التوجيهات الحكومية "كأنك يا أبو زيد ما غزيت" .. بقلم: إيفلين المصطفى

التوجيهات الحكومية "كأنك يا أبو زيد ما غزيت" .. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ أبريل ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
من المتعارف عليه في علم الاقتصاد وجود سياسات ونظريات تسعى في جوهرها لتحقيق منفعة اقتصادية تعود بالنفع على الشأن العام، ورغم زعم العديد من الدول ضمن سياساتها الاقتصادية سعيها لتحقيق مثل تلك المنافع إلا أن الواقع الملموس للحياة المعيشية للمواطنين يعد المقياس الأولي لتقييم أداء الحكومة في نجاحها أو إخفاقها في تحقيق الغاية المنشودة "المنفعة العامة".
في سورية نجد أن سنوات الأزمة لم تغير في النهج السياسي الاقتصادي الذي تتبعه الحكومة عبر كافة مؤسساتها ووزاراتها لتحقيق ما يمكن أن نطلق عليه "المنفعة العامة" المتعارف عليه "تلبية احتياجات المواطنين الخدمية والمعيشية" وهو شعار لطالما رفعته الحكومة في كافة جلسات مجلس الوزراء الذي يعقد بشكل أسبوعي، ولو أحصينا هذه الجلسات الأسبوعية لتبين أنها تعادل 48 جلسة في السنة، هذه الجلسات الحكومية التي يتم عقدها تصدر ببيان لوقائع الجلسة ومن خلال المتابعة نجد أن التوجيهات التي تصدر من قبل الحكومة تكاد لا تتغير لهجتها وأسلوب المخاطبة إلا بجزء صغير يتعلق ببعض القرارات التي يقرها المجلس، وتبقى التوجيهات للوزارات كافة بتلبية احتياجات المواطنين سواء من حيث التشدد في رقابة الأسعار وضبط الأسواق ومخالفة المتلاعبين والمستغلين لقوت الشعب، وإذا تمحصنا بهذه التوجيهات نجد أن الواقع يسير بعكس هذه التوجيهات لتبقى هذه التوجيهات حبراً على ورق، فلا يكاد ينتهي أسبوع حتى تصدر وزارة ما قراراً برفع سعر سلعة ما تنسف أحلام المواطنين وأملهم بأنهم بوصلة الحكومة في سياساتها الاقتصادية التي تتبعها، حتى تكاد فجوة الثقة بين المواطن والمسؤول إن لم نقل الحكومة تتسع أكثر فأكثر أسبوعاً إثر أسبوع.
فمثلاً نجد أن الحكومة توجه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بضبط الأسعار وتشديد الرقابة على المخالفين من التجار، في حين أننا نلاحظ بأن الأسعار تتصاعد من دون رادع ولا توجيه أي مساءلة لأي من التجار، وفي الوقت الذي تطالب فيه الحكومة تجارها بعدم ربط الأسعار بسعر صرف الدولار نجد أن الوزارة المعنية بحماية المستهلك تبرر رفع سعر لتر البنزين إلى 140 ليرة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار الذي أصبح الشغل الشاغل للمسؤولين قبل المواطنين الذين يصرون على تجاهل قضية مهمة بأن تخفيف أثر ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار يمكن امتصاصه ومعالجته من خلال الحفاظ على القدرة الشرائية لليرة السورية التي انخفضت قوتها بشكل كبير نتيجة عدم اتخاذ قرارات وإجراءات قادرة على إبقاء الليرة السورية عملة حافظة للقيمة بالمعنى الاقتصادي مخزنة للقيمة وهي من الصفات الأساسية للقبول بأي عملة في التداول، من دون تناسي الحملات التي تروج لها بعض المؤسسات الاقتصادية لحماية الليرة السورية سواء من خلال إيداع أموال في المصارف لدعم الليرة، والتي سبق أن بينا في مقالات عدة أن هذه الحملات لا تساهم بشيء طالما أن أصحاب الثروات والنفوذ والسلطة كانوا قد سحبوا أرصدتهم من المصارف السورية منذ بدء الأزمة، والسؤال هنا أن كان المواطن لا يتعامل بالدولار فلماذا تتم محاسبته بالدولار؟؟!!
 ولأن التوجيهات الحكومية تأتي بعد استشارة ومشاركة الجهات المسؤولة سواء كانت وزارية أو مؤسسات ذات طابع اقتصادي يمثلها أصحاب الشأن من صناعيين ومصدرين وتجار، فنجد أن منطق الميزان الأعوج هو المنطق السائد لدى بعض الصناعيين والمصدرين الذين يجدون أنه من الطبيعي مصادرة الحوالات الخارجية بالسعر الرسمي وتمويلهم بها، وفي ذات الوقت يستنكرون أن تقوم الحكومة بشراء الدولار منهم بعد التصدير بالسعر الذي مولتهم به، وهنا نسأل ما المبرر الأخلاقي الذي يسمح للحكومة بأن تشتري الدولار من المواطن بسعر 257.5 ليرة وتبيعه بسعر 280 ليرة ؟ أليس هذا دافعاً للمواطن إلى السوق السوداء التي تجاوز فيها سعر الدولار 300 ليرة؟؟
مثال آخر على التوجيهات التي تطلقها الحكومة، منها توجيهاتها لوزارة الصحة بمراقبة معامل الدواء وأسعار الأدوية في الصيدليات وضبط آلية تصدير الدواء لسد حاجة السوق المحلية، لكن الواقع يبين أن الدواء المحلي يتم تصديره للخارج بحجة تأمين مصدر للقطع الأجنبي، وتعطى الصيدليات في السوق المحلية عدداً بسيطاً من الأدوية دون أن نغفل عن ارتفاع أسعار الدواء الذي حقق أرباحاً للصيادلة بحجة ارتفاع كلفة المواد الأولية.
من جانب آخر نجد أن التوجيهات التي تصر على مقولة إعادة الإعمار والبناء لم تستثن مواد البناء من قراراتها حيث أصدرت اللجنة الاقتصادية قراراً برفع سعر الإسمنت إلى 20 ألف ليرة للطن الواحد، وبذلك تكون مرحلة إعادة الإعمار لمن يرغب بإعادة بناء منزله تتحول إلى مأساة تضاف لمأساة المواطن المعيشية.
وإن أردنا تفنيد جميع التوجيهات الحكومية فإنها تكاد لا تعد ولا تحصى لنصل إلى نتيجة مفادها بأن الواقع يخالف جميع تلك التوجيهات ويسير عكس مسارها، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.