من جنيف3 إلى كامب ديفيد.. الشمال السوري معركة المصير

من جنيف3 إلى كامب ديفيد.. الشمال السوري معركة المصير

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٧ أبريل ٢٠١٥

أن يتزامن الحديث عن جنيف3 مع الهجوم على "جسر الشغور" لما لها من أهمية على المستويين الاستراتيجي والدلالي في جغرافيا الشمال بكونها قريبة من ريف اللاذقية وما يمكن تأويله على أنه اقتراب للميليشيات المسلحة من المنطقة الساحلية يعني إن دعوة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا لعقد مشاورات في جنيف ليست بالدعوة البريئة، كما إن طرح مسار مشاورات جديد بالتزامن مع لقاءات المنتدى التشاوري الذي ترعاه الحكومة الروسية في العاصمة موسكو، يأتي في محاولة أممية لضرب المنتدى بما وصل إليه من اتفاق على نقاط وضعت على جدول أعمال منتدى موسكو في جولته الثانية، فالحديث عن ضياع (الشمال السوري) من يد الدولة إضافة إلى ارتكاب مجزرة في جسر الشغور مع إمداد مستمر من الأراضي التركية إلى محيط المدينة التي ما زالت تشهد معارك عنيفة وصل بحسب المعلومات الخاصة إلى داخل جسر الشغور، يفضي إلى أن ثمة قرار ملح من قبل مشغلي الإرهاب على ضرورة أن يكون ثمة جغرافية جديدة في سوريا على المستوى العسكري تميل لصالح الميليشيات لاتخاذ قرار في قمة كامب ديفيد المرتقبة بين الرئيس الأمريكي بارك أوباما مع زعماء الدول الخليجية، ليكون ثمة قرار آخر فيما يخص توجيه ضربة عسكرية للدولة السورية من قبل الأمريكيين بتمويل خليجي، فالكيانات الخليجية وصلت إلى ذروة الحقد السياسي وتريد حل ينهي حجم التمويل الكبير للميليشيات المسلحة في سوريا بواقع يسمح لهم ببدء نهب مقدرات الدولة السورية بما يعوض ما أنفقوه خلال سنوات الحرب الأربعة التي فرضت على سوريا.

فأن يكون ثمة مسارين تشاوريين في الوقت ذاته، ذاك يعني أن دي مستورا تحول بشكل واضح لآداة تضرب كل مسار سياسي يمكن التعويل عليه، إذ أن المنطق يفرض على المبعوث الأممي أن يكون شريكاً في منتدى موسكو لا أن يبحث عن لقاء تشاوري جديد ينسف ما حد في موسكو ويعود بالمعارضات إلى نقطة الصفر، وفي جنيف سيكون "الإئتلاف" وبقية الشخصيات المعادية لهويتها السورية حاضرة، وبالتالي سيكون حجم التدخل المعرقل من قبل الدول المشغلة لشخوص الإئتلاف كبير، ولن يكون ثمة جدية في نقاش الحل السياسي الذي يمكن أن يبنى عليه واقع مساعد على إيجاد جبهة عمل وطني مشتركة ضد الإرهاب، فالمطلوب أساساً من قبل كل الأطراف السورية التوافق على تعريف وشكل الإرهاب في سوريا، وإذ ما تمت العودة إلى النقاط الخلافية فإن ذلك يخدم انتشار الفوضى بشكل كبير في الداخل السوري، وهي المناخ الأكثر ملائمة للكيانات المشغلة للإرهاب في سوريا وبشكل أساسي ( تركيا – قطر – السعودية – إسرائيل).

كما إن الحديث عن جنيف3 بالتزامن مع الهجوم على مناطق الشمال السوري، يفضي إلى البحث في طبيعة الهجوم وكيف نفذ، مما يزيد في دائرة فهم التنسيق الكبير بين القوى المشغلة للإرهاب، وفي أولى النقاط لابد من السؤال عن الطرق التي تم انتقال قسم كبير من مسلحي جبهة النصرة من مناطق جنوب سوريا إلى الشمال منها، مع الإشارة في هذه النقطة إلى أن كافة الطرق المحتملة مستحيلة بالنسبة لمثل هذا الانتقال، فهي طرق واقعة بنسبة كبيرة تحت سيطرة الجيش العربي السوري، والحديث عن عملية تسلل من الجنوب إلى الشمال لكل هذا العدد ضرب من الخيال، كما إن الطرق التي لا يتمركز فيها الجيش العربي السوري تقع تحت سيطرة تنظيم داعش، وبالتالي فإن الحديث عن مثل هذا التقدم سيفهم من قبل التنظيم على إنه تهديد من النصرة بشكل مباشر له، وسيواجه ذلك بالنار الشرسة، وعلى ذلك يؤسس المنطق لفهم مفاده أن الطريق الآمنة هي عبر نقل المسلحين من الجنوب السوري إلى الأراضي الأردنية والفلسطينية ومن ثم نقلهم عبر بواخر إسرائيلية أو طيران أردني إلى تركيا ومنها إلى الشمال السوري، وأن يغض مجلس الأمن الطرف عن عبور آلاف المسلحين بعتادهم من الأراضي التركية إلى الداخل السوري لتنفيذ هذا الهجوم يعني أن قرارات تحريم التعامل مع التنظيمات الإرهابية ستبقى (حبراً على ورق) كما إن ذلك يعني أن أطراف كبرى خططت لهذا الهجوم ونفذته.

واقع العمليات العسكرية التي تشهدها المنطقة يفيد إلى أن معركة جسر الشغور ستكون ملحمية بكون الصراع هنا، صراع محاور سياسية وعسكرية في آن معاً، ويعتبر الطرف المعادي لسوريا إنه دخل في معركة تحديد مصير الأزمة السورية، فإما أن يتمكن من فرض منطقة عازلة قبل قمة كامب ديفيد ليصار إلى التأسيس لإمارة للنصرة تنطلق منها عملية تقسيم سوريا بتدخل عسكري مباشر من قبل الدول المعادية لسوريا، أو إن الفشل سيكون نصيبهم وبالتالي لابد من المناورات السياسية إلى حين إيجاد مخارج دبلوماسية من التورط بالأزمة السورية بأقل الخسائر الممكنة، ومنها إلى التسليم بأمر الواقع الذي يؤكد أن سوريا عصية على التقسيم.