تل أبيب والرياض أنه لو قيض لهاتين الدولتين أن تريا النور يوما، فإنهما لن تكونا مطلقا خاضعتين لهما، بل سيكون ولاؤهما لتركيا التي لم تعد تطلعاتها الإمبراطورية، في أن تصبح بحكم الأمر الواقع عملاقا إقليميا، خافية على أحد.
مع انقلاب الوضع الذي يملك الشرق الأوسط سر مفاتيحه، أبرمت السعودية وإسرائيل اتفاقاً لمعارضة جنون الرئيس أردوغان، وتقديم الدعم عبر طرف ثالث لحزب العمال الكردستاني، على الرغم من هويته الماركسية.
فضلا عن ذلك، قامت إسرائيل مؤخراً بالتقرب من الأعداء التقليديين لتركيا: اليونان، بشخص أليكسي تسيبراس، وقبرص، بشخص نيكوس أناستازياديس.
ينبغي ألا ننخدع. لقد اختار أردوغان الحرب الأهلية بوصفها المخرج السياسي الوحيد بالنسبة له شخصياً.
بعد خسارته في الانتخابات التشريعية، ونجاح مسعاه في إفشال تشكيل حكومة جديدة، يحاول الآن تخويف مواطنيه، وإقناع حزب العمل القومي، بدعم حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) لتشكيل حكومة ائتلاف، أو الدعوة لانتخابات جديدة، والفوز بها.
عملية مكافحة الإرهاب التي يفترض أنها موجهة لمحاربة داعش والمدنيين الأكراد في إن واحد، أصبحت تستهدف حصرياً حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي، إذ إن عمليات القصف الجوي على داعش لم تدمر شيئا.
في الوقت نفسه، أمر أردوغان بتحقيقات قضائية ضد زعامات كردية كصلاح الدين ديميرطاش، وفيجن يوكسيكداش، اللذين وجهت النيابة العامة للأول تهمة الدعوة لممارسة العنف ضد غير الأكراد- وهي تهمة لا تخلو من الحماقة- وللثاني تهمة دعم حزب الاتحاد الديمقراطي، ميليشيا كردية موالية للجمهورية العربية السورية، وهي، حسب القضاء التركي منظمة إرهابية.
الحرب الأهلية التي بدأت الآن، لن تكون مثل الحرب التي شهدناها في تسعينيات القرن الماضي. هذه المرة، ستكون أوسع، وأشد فتكا، لأنه ليس لتركيا أي حليف خارجي، ولأن سياسة الإسلاميين قسمت المجتمع التركي.
لن يكون في هذه الحرب إذاً، مؤسسات تركية يدعمها حلف الناتو من جهة، وحزب العمال الكردستاني الذي تدعمه سورية من جهة أخرى، بل فتات من مجتمع تركي ممزق: علمانيون ضد الإسلاميين، وحداثيون ضد المحافظين، وأكراد ضد الأتراك.