الغنى كارثة وموت!!.. بقلم: د. إسماعيل مروة

الغنى كارثة وموت!!.. بقلم: د. إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الاثنين، ٤ مايو ٢٠١٥

نردد دوماً بالاختلاف غنى وثراء! وعلى الرغم مما تحمله هذه العبارة من صدقية في ذاتها، إلا أنها تحمل في طياتها خطورة وكارثة وموتاً، ففيها دعوة للغنى والتعدد والتكاثر، وفيها بذور الاختلاف! فهل من الصحة بمكان أن نبحث عن الاختلاف عن الطريق المغري الغنى؟!
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فماذا بعد التمام؟ وهل الحديث يقصد الآخر أم يقصد المخاطب؟ ولكن بحثاً عن الغنى صار الدين أدياناً، وصارت الشريعة شرائع، وتحوّل الموحدون إلى مشركين، وصار المجتهدون مشرعين!
تعدد الواحد، وصار الواحد بضعاً وسبعين، والواحد منها بضعاً وستين، وكل واحد من المئات يرى أنه الفرقة الناجية، وأن الجميع سواه في النار!
ولم يدع هذا صاحبه للنار كما يزعم، بل يكرهه على أن ينخرط معه في الفرقة الناجية!!
والآخر الذي استشعر الخطر لجأ إلى التعدد، والواحد صار عشرات والعشرات صارت مئات، وكلما دار حوار قال المخاتل: الاختلاف غنى! واستعار أحدهم (وجعلناكم شعوباً وقبائل) و(لو شاء جعلكم أمة واحدة) ويتناسى مستعير القول ظرف الخطاب وشرطه، ويتناسى الفرق بين الاختلاف الفردي في المنشأ والتحول يختلف عن الاختلاف العقيدي الذي يدّعي الصحة في كل تصرف وكلام! ولا يدرك أحدنا أن الغاية إنسانية بحتة، الغاية النهائية الإنسان الذي يجب أن يحترم إنسانيته مهما كان أصله وانتماؤه وعرقه وجنسه، ويبقى ما للفكر، للفكر وحده، ولا شيء غير.
الغنى، والقدرة على التحكم في الآخر فوضى ما بعدها فوضى، وحتى على صعيد الأمور الدنيوية والسياسية، وما يسمى الأمور الوضعية، الغنى دليل تخلف، وساحة للتناحر والتجاذب والاقتتال!
ففي كل الدول ذات المكانة لا وجود للتعدد الفوضوي، فالولايات المتحدة بكل تاريخها الحضاري والسياسي فيها حزبان يتناوبان الحكم، ولا يختلفان في الاستراتيجية المرسومة، والكيان الصهيوني فيه حزبان يتناوبان، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وإسبانيا، وكل الدول، فكل هذه الدول وضعت سياسة للأوطان يتناوب عليها طرفان لا أكثر، وأظن أن الولايات المتحدة أقدر الدول على صنع أحزاب لو أرادت! وبالحزبين تعيش هذه الدول أقصى الديمقراطية لمجتمعاتها، ولا يغلب أحدهما على الآخر إذا كانت الفروق الفردية بين الأشخاص واضحة وظاهرة!
أما في بلداننا، فالأحزاب شأنها شأن الطوائف والمذاهب تتوالد، وهذا ينشقّ عن ذاك، وبهمسة تتشكل أحزاب جديدة لا تعدو أن تكون جمعيات أسرية ليس فيها أي شيء!
هل رأيتم شخصاً يجلس على مكتبه ليسوّد ورقات ويقول: هذا دستور حزب جديد؟! لقد رأيته يصنع دساتير لأحزاب عديدة، وكل حزب فيه عدد من الأشخاص، ويمارس كل واحد نظرية الحَرَد إن لم يصله النفع!
وكل هذه الأحزاب ليست إلا لتعزز رؤية الحزب الواحد، ولتجرف ما تبقى من إيمان بحياة مدنية سياسية حزبية..
تكاثروا.. تعددوا فإن الهاوية أقرب مما نتوقع!