مصارحة لا بد منها "ما هي أسباب السقوط السريع لمدن سورية بيد الإرهاب؟"

مصارحة لا بد منها "ما هي أسباب السقوط السريع لمدن سورية بيد الإرهاب؟"

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ أبريل ٢٠١٥

يختلف المحللون في أسباب سقوط إدلب وجسر الشغور، فعلى سبيل المثال راسلت عدداً من الضباط السوريين المتقاعدين فوجدت أن لكل منهم رأي وأغلبهم اتفقوا على أن الأتراك يقدمون للإرهاب دعماً غير مسبوق إلى حد مشاركة قوات خاصة تركية في هجمات تشنها الجماعات المسلحة بانتحارييها ويستغل تلك الموجة الأولى ضباط أتراك بموجة تالية تنفذها قوى نظامية متخصصة، يطعم الارهاب نفسه بها فتقود وتغنيه.
فضلاً عن معلومات الأقمار الصناعية الغربية وطائرات التجسس التركية وغرف العمليات التي تؤمن الإحتياجات اللوجستية من تركيا للمهاجمين كلها نقاط تفوق تعطي النقاط الثابتة عسكرياً حظاً أقل مهنياً في الصمود في وجه هجمات مختلطة، انتحارية وعصابية ونظامية مع قيادة مركزية توجه الجميع وتؤمن احتياجاتهم بحجم الجيش التركي وضخامته على نقل اللوجستيات.
هذا التحليل لا ينفي وقائع أخرى لا بد من الإشارة إليها حتى نستفيد من الهزيمة ونحوّلها إلى سبب للإنتصار.
موازين القوى الدولية والإقليمية والمادية في سورية ليست لصالح السلطة ولا لصالح الجيش، فمئة وعشرون دولة تقاتل ضد سورية بالسياسة والأمن وأقوى دول العالم بالإستخبارات والمال والعسكر تقاتل ضد سورية بالمعلومات والإستعلام والإختراق والتجنيد وأقوى لوجستيات لجيوش جبارة تعمل لوجستياً بخدمة الإرهابيين وتقاتل مع الإرهابيين وأقوى التكنولوجيات الموجود عالمياً عند الأميركي والفرنسي والبريطاني والإسرائيلي للتنصت والمراقبة من الفضاء والجو وعلى الأرض تقاتل مع الإرهابيين كما لو أنهم جيش حلف الاطلسي في النورماندي.
وتسونامي الإعلام العالمي والعربي العميل كلها تقاتل بالحرب النفسية إلى جانب الإرهاب لا بل أن ثلاثة أرباع الإعلام في محور المقاومة يقاتل مع الإرهاب بالتقصير في فهم المطلوب من كل فرد مشارك في صناعة الإعلام وفي فهم المطلوب من القادة الإعلاميين تنفيذه فلا يكفي أن رئيساً عبقرياً أو زعيمٌ عبقريٌ يعرف ما يجب فعله بل المهم أن يفعل كل منّا ما يجب عليه فعله.
الهزيمة في معركة ليست مشكلة، احتل الألمان أوروبا وهزمهتهم شعوبها وأتى الأميركي ليقطف الإنتصار فقط. وكذا احتل صدام حسين محافظات ضخمة في إيران وحررها الشعب الإيراني مع أن الوضع العراقي حينها كان في علاقته بالقوى العظمى كما هي علاقة القوى العظمى بالإرهاب في سورية الآن فكل قوى العالم وكل العرب إلا سوريا وليبيا قاتلوا مع صدام حسين، وانهزم الأخير وحررت إيران آراضيها.
هل نعيد التذكير بحرب لبنان واحتلال اسرائيل لمعظم الأراضي اللبنانية؟؟
إذاً الهزيمة ليست المشكلة بل المشكلة أن ننهزم من الداخل.
إن لم تؤدي خسارة مدينة على طريق إدلب اللاذقية إلى تطوع كل رجل وامرأة في اللاذقية وإدلب لحمل السلاح فحينها نكون فعلاً قد هزمنا.
من علامات الإنتصار في لبنان، أن أي قصف إسرائيلي يحصل للجنوب أو أي تهديد بغزو إسرائيلي للجنوب فإنك سترى سيارات تتجه جنوباً بنفس النسبة التي تخرج منه حاملة النساء والأطفال لأن كل جنوبي ولبناني مقاوم يتجه جنوباً قبل أن يدعوه أحد بسبب المعنويات المرتفعة عند المقاومين وأظن أن ما نحتاجه في سورية بعد الأشياء المادية والشروط الموضوعية هو خطة نفسية تعالج الخلل النفسي عند المقاتل وعند الشعب الذي يقف خلفه.
في سورية النادبون أكثر من المقاتلين، وبدل الندب والشتم على الصفحات لماذا لا يتطوع كل شاب وصبية للقتال بالسلاح قبل التفاخر بالصور عن تطوع مدني في فرق تقوم بعمل رائع لكنه ليس الأولوية. الأولوية للقتال ودعوا العمل التطوعي الانساني للأكبر سناً ممن لا يستطيعون القتال.
هل هناك ما يجب فعله؟؟
من أسس فن القيادة الإنسانية أن القائد يحول الهزيمة إلى فرصة للإنتصار ويقلب شروط الهزيمة إلى سبب للإنتصار.
هزمنا ياسر عرفات بسوء إدارته للعمل الفدائي لكن حسن إدارة العمل المقاوم اللبناني أساسه دروس مستقاة من ياسر عرفات.
في سورية قيادة فاعلة وحكيمة لكن القائد يحتاج إلى شعب مقاتل وإلى كوادر تتطوع في القرى والأحياء والمدن لتبني مقاومة ضد الإرهاب بالسلاح والعقل والنفس والمال والدين والنشر والإشاعة.
إذا كان الجيش قد خرج من إدلب فماذا ينتظر أهلها الشرفاء أو الشرفاء من أهلها ليقاتلوا في عمل غواري ضد الارهابيين؟؟
لم أرى في بلدة واحدة دخلها الإرهاب قتالاً مدنياً ضدهم!!
لا يحتاج الآجر لتكليف من "فوق"، الشعب المبادر هو المنتصر والشعب المنتظر مهزوم.
لا أمر لمن لا يطاع فإن لم يكن الشعب مقاتل بكله فكيف سيكفي الجيش لقتال عشرات آلاف الإرهابيين القادمين من كل العالم في حين أن هناك أرياف بأكملها أصيبت بمرض الوهابية والإرهاب التكفيري وضخت في صفوف الإرهابيين مئات آلاف المقاتلين حوالي الخمس والسبعين ألفاً منهم من أشرس مقاتلي القاعدة عدا عن عشرين ألفاً إضافيين من خبراء القتال مع الجيش العراقي السابق ومع داعش، وكيف يقاتل الجيش وحده وكيف يكفي ربع مليون متطوع في الدفاع الوطني أغلبهم غير متفرغين في حين تعترف أجهزة أمن تركيا بألف ارهابي يمرون من مطاراتها وحدودها باتجاه سورية شهرياً.
ما الذي يجب أن يحصل وما الذي يجب أن نفعله لتحويل الخلل إلى مصدر قوة؟
أول الخروج من فخ الهزيمة هو الإعتراف بها والبحث في أسبابها وتقديم تفسير للناس عن سبب الهزيمة وإلا فإن الصمت والمراوغة يحول الشعب إلى متلقٍ للتفسير من مصادر الإرهاب والأعداء.
ما يحصل دائماً ويعطي الإنتصارات للإرهابيين يعتمد على أسباب أساسية:
١ عدم وجود أي قيمة للمقاتل في صفوف الإرهابيين فغرفة العمليات الدولية في تركيا أو الأردن التي تدير معاركهم لا تضع في حسبانها الحفاظ على القوة البشرية بل تضحي بها حيث أمكن لتحقق تفوقاً في أرض المعركة، في حين أن الضابط يقاتل وفي عقله أن يحافظ على الجندي وعلى الوحدة لأن سحب وحدة قتالية أقل خسارة من إبادتها.
٢- الديمغرافية المساعدة التي تحتضن إرهابيين سريين يظهرون في ساعة الصفر ويحققون إرباكاً من خلف الخطوط.
وهذا الوضع يعالج بكسب عقول ونفوس السكان المدنيين حتى ولو كانوا ضد السلطة بداهة لأن كسب العقول يتم بالرضى وليس بالقسر والإكراه في زمن الكر والفر ولا يجري كسب الرضا من الناس بتعفيش بيوتهم ولا بإهانتهم وبالتعالي عليهم، والحل لهذه المشكلة الديمغرافية ،التي يكون فيها المدنيون موالون ضمناً أو بعضهم موالٍ للإرهابيين، يكمن في حملة إعلامية نفسية دينية على وجه الخصوص لتحويل الديمغرافية من عامل قوة للإرهاب إلى عامل ردع ضده، وهذا الأمر سهل وخفيف الظل ويكفي أن تتولى فئات شعبية ودينية نشاطاً منسوخاً ومقلداً لنشاط التنسيقيات في التعامل مع دوائر الديمغرافية دائرة فدائرة فيتولى عدد من المحركين المدربين قضية خدمة الناس والمحاورة معهم ويتولى جيش من المشايخ الموالين إمامة مساجد ومصليات تتحول إلى منابر إعلامية نفسية لصالح الدولة وتقدم الخدمات الدنيوية والإقناع بحسن الآخرة وأن يدافع المرء عن دينه وبلده بوجه حرب الوهابية لمحو المذهب السني من الوجود ، فمن يقاتل في سورية لا يريد خلافة بل توهيب السنة وجعلهم فئات تابعة للوهابيين وتقتنع بعقيدتهم المحاربة لاهل السنة في السعودية منذ مئة عام ونيف، والتي قضت على تراث ووجود المالكية في مكة والمدينة وعلى الشافعية والأحناف في الحاجز عامة وتقاتل في اليمن بالمال والسلاح لتوهيب الملايين ووهبنة ملايين من السنة في العراق ومصر والجزائر ففي خضم الحرب الارهابية علينا بإسم أهل السنة أول ضحايا الإرهاب هم أهل السنة الذين يخسرون دينهم ومذهبهم لصالح الوهابية.

تبديل ميزان التعامل المعنوي مع القوى العسكرية باستعمال الدعاية الدينية والوطنية لرفع معنويات المقاتلين في الجيش وفي الدفاع الوطني عبر تبديل الأسلوب الإعلامي المتبع من الوسائل الإعلامية في محور المقاومة وفي سورية لأنه أثبت أنه ليس الأمثل ولا الأفضل لرفد المقاتلين بالمعنويات.

فلدى القاعدة وفروعها عدد كبير من المقتنعين والمتحمسين للموت لا للحياة وليست صحة عقيدتهم هي السبب بل قوة الدعاية التكفيرية التي تحاكي العاطفة لا العقول، وتستخدم ايمان المرء فتتلاعب بعقيدته وتحوله إلى قانع بأنه من جند الفتح (اتحدث عن القاعدة وداعش لا عن العملاء والمرتزقة).

في المقابل تتفاوت معنويات الجنود بحسب معنويات ضابطهم وبحسب القيادة الفرعية التي توجه الضابط وبحسب الخطط.

٣- تبديل الخطط الدفاعية المعتمدة على الحواجز التي ما إن تسقط حتى تسقط المدينة كلها. في حين يقاتل المسلحون بخطط تعتمد على لا مركزية القرار وعلى التصرف الآني لمن يقود محوراً معيناً يقاتل الضابط بحسب الأمر حتى لو كان من يأمر يجلس في غرفة عمليات ويحاكي القائد الميداني بالأجهزة.

٤- غياب المحاسبة عند التقصير بشكل علني فحتى لو حصلت محاسبة فإنها لا تظهر للمقاتلين فلا يعرفون سبب الهزيمة أهو خيانة أم تقصير أم قوة اندفاع وتوازنات ميدانية فيشعرون بضعف معنوي بعد الهزائم في مناطق أخرى وكلما ضعفت جبهتهم المعنوية كانت هزيمتهم أسرع.

٥- الاعتماد على قوى عشوائية من الشعب المقاتل.
في إدلب سبعمئة ألف ساكن لكن أخذها عشرة آلاف إرهابي وربما أقل، و لنفترض لو جرى تحريض الناس معنوياً ونفسياً لنزل أهالي الأحياء وقاتلوا ولم يقفوا على الحياد وقالوا لمن أخذ أمهم يا عمنا...

٦- غياب العمليات النفسية التي تحول الديمغرافية إلى سد بوجه القاعدة وفروعها وبدلاً عن ذلك يجري التعاطي بطريقة بدائية في العمليات النفسية بما يؤدي إلى غياب التوجيه الخاص بالميديا الشاملة فلا تعرف من ينطق ومن يتحدث للناس باسم القوى المسلحة ولا ما يحصل ، ثم ينتظر الناس تفسيراً فلا يأتيهم إلا من فيديوهات النصرة وداعش، فيقعون فريسة حرب نفسية يمارس فيها الإرهابيون فعل الجذب والتخويف ويمارس فيها الطرف الآخر فعل الإرتباك والتبرير ومزاعم" انسحبت القوات إلى خارج المدينة وطوقتها" ..

هناك نصائح لا بد من قولها ولو على قطع الرأس لأن السكوت ليس حراماً فقط بل هو خيانة:
١- عينوا ناطقا عسكرياً باسم القوات المسلحة وآخراً باسم الداخلية وليكن كل منهم ذو شكل كاريزماتي لأنه يمثل الجيش والسلطة وذو حديث شفاف حتى يفسر دون أن يكشف ظهر الجيش للمسلحين لأن الناطق يعطي الناس ثقة بالقوات المسلحة ويظهرها بمظهر المسيطرة والعارف بما يفعل وبما يحصل ولديه الحل والجواب عن كل هزيمة.
ففي معركة ستالينغراد كان موظف البريد يعمل في المدينة مع أن تسعين بالمئة منها كان تحت سيطرة الألمان وبقيت العشرة بالمئة منها وهي مدمرة تقاتل حتى هزمت الألمان وحررت المدينة.
٢- ضعوا خطة طائفية لإستمالة الجماهير السنية ،إنها حرب الوهابية على الإسلام السني، فليس هناك ألف شيعي تحولوا إلى المذهب الوهابي بل هناك ملايين السنة صاروا وهابيين والوهابية مذهب معادٍ لأهل السنة وإن زعمت السعودية وقطر غير ذلك. فالصعود الوهابي لا يهزمه حديث علماني ووطني بل حديث طائفي والخطر الوهابي على أهل السنة أكبر بآلاف المرات من أي خطر آخر لأن عقداً آخر إن مر علينا بنفس الشروط فلن تجدوا تجمعاً سنياً متحرراً من سيطرة الوهابية التكفيرية من المتوسط إلى باب المندب.

٣- استعملوا يا دولة خطاباً بالتصرفات يحاكي الجنود بالافعال لا بالكلام (والكلام غائب أصلاً) ، إذا حوصر جنود أظهروا علناً وبالإعلام ما تفعلونه وكيف تعملون لتخليصهم. واذا قتل جندي لا تتركوا الساحة إلا وجثته معكم وإذا سقط أسير لا تتركوه وتبادلوا بالراهبات مئات المعتقلين ولا تبادل لضباط الجيش وجنوده ...الجندي الذي يقاتل يراكم فيرى تقصيراً مع أولاد الشهداء وإن فعلتم شيئا إيجابياً فلا يراه أحد بالشكل الواقعي بل بالشكل الإستعراضي.

العامل النفسي هو أهم عوامل الحرب والإرهاب ينتصر لأنه ناجح في الحرب النفسية وصحافيين ومواقع لبنانية مقاومة وسورية مقاومة تتولى التسويق لرعب الارهابيين بدل التسويق لرعب الإرهاب من قوة الجيش والشعب المقاتل في سورية.

خذوا مثالاً صحافيين في صحف وطنية أحدهم متخصص بترويج ما تبثه صفحات داعش والثاني متخصص بتحذيرنا من الموت القادم على يد عشرات الانتحاريين كل بضع أسابيع ليبقينا جميعاً تحت سيطرة الخوف من قوة النصرة وأبو مالك التلي.
ليس هذا وذاك أقوياء وليسا إعلاميان بل أغبياء استلموا القلم وفتحت لهم صحف تريد من يحدث الناس في صفحاتها عن داعش وعن النصرة بغض النظر عن خطأ أو كذب ما ينشرونه فلا المراقب مؤهل ليفهم معنى ما تنشره صحيفته ولا الناشر فاضي ....

المعنويات أولا ثم الديمغرافية ثانياً فلو سقطت حواجز الجيش والمقاومة على مداخل بنت جبيل لما هربت المقاومة بل لقاتلت من متر إلى متر لا من بيت إلى بيت وهذا يعتمد على المعنويات أولا وأخيراً.

معنويات...يعني إعلام وعمليات نفسية تخطط كل خبر بخبره وتضمنه رسالة رافعة للمعنويات ومتلاعبة بالعقل الباطن. أما إعلام يا ربي تيجي بعينو في سورية على مستوى التنفيذ ومع وجود خطط هامة وعلمية ..فهو يؤدي الى حيث ما نرى .