نظرة في مسار معرفي (3) ..الصداقة والصديق .. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

نظرة في مسار معرفي (3) ..الصداقة والصديق .. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ٧ مايو ٢٠١٥

 في توصيفه كتاب " الصداقة والصديق " لأبي حيان التوحيدي رأى د. إبراهيم الكيلاني أن موضوع الصداقة قديم قدم الإنسانية، ورأى أن التوحيدي الذي آلمته الحياة، وخدشته بأظفارها، وجرّعته كأس المرارة والحرمان واليأس فعاش على خلاف ٍ مع أهل زمانه يلقى عنتاً وأذىً حتى أجبر على العزلة والاختفاء سنين طويلة... التوحيدي هذا كان مدفوعاً بمزاجه ونفسيته وظروف حياته إلى التفتيش عن الصداقة وإحلالها مكاناً أولياً في علاقته مع الناس، وإلى العناية بموضوع الصداقة والصديق، بل كان من العجب بحق لدى الكيلاني إلا يُعنى التوحيدي بهذا الموضوع الوجداني، وألا يفرد له من وقته، وأدبه، وجهده، واجداً في ذلك تنفيساً عن الضيق والكرب عنه.
 زدْ على ذلك أن أبا حيان _ عند الكيلاني _ رجلٌ عاطفي " ذو حساسية تكاد تكون مرضية، طلعة، همه الاتّصال بالناس ومشاركتهم عاطفياً وفكرياً، واجداً عشرتهم سلوى وتعويضاً عمّا لحقه من إخفاق في حياته العملية، ووسيلة إلى تفريغ هذا المخزون العاطفي الذي لازمه، وأنساً عن غربةٍ ووحشةٍ شعر بهما منذ مطلع حياته حتى نهايتها ".
 رسالة "الصداقة والصديق "، حسب الكيلاني، فريدة في نوعها في الأدب العربي ؛ ثم إن لصاحبها التوحيدي شخصيتين : ذاتية وموضوعية عبّر في الأولى عن نوازعه الوجدانية والعاطفية، وعبّر في الثانية عمّا رأى وسمع وشارك به من أحداث عصره ومشكلاته، وكان أسلوبه – حسب الكيلاني دائماً وفي كلتا الحالتين – أسلوباً فنياً منمقاً راقياً. وأعتقد الكيلاني أن هذه الرسالة تعكس هاتين الشخصيتين شأن بقية آثار التوحيدي، وإن كان يخيل للباحث، لأول وهلة، أن صاحبها أبعد من أن يعبر عن نفسه وعن عصره في كتاب جمع فيه ما قيل في الصداقة والصديق منذ عصور الجاهلية إلى نهاية القرن الرابع الهجري.
 هذه الرسالة، كما رآها الكيلاني، تحدد الشروط التي تقوم عليها الصداقة وقد أجمل المرحوم الكيلاني هذه الشروط على النحو التالي :
أ‌-    إن صداقة اثنين تتطلب ممازجة ً نفسية، وصداقة عقلية، ومساعدة طبيعية، ومواتاة خلقية، حتى إذا ما اتحدت هذه العناصر الأربعة أوجدت الثقة المتبادلة التي تخلق بدورها طمأنينة وسكوناً ثابتين لا يضعفان ولا يحولان مدى الدّهر.
ب‌-     إن الصداقة الحقيقية تقتضي المماثلة في الإرادات والاختيارات والشهوات والطلبات، وهذه المماثلة ثمرة ارتباط روحي، خفي، غير محدد بزمان أو مكان، وهذا ما يشبه اتّحاد الذاتين عند الصوفيين.
ج‌-    إن اختلاف المشاغل الذهنية والعقلية والدنيوية والمهنية لا تحول من دون نشوء الصداقة. وهذا الاختلاف شيء سطحي لا علاقة له بجوهر الصداقة.
د‌-    إن الصداقة إذا توافرت لها بيئة خصبة وتربة ملائمة سمت فوق المادة واكتسبت مع الزمن صفاءً روحياً وانسجاماً صميماً هما مصدر فرح وبهجة وغبطة في حياة الصديقين.
  
   (يتبع....)