ما بعد القلمون... معركة أم تسوية؟

ما بعد القلمون... معركة أم تسوية؟

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ مايو ٢٠١٥

ينتظر اللبنانيون نتائج الهجوم اللفظي والتأنيبي للمحكمة العسكرية في لبنان، بعد الحكم على ميشال سماحة، الذي اعترف بنقل متفجرات من سورية إلى لبنان، وسلّمها إلى مخبر فرع المعلومات المتواري ميلاد كفوري، ليعرفوا ما إذا كان هذا الهجوم منسَّقاً ومطلوباً للحصول على أحكام مخفَّفة بحق إرهابيين يحاكَمون أمام المحكمة العسكرية نفسها، أو للحصول على صفقة لصالح الإرهابي الفارّ فضل شمندور الملقب بفضل شاكر، تمنع عنه المحاكمة أو تسمح له بالخروج من لبنان. وفي كلا الحالتين يعيش أهالي الشهداء توجساً من أن تفرّط السياسة في لبنان بدماء أبنائهم من العسكريين الذين زُجّوا في معركة ضد الإرهاب بتواطؤ سياسي، والآن يحاول السياسيون أنفسهم أن يظلموا الشهداء مرة أخرى بتهريب قاتليهم.
 
وعلى وقع السجال الدائر داخلياً، تتكشف يوماً بعد آخر نتائج معركة القلمون التي تمّت بسرعة قياسية، وبأقل الخسائر الممكنة للمقاومة والجيش السوري، ولعل أكثر ما يُستدل على أهمية هذه المعركة وأهمية نتائجها، وغرابتها هو ما يلي:
 
1- قيام الكُتّاب والصحافيين من عرب ولبنانيين وأجانب، بالتمهيد للمعركة بالقول إن هذه المعركة ستؤدي إلى استنزاف حزب الله وإغراقه في المستنقع السوري، وستكون - كما وصفها مركز كارنيغي - "معركة الأسد الأخيرة"، ولقد استفاض هؤلاء في الحديث عن استعدادات "جبهة النصرة" للمعركة؛ حشداً وسلاحاً وتدريباً، وكلاماً عالياً لم يصمد ساعات أمام هجوم حزب الله في القلمون.
 
2- التسويق لخطوط حمراء إقليمية ودولية، من خلال حديث سبق المعركة عن قيام الجيش "الإسرائيلي" بغارات على مواقع حزب الله والجيش السوري في القلمون، تزامن مع تحذيرات "لفظية" من قبل سياسيي "14 آذار" وكتلة "تيار المستقبل" والسفير الأميركي في لبنان.
 
أمام هذه التحضيرات والحروب النفسية التي لم تُسعف إرهابيي "جبهة النصرة"، يسود ذهول وإرباك لدى قوى 14 آذار اللبنانيين، و"إسرائيل"، والعرب الخليجيين الذين كانوا يحلمون بتغيير موازين القوى اللبنانية من بوابة القلمون والحدود اللبنانية السورية، وتطويق دمشق وحمص، وتهديد الحكم في سورية عبر تهديد عاصمته.
وهكذا، يكون المشهد المفجوع بهزيمة إرهابيي "النصرة" في القلمون على الشكل الآتي:
 
1- أُحرجت "إسرائيل" التي ارتبك إعلامها بين الحديث عن "مئات القتلى من حزب الله، ونفاذ الشباب والمقاتلين، وإقالة السيد حسن نصرالله من الأمانة العامة للحزب"، وبين تسويق الهزيمة من خلال الحديث عن "احتلال حزب الله لأراضٍ فارغة لم يكن فيها أحد".
 
2- تسابُق تركي مع الوقت، للحصول على انتصارات ميدانية في الشمال السوري، للتدليل على أن تركيا تبقى وحدها القادرة على هزيمة النظام في سورية، وعلى الأميركيين توكيلها بها لوحدها، بعد فشل الأردن على الجبهة الجنوبية، وفشل اللبنانيين والخليجيين على الحدود الشرقية اللبنانية مع سورية، وفشل "داعش" في احتلال تدمر.
 
3- عودة الأميركيين إلى محاولات تمرير الوقت، عبر طرح مسألة "الحل السياسي في سورية"، وهو ما عبّر عنه الروس على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي أعلن أن «الجانب الأميركي أبدى اهتماماً باستئناف المشاورات الروسية - الأميركية الدورية على مستوى الخبراء لتسوية الأزمة السورية».
 
أمام هذا المشهد المعقّد، يبقى الوضع في جرود عرسال وشبعا مفتوحاً على احتمالات شتى، فالسيد حسن نصرالله أعلنها صراحة أن اللبنانيين لن يقبلوا بعد الآن وجود إرهابيين على حدودهم، وإذا لم تقم الدولة بمسؤولياتها بذلك فسيقومون بذلك بأنفسهم، وهذا يعني أن الجرود اللبنانية التي كانت مسرحاً لتعشعش الإرهابيين، بتسهيل من بعض القوى السياسية اللبناية، ستكون أمام سيناريوهيْن لا ثالث لهما: إما معركة قادمة يشترك فيها الجيش اللبناني في عرسال وجرودها، أو تسوية تقضي بسحب المسلحين إلى الداخل السوري، وإقفال الجبهة اللبنانية مع سورية نهائياً.
 
 ويبقى التمني بحصول تسوية تجنِّب اللبنانيين المزيد من المعارك والدماء، لكن اللبنانيين أثبتوا دائمًأ أنهم لا يتهربون من المعارك إذا فُرضت عليهم، وأنهم قادرون على الانتصار فيها، إذ لا يمكن للاستقرار أن يستقر وللغد المشرق أن ينبلج إلا ببذل التضحيات، وهو ما أعلنه الجيش اللبناني بأنه مستعد لمعركة لن يبقي فيها على أي متآمر على الوطن، وأن المعركة اليوم مختلفة عما سبقها، وأنه مستعدّ للدفاع عن الوطن وتحرير أرضه مهما عظمت التضحيات.