لا شعب في فلسطين.. بل طوائف غير يهودية!!.. بقلم: د. بسام الخالد

لا شعب في فلسطين.. بل طوائف غير يهودية!!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ أبريل ٢٠١٥

Bassamk3@gmail.com
هل الصهيونية قديمة أم حديثة؟ بمعنى هل الفكرة الصهيونية التي أنتجت "إسرائيل" اليوم ووضعتها بيننا.. قديمة قدم الدين اليهودي أم هي فكرة حديثة لها ملابساتها الموضوعية والتاريخية والاجتماعية؟!
يزعم الفكر الصهيوني أن الفكرة قديمة قدم اليهودية ذاتها, وأن محورها هو عودة "شعب الله المختار إلى أرض الميعاد" وتُروج هذه الفكرة بهذه البساطة على ملايين البشر اليوم ويقبلونها أيضاً بكل بساطة، في الوقت الذي تشترط فيه التعاليم الدينية اليهودية، من أجل تحوّل اليهود من أمة دينية إلى أمة قومية، قدوم (الماشيح – المسيح) الذي يعود بالمنفيين، إلى أرض الميعاد، كما جاء في العهد القديم!
بناء عليه أصبح من الواجب - حسب هذا التفسير – انتظار عودة (الماشيح) في صبر وأناة، فمشيئة الله وحدها التي ستبعث به, وبالتالي يصبح من "الكفر" أن تحاول جماعة ما تحقيق الإرادة الإلهية بنفسها, ومن هنا تصبح عودة اليهود إلى فلسطين، كما تحققت منذ أكثر من ستين عاماً، متناقضة جذرياً مع التصور الديني اليهودي، وبالتالي فإن الصهيونية تتناقض مع اليهودية الدينية!
لقد استغل الصهاينة الفكرة الدينية، بوجهيها اليهودي والمسيحي، كجسر لتحقيق الأهداف الصهيونية في فلسطين على الرغم مما يعتريها من تضاد شديد, إلا أن محور ارتكاز الصهيونية كدعوة أيديولوجية كان يقوم على الفكر القومي الذي انتشر في أوروبا إبان القرن التاسع عشر مواكباً للمرحلة الثانية من الاستعمار المرتبط بالرأسمالية الصناعية, لكن "تيودو هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، أوضح هذه الفكرة بجلاء في إجابته للملك "إيمانويل الثالث" ملك ايطاليا, عندما سأله عما إذا كان يتوقع عودة (الماشيح) قائلاً: إننا "في الأوساط الدينية"، ويقصد اليهود، لا نزال نؤمن بهذه الفكرة, أما في دوائرنا الأكاديمية المستنيرة فليس لهذه الفكرة وجود, فالصهيونية حديثة حداثة الفكر القومي الأوروبي، لبست مسوح الدين اليهودي لتلائم بعض أطروحاته وليس العكس.
إذاً.. الصهيونية حالة انتهازية استغلت الدين اليهودي لتحقيق أغراضها الاستعمارية في فلسطين وتوسعها في الأراضي العربية الأخرى، وعندما تحقق للفكر الاستعماري الصهيوني ذلك أخذت الأدبيات الصهيونية تتحرك باتجاه إحياء فكرة "يهودية الدولة" التي يسعى من خلالها القادة الصهاينة إلى إقامة الدولة اليهودية الخالصة، ويقضي هذا المخطط بتطهير الداخل الإسرائيلي، أو بمعنى أصح ما تراه "إسرائيل" مجالها المجتمعي الداخلي، من الوجود الفلسطيني المتزايد باطراد، لما له من انعكاسات خطيرة عليها في المستقبل العاجل والبعيد معاً، ذلك أن الهدف الرئيسي لهذا المخطط الكبير هو تحصين وتغليب العنصر اليهودي الصهيوني في داخل هذا الكيان.
لهذا تحاول "إسرائيل" التنكيل بالفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة بفعل التعديات المتواصلة، وتحت وطأة الضغوط التي تشتد، بفعل التطهير العرقي الذي تمارسه سياسة التمييز العنصري والفصل والتفرقة من قبل الحكومة والهيئات العامة والرسمية في "إسرائيل".
السؤال الجوهري: لماذا تعاود "إسرائيل" الآن إثارة الحديث عن يهودية الدولة؟!.. هذا السؤال يفضي إلى استنتاج مفاده أن هذا الحلم ليس مستحدثاً، إنما له جذور كامنة في أصل بناء الدولة، وإذا ما عدنا إلى نص وعد بلفور الشهير، والذي يقول فيه :"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين".
إن الخطورة التي حملها هذا الوعد أنه لم يعترف بوجود الشعب الفلسطيني أصلاً، فهو يقول (الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين)، وليس الشعب الفلسطيني أو الفلسطينيين، وهذا كان تلبية لرغبة اليهود أنفسهم، "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، فهؤلاء المقيمون في فلسطين من مسلمين ومسيحيين لهم حقوق مدنية فحسب، وليس لهم حق بوطن ودولة، مع أن المسلمين والمسيحيين عند التقسيم كانوا يشكلون نسبة 85% من سكان فلسطين.. تلك هي خطورة "الدولة اليهودية" بشقيها اليهودي الديني والصهيوني القومي!