التخلف وخداع النهوض.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

التخلف وخداع النهوض.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ مايو ٢٠١٥

في عجلة المزج بين الثقافات، وخلط الهويات الثقافية للأمم وخصوصاً الأمة العربية والإسلامية فإنه من العبث تحليل ما يطرأ من مشكلات وأحداث منكرة في هذه الأمة بناء على علم القوة الذي يعزز اليوم وجود الدول والأمم، ويؤكد توهماً لأبنائها الثقة بصوابية سياساتها وسلامة مجتمعاتها ورفاهية شعوبها انطلاقاً من ردات فعل وصدمات انفعلت وخصوصاً في أمتنا أو في دولة من دولها من دون تحليل المشكلات إلى مفردات وأولويات في مستوى الخطورة، وفي مستوى الواجب والحق العام أو الخاص الذي انزلقت في مسالكه وضلت فيه عن هويتها وعما كانت عليه من سواء السبيل لما صدقت في التزاماتها بأسس القوّامية المرجعية لها، وعندما كان نهوضها التاريخي القوي المذهل متصلاً بقوة العلم عن يقين ووظائف واجتهادات كانت كأنفاس الحياة التي لا يستهان بها، ولا تعيش حياة الاستقرار والتطور الحضاري الأممي إلا على قواعدها وسبيلها الذي يهدي للتي هي أقوم؛ فصدّقت بكلمات ربها، واكتست بهدي رسولها الأعظم الخاتم لرسالات السماء، وتمتعت بالحرية الإيمانية والدينية والإنسانية عن وعي وتفكير وبصيرة جريئة لا لبس فيها ولا خداع؛ فلا تسمح معها لنفاق أو رياء أن يتسللا إلى مواطنها ليزرعا فيها الخبث والضغينة والفساد كما حدث ذلك من بعد؛ فتصدعت  إثرها الأمة، وظهرت فجوات لتسلل الحاقدين والأعداء، واستنفرت كل قوى الخداع التي أُلبست إدخالاتها الغريبة ألبسة الغيرة على المصلحة العامة والانتصار للعقيدة والسنة، والتمسك بأصول السلف الصالح، لتخدّر بذلك العقول والنفوس لدى العامة والخاصة من الذين لم يتمرّغوا بألوان الكذب والمداهنات والنفاقيات، حتى انكشفت الأمة من بعد- وهي ذات الدين العظيم الواحد- على مذاهب وفرق وأحزاب وفلسفات كلها تزعم أنها تغار على الحق والعقيدة، وعلى وحدة الأمة، وعلى تحقيق عصمتها، وعلى الأخوة وعلى صوفية الطاعات والعبادات نحو قبلتي الأرض والسماء، وببداهة يسيرة يستطيع كل مفكرٍ لَوذعيٍّ مخلصٍ وغيورٍ أن يتحقق فيعلم أن ضلالات هذه الأمة كانت في برامجها وفي مجتمعاتها، وفي ألوان معروفة من علماء وفلاسفة وزعماء جماعات، وفيما انطوى منها تحت أجنحة خلفاء أو سلاطين أو أمراء، حيث وُضعت الحرية في المعتقد وفي المذهبية وفي الولاءات في مواضع محرجة لم تكن فيها لتأمن على العافية والطمأنينة.. أجل؛ إن ذلك العلم عن حق بمنعرج المشكلة قد تأكد يوم خالفت هذه الأمة من خلال كل مَن يمثلونها في التدين والعلم والسياسات قول الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا؛ كتاب الله وسنتي)، وفي رواية موافقة متكاملة معها: (... وعترتي أهل بيتي) – كما في البخاري-؛ فهل هكذا تؤدى الأمانة؟ وهل الأمة اليوم جادة في البحث عن أسباب النهوض؟!
بل إن العكس هو الذي ظهر على كل شيء ألا وهو ضخ المزيد من العداوات والتفرقة، والاستعباد لقوى الشر والبغي والعدوان, ولقوى الكفر ولصنّاع الجرائم على الإنسانية وخصوصاً على هذه الأمة، ولاستعداء بعضنا على البعض، كما فضحت ذلك الأزمة الضراء التي صُنعت لسورية.. أما على مستوى الاستهانة بمقومات وجود هذه الأمة التي قال في حقها الله عز وجل (خير أمة أخرجت للناس) بما تدوم عليه من التمسك بكتابها الرباني العزيز، فقد أخرجت لنا في القرن الماضي وفي هذا القرن ولا تزال من أبناء جلدتها مَن نكثوا عهدها وعقوا برّها والوفاء لها، ولم يتقوا أي عيب في البحث عن النهوض والتقدمية وهم يمدّون الأيدي إلى الصحوات الغربية الأوروبية وغيرها وخصوصاً القرن السادس عشر وما بعده من قرون كلما أرادوا أن يبحثوا عن معاني النهضة وعن شروطها؛ وليت تلك البحوث والاهتمامات التفت شطرها إلى تحليل مناهض هذه الأمة في هويتها وفي كرامتها وفي نصوص قرآنها وسنتها وفي حقائق عالميتها التي أثبتت وجودها وتفاعلات حقائقها المشهودة، فتناولنا ذلك بآليات الحداثة المتطورة اليوم لا بعقول أصحابها المتدينين للمادية المدنية الغربية ولخصوصياتها، وما يختلفون به مع أمتنا وحضاراتنا في شؤون المعتقدات ومظاهر الأخلاقيات والشيم والشهامات فتصنعها عندهم المصالح الوقتية والماديات التي ارتجلت بسببها الحروب والدمار واستعباد الضعفاء وانتهاك حرمة الكرامات مما تتبرأ منه مرجعيات هذه الأمة العالمية في احترامها للأعراف والحريات وفي تأطير حضارتها على صدقية الإيمان وعلى موضوعية الاجتهاد العلمي، وعلى تأكيد التراحم وأحسن الأخلاق.