جسر الشغور و«فتح الثغور»... أما زلتم بانتظار «عاصفة الحزم»؟

جسر الشغور و«فتح الثغور»... أما زلتم بانتظار «عاصفة الحزم»؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ أبريل ٢٠١٥

 فراس عزيز ديب
هذي الشام جريحةٌ وجه الحياة بها امتعض... ترنو إليك وتشتكي وترى بوثبتك العوض...
بيت الشعر هذا ليس لـ«سعيد عقل» الذي رثاه بعض الكتّاب السوريين رغم تهليله يوماً للاجتياح «الإسرائيلي» للبنان. هذه الكلمات ببساطة هي من قصيدةٍ ناشد بها خطيب المسجد الحرام «صالح بن محمد» في خطبة الجمعة قبل أمس ملك «آل سعود» للتدخل في سورية، على غرار التدخل في اليمن لنصرة الشعب السوري.
ليس بجديدٍ على «آل سعود» تحويل المنابر الدينية لمراكز تدعو للقتل والإبادة، أو التبشير بأن ما يجري هو تهيئة من اللـه لعودة زمن الخلافة على منهج النبوة، وأن الشام هي أرض الرباط. هذا مايكرره العريفي مثلاً في كل خطبة (على سيرة العريفي، متى ستتم دعوته مرة ثانية لإلقاء محاضرة «هامة» في جامعة حلب التي أصغر شجرة بحدائقها أقدم من مملكة أسياده).

لكن الجديد فيما يبدو، هو تحويل المسجد الحرام إلى «سوق عكاظ» لمدح الملوك والثناء على انجازاتهم في قتل الأبرياء، بل الدفع بهم للمزيد من هذه الأعمال، تحديداً هذا الخطيب يمدح الملك، وفي الوقت يتجاهل الآية الكريمة: «إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة».
في الشكل العام لا يمكن لنا فصل هذا الحدث عن البيان الذي أصدره «آل سعود» حول مقتل شرطيين في الرياض. كان لافتاً أن البيان كرَّر لأكثر من ثلاث مرات فكرة أن المشتبه به تلقى تعليمات وأوامر عبر رسائل نصيّة من تنظيم داعش في سورية. قد تبدو الحالة هي نوعاً من محاولة «آل سعود» لتلميع صورتهم وإظهار أنفسهم وكأنهم ضحايا لـ«إجرام داعش»، لكن في الحقيقة قد يبدو هذا الأمر بالتزامن مع الهجوم «الكاريكاتوري» لـ”رجب طيب أردوغان على داعش يخفي خلفه ما يخفيه من تعويم فكرة أن خطر التنظيم يبدأ من انفلات الوضع في سورية، والمسألة بحاجة لحل عملي يحمل لواءه كل من «آل سعود» و«العدالة والتنمية»، لدرجة قد لا نستغرب في القريب العاجل وقوع عمليات في تركيا وإعلان داعش لتبنيها.
كذلك الأمر فإن هذا التلاقي في الخطاب يمكننا تأكيده عبر مايُسرب عن المفاوضات التي تجري بين «آل سعود» والإخوان المسلمين». هذه المفاوضات ستصل لمراحل متقدمة وتحديداً فالقرضاوي الذي قدَّم يوماً في إحدى خطبه الدينية ضمانات لـ«إسرائيل» بأن وصول الإخوان إلى الحكم لا يعني «تهديد أمن إسرائيل»، لن يكون صعباً عليه تقديم الضمانات ذاتها بأن إعادتهم للحكم في مصر أو تسهيل اعتلائهم للسلطة في سورية لن يكون تهديداً لأمن «آل سعود».
كذلك الأمر فإن هذه المفاوضات كانت متعاكسة، بمعنى أن «آل سعود» استقبلوا وفداً من «الاخوان المسلمين»- مهما حاولوا النفي- وفي الوقت ذاته استقبلت تركيا المجرم «زهران علوش»، وفي كلتا الحالتين الهدف واحد وهو:
تجميع القوى لخوض المعركة في سورية، واستنساخ وجوهٍ تبدو كـ”معارضة معتدلة» ترث ما تحققه العصابات المسلحة على الأرض، وبطريقةٍ أخرى يمكننا القول:
ربما هناك من ما زال يتعامل مع ما يخبئه «آل سعود» تجاه سورية بشيءٍ من التبسيط. ليس صحيحاً أن كلام مندوب «آل سعود» في مجلس الأمن كان مجرد «زهو» بما آلت إليه «عاصفة العدوان على اليمن»، لأنهم أرادوا أن يستفيدوا من «صناعة الأمل» لليمنيين لصناعة الأمل للسوريين، فإلى أي مدى سينجح ذلك؟
فقط في عرف «القادمين من خارج التاريخ»، فإن زراعة الأمل للشعوب البريئة تأتي من فوهات المدافع أو محمولة على أجنحة المقاتلات الحربية، أو تأتي على أشلاء الأطفال الذين بلغ عددهم حتى قبل أمس حسب الأمم المتحدة «115» شهيداً أغلبيتهم العظمى استشهدوا بغارات الطيران.
عندما بدأ الحديث عن عملية برية يقودها «آل سعود» ضد سورية، تعامل البعض مع هذا التحليل بشيءٍ من الاستخفاف، مستندين بذلك إلى غباء القيادة السعودية وجبن جيشها؛ إلى ما هنالك من هذه التحليلات، لكنهم في النهاية تناسوا الحكمة التي تقول «عدوٌ ذكي خيرٌ من صديقٍ غبي»، بمعنى آخر:

ماذا نقول عندما يكون هذا العدو يلعب لعبة الموت، فمن سيلومه عندما سيطبق مبدأ «شمشون» «علي وعلى أعدائي»؟ فهل على المتحدث باسم «تحالف الموت» ليخرج ويقول إن «عاصفة الحزم» ضد سورية قد بدأت، لنقتنع أنها بدأت، فهل من معطيات تدعم هذا الطرح؟!

بدأت عملية تحرير «جسر الشغور» -من أهلها- التي هي استتباعٌ لعملية تحرير إدلب، وكلاهما ليسا سوى نتيجةَ اتفاقات الرياض؛ بين كل من ( سلمان - أردوغان والسيسي) - التي حذرنا منها أكثر من مرة - وربّما هذا ما عناه الرئيس الأسد بطريقة غير مباشرة بالقول «إن سقوط إدلب كان نتيجة لتدخل مباشر لتركيا»، تحديداً أن النصرة - المكونة من خليط إرهابي ـ والاستخبارات التركية أثبتا فعلياً أنّهما واحدٌ لدرجةٍ يستطيعون فيها إيجاد توليفةٍ مناسبة لهؤلاء الإرهابيين وهذا ما ثبتته وقائع الهجوم على جسر الشغور:
كان مضحكاً حديثهم عما سموه اصرار «الثوار السوريين» على تحرير جسر الشغور، هذا ما أكده قائد الهجوم الشيشاني «مسلم الشيشاني»، أما استبسال «الثوار السوريين» في معركة الجسر فليس عليه مثال أفضل من إصابة «المجرم عبد اللـه المحيسني- سعودي الجنسية»، أما إثبات نزوع «الثورة السورية» في معركة الجسر نحو التنوير والتحرر، فأيدها مقتل السوداني «محمد مكي» الذي درس في الولايات المتحدة.
الهدف من السيطرة على جسر الشغور هو أبعد من فكرة السيطرة على منطقة، تحديداً أن عزل الشمال والشمال الغربي هدفه بالأساس المنطقة العازلة التي يحلمون بها، والتي يريدونها محيطةً بالساحل السوري انطلاقاً من فكرة أن أي غاراتٍ قادمة «للناتو العربي» على مايسمونها «مراكز القوة» سيكون لها فعل السحر لإحداث الشرخ الكبير لنفاذ العصابات نحو المناطق الآمنة، هذا مع أخذ العلم أن الكيان الصهيوني يقدم تقارير ببنك الأهداف التي يريدها في كل منطقة، تبدو على رأس أولوياتها بنك الأهداف في المنطقة الساحلية.
في ضوء كل ما يجري كان لابد من التعمية على مايُحاك بهمروجة الانتهاء من عاصفة الحزم في اليمن والتفرغ لإعادة الأمل، والحقيقة أن كلّ ما يجري هو للتعمية على ما يجري في سورية، تحديداً أن الأمور فيما يبدو دخلت في الحيز الضيق، باعتبار أن الجميع بات مأزوماً. وكما قلنا سابقاً فإن «العدو الغبي» لا يمكن لك أن تتوقع حماقاته، وتتعامل معها بسهولةٍ، أما انتظار الحلول السياسية في جنيف وغيرها فهي باتت أشبه بمسرحيةٍ متعددة الفصول، شأنها أيضاً التعمية على ما يجري وهذا ما أثبتته التصريحات:
يقول ديمستورا أنه سيدعو لمباحثاتٍ في «جنيف 3»، لكنّه ليس متفائلاً، إذن لماذا لاتمارس حال القلق على الطريقة «البانكيمونية» وتُريحنا. أمّا مايثير السخرية فهو إعلان الأمم المتحدة أنها لم توجه دعوة لـ«داعش» و«النصرة» لأنهما إرهابيتان، لكنها وجهت دعوات لمن هم على صلة بهما، (تُرى هل لنا مثلاً أن نتخيل ماذا سيحدث لو أني وقفت في ساحة الكونكورد وقلت إنني مواطن سوري على صلة بداعش؟).
ما الفرق بين داعش ومن يغطيها؟ أو بالأصح كم يبلغ حجم المعارضة السورية التي لا تغطي تصرفات «داعش والنصرة»، ثم إذا كانت داعش صناعة «النظام السوري» كما يُسوقون من أكاذيب، فماذا نسمي من هم على صلة بها؟!

أما السؤال الأهم فهل سيكون هناك ممثلون عن «إسرائيل»، تحديداً أنهم من أشد المؤيدين لجبهة النصرة، والأهم أن «المعارضة السورية السلمية» تجاوزت من الأساس مرحلة تهنئة نتنياهو والتهنئة بذكرى قيام دولة «إسرائيل»، لتصل لمرحلةٍ جديدة تتمنى فيها أن يكون الاحتفال القادم في «السفارة الإسرائيلية» في دمشق (نحمد اللـه أن استقراءاتنا لتطور العلاقة بين المعارضة وإسرائيل لم تكذب).
من كل ما سبق علينا أن نعي أننا أمام حالةٍ من سقوط القيم والإنسانية، ومن لايزال بانتظار «عاصفة حزم» على سورية، عليه أن يُقنعنا أن كل ما جرى ويجري منذ وصول سلمان إلى عرش مملكته هو «ليس بعاصفة حزم». لذلك الحل الوحيد هو برفع وتيرة ردات الفعل على الأرض، لأن الميدان هو الأساس وهو الذي سيدفع «عدوّك الغبي» لارتكاب الحماقة التي تنتظرها، تحديداً أن «ممارسة» الذكاء قد لا تنفع في كل الأحوال عند مواجهة «عدوٍ غبي»، وأدوات من «الحمقى»..
الوطن