تبريرات اقتصادية "ذر الرماد في العيون" ..بقلم: إيفلين المصطفى

تبريرات اقتصادية "ذر الرماد في العيون" ..بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٣ مايو ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
يعتمد علم الاقتصاد في تفسيره لسلوك المستهلك على الفرضية الأساسية من أن الناس يميلون إلى اختيار السلع والخدمات التي تحظى لديهم بأعظم تقدير ولوصف الطريقة التي يختارها المستهلكون من بين إمكانات استهلاكية مختلفة، طور علماء الاقتصاد فكرة المنفعة، حديثنا هنا يمكن تطبيقه في البلدان التي تتمتع بمنهجية اقتصادية علمية قائمة على التحليل المنطقي لسلوك الأفراد بهدف رسم سياسة اقتصادية قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة منها سواء على مستوى فرد أو شركات وبالمقارنة بين هذه الاقتصادات وبين ما يعيشه المستهلك السوري نجد أنه قبيل الأزمة كان المستهلك السوري يعيش حالة صراع بين عدد من الخيارات الاستهلاكية التي يجب أن يتخذ قراراً بها لتتناسب مع ما يملكه من نقود، واليوم نجد أن الأزمة عمقت حالة الصراع في وضع أولويات للاستهلاك وشطب قائمة من السلع نتيجة عدم القدرة على اقتنائها.
ولأن الحدث الاقتصادي الأكثر تداولاً في وسائل الإعلام يتعلق بارتفاع الأسعار، لا بد من توصيف المشهد من منظور اقتصادي وتحليلي، فلو تعمقنا بما يحدث للسلع من ارتفاع في أسعارها نجد أن جميع التبريرات التي صدرت مؤخراً لا تمت للواقع بصلة وليست أكثر من ذر للرماد في العيون، فمثلاً يبرر البعض أن سبب الارتفاع يعود لارتفاع سعر صرف الدولار وتجاوزه سعر 320 ليرة، وهنا نسأل ونوضح بأن السعر الذي سجله الدولار مقابل الليرة السورية ليس سعراً جديداً حيث سبق لسعر الدولار أن سجل مقابل الليرة سعر 350 ليرة العام الماضي، وحينها ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وبعد ذلك عاود سعر صرف الدولار انخفاضه في حين استمرت أسعار السلع في الارتفاع، واليوم عاود سعر الدولار ارتفاعه مقابل الليرة لكن منطق تسعير السلع لدى التجار تجاوز سعر صرف الدولار حتى إن بعض السلع الغذائية سجلت رقماً قياسياً مقابل الليرة السورية حيث تجاوزت سعر 1200 ليرة.
المبرر الثاني الذي تناقلته وسائل الإعلام من دون تفنيد عن مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك برر ارتفاع الأسعار لإغلاق معبر نصيب الحدودي، ربما يكون لهذا الإغلاق انعكاساته لكنه قطعاً لا يفسر أن سبب الارتفاع يعود لسبب الإغلاق وخاصة أن السلع مازالت متوافرة ولم تشهد أي نقص في أي مادة والأمر الآخر أن وزارة التجارة الداخلية سبق أن منعت استيراد الخضار من الأردن بحجة أن المنتج المحلي كافٍ، وهنا نتساءل إذا كان سبب منع الاستيراد هو الذي تسبب في ارتفاع الأسعار فكيف ساهم منع التصدير بخفض سعر سلعة البيض بعد إغلاق منافذ التصدير حيث أصبح سعر الصحن 450 ليرة ما يعادل سعر 2 كيلو بندورة؟؟
لأن التبريرات مسبقة الصنع في كل وزارة لتبرر قصورها وعجزها عن ضبط الأسعار والسلع نتساءل لماذا لا تقوم الوزارة بوضع لجان لتسعير السلع وفق الكلفة الحقيقية مع هامش ربح لا يتجاوز 25% وكيف يمكن لمسؤول أن يبرر ارتفاع الأسعار نتيجة تحميل السلع كلف مستورة التي تتعلق بما يتم دفعه من أتاوات للجمارك وللحواجز الموجودة على الطرقات مؤكداً أن هذه الأتاوات يتم احتسابها مع السعر النهائي للسلعة الواصلة للمستهلك؟ يبدو أن هذا المسؤول تناسى بأن من يقوم بآلية نقل وشحن البضائع والسلع سواء داخلياً أم خارجياً هي مؤسسات حكومية وبالتالي يفترض أن يكون هناك تسهيلات لمرور هذه الشاحنات، وفي حال كان تبريره صحيحاً فإنه من المخزي أن يتم تحميل المستهلك هذه الأتاوات وسلبها من جيوبه التي لم تعد قادرة على الصمود في وجه موجة الارتفاع التي أصابت كافة السلع الغذائية.
قد يبدو للبعض أن ما يحدث في الأسواق أمر طبيعي نتيجة الأزمة التي تمر بها البلد وإن كنا في جانب من هذا الكلام نؤيده إلا أننا لا نؤيد أن يتم التحكم بالأسواق من قبل بعض التجار المستغلين لغياب الرقابة والقوانين الرادعة، حتى إن كثيراً من المواطنين يؤكدون أنه لم يعد هناك رادع لأي تاجر مهما كانت العقوبة والغرامات المفروضة بحقه وخاصة أن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك استعرض على إحدى القنوات سعيه لإصدار قانون شامل للعقوبات الاقتصادية بحق التجار المخالفين مبيناً أنه سيتم تغريم المخالف من البائعين بسعر زائد غرامة مالية قدرها 25000 ليرة سورية أي ما يعادل 80 دولاراً فهل هذا المبلغ سيؤثر على من يحقق أرباحاً بالملايين؟؟!!
وهنا أنقل ما دار بيني وبين إحدى الشخصيات المخضرمة في الاقتصاد بعد نقاش عن فوضى الأسواق وجشع التجار حدثني قائلاً: في الثمانينات وقبل مجيئك لهذه الحياة استلم وزارة التموين شخص يدعى محمد الغباش "رحمه الله " كان رجلاً صاحب كلمة كان يقوم بجولات مفاجئة على الأسواق ومواقع العمل وكانت جميع قراراته حاسمة وحين تولى وزارة التموين بين عام 1980 و1985 كان صاحب أي منشأة تجارية اقتصادية تعمل في إنتاج السلع الغذائية يتوقع أن يطرق بابه الوزير غباش ليتفقد عمله وإنتاجه من دون أن يكون معه مرافقة إعلامية وكان مجرد إشاعة قيامه لجولة في سوق ما تنخفض الأسعار بشكل غير معقول، فجميع التجار كانوا يهابونه، أما اليوم وللأسف فلم يعد هناك رجال بمواقع المسؤولية قادرون على الحسم وفرض القانون بالقوة بل أصبح القانون وسيلة لتغطية المستغلين والمحتكرين من التجار المحابين للمسؤولين.