عبد الملك الحوثي ومملكة العبيد!

عبد الملك الحوثي ومملكة العبيد!

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ أبريل ٢٠١٥

أمين أبوراشد

قبل ثلاثة أيام من إطلالة القائد الثوري اليمني عبد الملك الحوثي، كانت إطلالة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي قرأ التاريخ كما هو بالوثائق والحقائق منذ العام 1926، عندما بايع السعوديون السلطان عبد العزيز بن سعود ملكاً على الحجاز وأصبح يُعرف بإسم "ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاته"، إلى أن صَدَر في 18 سبتمبر/ أيلول من العام 1932 مرسومٌ ملكي قضى بتوحيد نجد والحجاز وعسير في دولة واحدة بإسم المملكة العربية السعودية وعلى رأسها عبد العزيز بن سعود.

قبل هذا التاريخ، نقرأ باختصار من كُتُب التاريخ أيضاً، أن مؤسس الحركة الوهَّابية محمد بن عبد الوهاب مدفوعاً من الإنكليز لشرذمة المسلمين، دعا في القرن الثامن عشر (1732) الى نبذ ما أسماها البِدَع الدينية "الدخيلة على الإسلام" واكتسب بعض المؤيدين وعلى رأسهم الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية يومذاك، وبدأت مسيرة التحالف الوهَّابي السعودي منذ ذلك الحين، وكانت الغزوات التي قام بها آلـ سعود لتوطيد سلطتهم وإعلان مملكتهم لاحقاً.

لكن المسلمين الى يومنا هذا لا يجدون تفسيراً لمسلكية آلـ سعود الدينية في حياتهم الدنيوية، وكيف أنهم يجمعون بين رفضهم إقامة الأضرحة والشواهد كدليلٍ على إيمانهم بالزهد والتواضع في شعائر دفن الموتى، بينما يقضون حياتهم في بذخٍ أسطوريٍّ داخل قصورٍ مطلية بماء الذهب وحياة ترفٍ هي أقرب الى المُجُون، وفي الوقت الذي يَدعُون فيه الى تدمير المقامات الدينية واعتبارها وثنية نجِد السعوديين يقبِّلون صورة المَلِك ومنها يتبرَّكون! 

كثيرة هي القواسم المشتركة بين إطلالتيّ القائدين، وأوَّلها التمييز بين الشعب السعودي ونظامه الحاكم، وثانيها الإشارة الدامغة لهذا الحقد القديم المتجدِّد للنظام السعودي على الشعب اليمني المقهور، وثالثها وهو الأهم هذا التحالف المشبوه بين أميركا وحلفائها الخليجيين لتدمير اليمن وسط ترحيبٍ إسرائيلي بـ "عاصفة الحزم" واعتبار ما يحصل أنه إيجابيٌ لأمنها القومي!

من خلال الوقائع التي عرضها السيد عبد الملك الحوثي عن العدوان السعودي المدعوم عملانياً من أميركا على اليمن، فإن دور آلـ سعود في الغطرسة على الآخرين ما زال هو هو منذ نشأة الوهَّابية التي أرادوها مذهباً عائلياً لمنح العرش هيبته الدينية بهدف الحفاظ على هذا العرش، وإدِّعاء حربهم على اليمن من منطلق خوفهم على الحرمين الشريفين فلأنهما من ضمن "أملاك" آلـ سعود، أما أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في فلسطين فهو خارج جغرافية الأملاك، وخارج مقدَّسات المسلمين!

منذ متى كان الشعب اليمني العريق بإسلامه وعروبته وحضارته يُشكِّل خطراً على المملكة السعودية؟ إلّا إذا كانت وصية المؤسس عبد العزيز لأبنائه: "خيركم وشرُّكم من اليمن" عالقة في أذهانهم ويتحرَّكون على أساسها، ويخافون اليمن كما يخافون كل حضارة ضاربة جذورها في التاريخ وكل جمهورية وكل ديموقراطية وكل شعبٍ مؤمن بنفسه وبقدراته وبالله.

الحوثيون شأنهم شأن الشعب اليمني، كانت لهم وما زالت حقوقهم المطلبية، وما خرجوا من محافظة "صعدة" إلَّا بعد أن طفح كيلهم من إستفزازات مذهبية وتعدِّيات من جوارهم في "عمران"، ووصلوا الى صنعاء بعد أن تشرذم الجيش اليمني وباتت مؤسسات الدولة سائبة، وكان بإمكانهم من العاصمة إسقاط رئيس وتعيين رئيس، لكن لم تكن هذه أجندتهم يوماً، وواصلوا الحوار مع كافة القوى اليمنية حتى اللحظات الأخيرة رغم التعنُّت من قِبَل الآخرين وفي طليعتهم حزب الإصلاح، الى أن كان عدوان "عاصفة الحزم" لتدفيع الحوثيين ثمن الخطيئة الكبرى، وخطيئتهم أنهم يرفضون التدخُّل الفوقيّ للسعودية في شؤون اليمن ويعتبرونه إعتداء على السيادة اليمنية، عبر مبادراتٍ سياسية مُذِلّة!

واليوم، وبعد ما يُقارب الشهر على العدوان الجوِّي والبحري على اليمن، إضافة الى القصف المدفعي من الداخل السعودي والإشتباكات البرّية خاصة في منطقة نجران الحدودية، ها هي اليمن تصمد تحت الرُّكام بشيوخها ونسائها وأطفالها رغم انعدام أبسط مقوِّمات العيش، في تحدٍّ لإعتداءات جوية ناهزت الألفين للطيران السعودي في تدميرٍ ممنهج للبنى التحتية من مستشفيات ومستودعات مواد غذائية ومحطات وقود وطاقة ومؤسساتٍ عامة وخاصة، وكانت جريمة قنابل الغازات السامة التي ألقتها الطائرات السعودية على صنعاء أمس الإثنين، الدليل القاطع على يأس هذا النظام المجرم الذي ضاهى الصهاينة في حقده، ورغم ذلك،  لم ولن تتمكن هذه الإعتداءات من وقف الثوار ومعهم الجيش واللجان الشعبية عن الزحف نحو المناطق التي تُسيطر عليها القاعدة خاصة في الجنوب، مع رسائل طمأنة واضحة للجنوبيين بأن القرار لهم ولسلطاتهم المحلية في كل ما يُراعي أوضاعهم المعيشية وحياتهم اليومية، والتأكيد على الرغبة في الحوار معهم.

ولنفترض جدلاً أن السعوديين قادرون على تدمير اليمن لترويض شعبها، فشعبها غير قابلٍ للترويض ولم يعُد لديه ما يخسره، والعبرة في المواجهة البرِّية التي تبقى مُستبعدة بالنظر الى طبيعة التضاريس اليمنية وطبيعة الشعب اليمني، وإذا كان عدوان "عاصفة الحزم" إستعراض هدفه إيصال رسالة الى إيران على خلفية نجاحها في الملف النووي وفي سوريا والعراق، فقد تحدَّى القائد عبد الملك الحوثي آلـ سعود أن يتجرأوا ويحاولوا أن يلامسوا الحدود الإيرانية البريَّة أوالبحرية أو محاولة خرق أجواء إيران.

في وقتٍ ترك فيه القائد الحوثي مقاومة العدوان مفتوحة على كافة الإحتمالات التي تتطلبُّها الوقائع الميدانية، فإن الحوثيين ومعهم الشعب اليمني المقهور باتوا هم المُعادلة السياسية والعسكرية على أرض اليمن، ولا حلّ في اليمن ولو دمَّر آلـ سعود كل اليمن، إلّا بحوارٍ يمنيٍ يمني برعاية أممية، والنصيحة الأخيرة لعبيد الغرب وخدَّامه منذ محمد بن سعود حتى يومنا هذا، ولعبيد مملكة آلـ سعود وأموال نفطهم، أن يسمعوا هذه الـ "كفى" التي أطلقها سماحة السيد حسن نصرالله صادحة صريحة صارخة، لأن عرش آلـ سعود قام على الدمّ ومستمرٌّ على الدمّ ولكن، لن تستمر طويلاً هذه السلطة العائلية الوهَّابية حاملة سيفها الظالم على شعبها وشعوب الجوار لأنها إسلامياً وعربياً مجرَّد كذبةٍ تاريخية وعارٌ على التاريخ...