هل يُحبّ كيسنجر أميركا؟!

هل يُحبّ كيسنجر أميركا؟!

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ أبريل ٢٠١٥

نبيه البرجي
حين قرأت مقالة هنري كيسنجر وجورج شولتز في «وول ستريت جورنال» استعدت ما قاله لنا، لدى زيارته دمشق في الثمانينات من القرن الفائت، الديبلوماسي الاميركي جورج بول، وهو واحد من كبار المستعربين الذين حطمهم كيسنجر، بالتواطؤ مع جوزف سيسكو، في وزارة الخارجية..
شيء وحيد اعجبه في وزير الخارجية السابق هو قوله «ان ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الازل وتموت مع الازل». استدرك سريعا ليقول «لكن المكان الوحيد الذي يليق بدماغ هذا الرجل هو صندوق القمامة».
وصفه بذلك الكائن الخرافي الميدوزا الذي تتصاعد الافاعي من رأسه. قال «اذا بحثت عن قلبه فستجده في حائط المبكى». هو هاجر مع عائلته من المانيا في الثلاثينات الى الولايات المتحدة. ولاؤه بالمطلق ليهوديته، حتى ان بول سأل ما اذا كان كيسنجر يحب اميركا...
كان يعتبر انه اكثر اهمية بكثير من ريتشارد نيكسون، وقد شق امامه الطريق الى الصين، وعلى اساس ان ترويض التنين لا يمكن ان يحدث عن بعد، ولعب بشيوعية ماوتسي تونغ ضد شيوعية فلاديمير ايلتش لينين وميخائيل سوسلوف .
اما عندما استقال نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت، وخلفه جيرالد فورد، الذي لم ينتخب قط، في البيت الابيض، كان يسخر منه في جلساته الخاصة، مع انه استبقاه في منصبه، ولم يتورع عن وصفه بـ«اللقيط السياسي»، وهو الذي ازاح بكل تلك الفظاظة وليم روجرز عن منصب وزير الخارجية بعدما طرح رؤيته لتسوية ازمة الشرق الاوسط.
لا ريب في انه اللاعب المحنك. كان يعتقد ان الولايات المتحدة لم تنتج ديبلوماسيا بعبقريته حتى عندما جرى وصفه بـ«ميترنيخ القرن العشرين»، علق بالقول لا بل ان ميترنيخ، المستشار النمساوي الشهير الذي اضطلع بدور محوري في مؤتمر فيينا عام 1815، هو «كيسنجر القرن التاسع عشر».
في مقالته مع شولتز الذي كان وزيرا للخارجية في عهد الرئيس رونالد ريغان، تشكيك بالبنية الفلسفية والتقنية، وحتى الاخلاقية، ناهيك عن البنية الاستراتيجية لاتفاق لوزان، بعدما حاول تلميذه دنيس روس تسويق الخيار العسكري ضد ايران لان حيازتها القنبلة النووية تعني «ان علينا ان نأخذ إذنا من طهران حتى عندما نريد التجول في شوارع الشرق الاوسط».
بول قال ان كيسنجر زرع اتباعه في ارجاء الادارات المتعاقبة، وهؤلاء، ربما بتوجيه مباشر منه، «يفبركون» كل الازمات، بل وكل الصراعات، في المنطقة. من قرأ مقالته في «وول ستريت جورنال» يلاحظ كيف يحاول اثارة او استثارة الشكوك، وبالتالي تأجيج الحرائق..
قال ايضا ان كيسنجر الذي فتن بخاصرة نجوى فؤاد التي طلب منها الرئيس انور السادات ان ترقص امامه لم يكن يرى في المنطقة العربية سوى» مستودع لالف ليلة وليلة». اي حاكم عربي هو شهريار، واي جنرال عربي يتوقف خياله عند ساقي... شهرزاد.
ومع ان الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز طلب من مساعديه عدم السماح لكيسنجر بالدخول مرة اخرى الى القصر، وصفق الباب بقوة وراءه، ثمة من يؤكد انه عمل مستشارا لاكثر من بلاط عربي، وهو قد يكون مسؤولا بصورة او باخرى، عن تفجير العلاقات بين الدول العربية او بين الدول العربية وايران، وان كانت هذه قد عرفت بعض المسؤولين بمواقفهم الصاخبة التي استثمرها اللوبي اليهودي او بالاحرى المؤسسة اليهودية الى ابعد الحدود...
الذي استوقفنا هو مدى ترحيب معلقين ومحللين عرب برؤية كيسنجر وشولتز، ودون ان تكون خفية علاقة هذا الاخير بالمجمع الصناعي-العسكري الذي حذر منه دوايت ايزنهاور، وهو بطل النورماندي، في خطبة الوداع..
شولتز الاتي من احدى الشركات لادارة العمليات الديبلوماسية المعقدة في عهد ريغان كان شديد الارتباط وشديد الافتتان بافكار كيسنجر0 الاثنان صاغا نظرية «حرائق الغابات» اي تصنيع الحروب المبرمجة لتحقيق اهداف استراتيجية محددة، كما انهما عملا معا لتسويق برنامج «حرب النجوم»، اي اقامة منصات في الفضاء تدمر، باللايزر او بالجزيئيات الالكترونية، اي صاروخ سوفياتي عابر القارات بعد 7 او 8 ثوان من اطلاقه. وام تكن هناك من حاجة لتنفيذ البرنامج الباهظ التكلفة لان الامبراطورية السوفياتية زالت بعد فترة وجيزة من الوجود...
الاثنان حرضا ضد اتفاق لوزان. زرعا الطريق الى الاتفاق النهائي بالشكوك، وبالاحتمالات والتشابكات المفخخة، فيما بدا انه محاولة لارساء كل ديناميات الانفجار في الشرق الاوسط..
هذه المرة قد يكون كيسنجر اقترف الخطأ الاخير وهو الذي بات في الهزيع الاخير من العمر. ثمة من ينصحه بأن يأخذ بقول الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران «قوة الاشياء». قوة الاشياء تشي بأن الاتفاق النهائي آت. الحرائق لا بد ان تتراجع...