نبيع في اليمن ونشتري في سورية

نبيع في اليمن ونشتري في سورية

تحليل وآراء

الجمعة، ١٧ أبريل ٢٠١٥

«نبيع في اليمن ونشتري في سوريا». هل هي السياسة الروسية حقا؟ السذج وحدهم يقولون بالفصل بين فلسفة السوق والفلسفة الاستراتيجية للدول. تحديدا في الازمنة الراهنة...
موسكو اكتفت بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الامن، وتحت مظلة الفصل السابع (الذي يفتح الباب امام التدخل العسكري)، في صدد الوضع في اليمن. وحين يُسأل الديبلوماسيون الروس يقولون ان القرار لا ينطوي على اي معنى، اذ ما هو تأثيره على عبد الملك الحوثي، اما بالنسبة الى «توريد الاسلحة» فمن اين يمكن وصول الاسلحة اذا كانت البوارج تغطي الشواطىء، والحدود السعودية مستحيلة، كما ان المطارات مقفلة او مدمرة..
الروس لا يريدون حصول اي اهتزاز اضافي في علاقاتهم مع السعودية، وهم يراهنون على دور ديبلوماسي يجعل منهم شريكا اساسيا لا في التسوية اليمنية فحسب بل في سائر التسويات في المنطقة. بالتالي لا مجال للذهاب بعيدا في الاجتهاد او في الاستنتاج حيال الموقف الروسي في نيويورك مادامت اشياء اخرى تجري وراء الضوء...
هم يدركون ان السعوديين لن يغفروا قطعا لاي جهة تقف ضدهم في هذه اللحظة المعقدة. قرار الملك سلمان بن عبد العزيز هو المضي في هذه الحرب حتى نهايتها، والمسؤولون السعوديون يقولون انهم لن يسمحوا بأن يكون «ذلك الخنجر في ظهرنا»، والى حد رفض اي شكل من اشكال التسوية الا اذا كان جميع الاطراف، وبالكامل، تحت مظلة السعودية...
المملكة عبأت كل امكاناتها ليكون اليمن في قبضتها، اما الروس فيعتقدون ان الحرب هناك شديدة التعقيد، ومن الصعب، ان لم يكن من المستحيل، الرهان على نصر عسكري كاسح، ودون ان تكون هناك الشخصية «الساحرة» التي بامكانها استقطاب القوى والقبائل والتيارات اليمنية المترامية...
صحيح انه تمت «زركشة» عبد ربه منصورهادي على انه يختزل الشـرعية في اليمن، لكنك لن تجـد يمنــيا واحدا يرى في هادي الشخصية التي يمــكن ان تمــسك بالخيوط المتشابكة. هو حالة لا تصـلح حتى لمرحلة انتقالية. هذه مشـكلة. لا وجود لاي شخصية سياسية حتى بمواصفات حامد كرزاي في افغانستان.
الروس يقولون «التسوية حتمية، ونحن جاهزون». الرهان على نصر ساحق هو رهان خاسر في الواقع اليمني بل في التضاريس اليمنية، ومن الافضل ان يباشر الان بالاعداد للمفاوضات مادام التدخل البري دونه عقبات لا تحصى، فحين تتمنع باكستان، وهي التي تمتلك القوة العسكرية الضاربة، عن المشاركة خشية التخلخل الداخلي، بل وخشية الانهيار الداخلي، من يبقى هناك للخوض في تلك المجازفة؟
المصريون متوجسون كثيرا. في السودان ثمة معارضة للتدخل البري، وهو البلد الذي لا حدود لمشكلاته، الا اذا حمل عمر البشير عصا الماريشال وتقدم على رأس جيش جرار، وهو الخائف على منصبه بالرغم من تلك الانتخابات الكاريكاتورية التي جرت اخيرا..
وبالرغم من كل ما يكتب وما يقال في الصحف العربية، ثمة صدمة من الموقف الباكستاني ومن كل مواقف الدول التي تم الرهان عليها لشن العملية البرية، وهذا ما يردده ديبلوماسيون غربيون يستشف من كلامهم ان هناك في واشنطن من يأمل في سقوط المملكة في المأزق بعدما اتهمت اكثر من مرة بـ«الشغب» على قرارات استراتيجية تتخذها الادارة.
هؤلاء الديبلوماسيون يقولون ايضا ان ايران اخطأت كثيرا حين دفعت بحلفائها الحوثيين نحو باب المندب الذي يعني، سعوديا، باب مكة او حتى باب القصر الملكي. الحرب وقعت، وبعض الصحف تحدثت عن اتجاه الحوثيين لامتلاك اسلحة كيميائية (وتصوروا!!) في محاولة لاستدراج واشنطن الى اتخاذ مواقف عملانية اكثر تأثيرا على الارض، او لتغطية عملية برية، او للضغط على البلدان المترددة...
اليمن الان مأزق الجميع. الدوامة العسكرية لا يمكن ان تفضي الى نتيجة باستثناء الجثث اليومية التي هي عبء سيكولوجي مثلما هي عبء اخلاقي في بلد لطالما قلنا انه يعيش تحت خط العدم. الديبلوماسية الروسية تتحدث الآن عن صفقة ما «لكم صنعاء ولنا دمشق». هل هذه هي المعادلة الدراماتيكية التي تستقر عندها النيران في المنطقة..
بعد ساعات من الافــراج عن صــواريخ «اس-300»، وهي صواريخ استراتيجية، الى ايران، لم يستخدم المندوب الروسي الفيتو ضد قرار مجلس الامن. من قال ان الدببة ترقص فقط على قرع الطبول. انتبهوا ثمة وزير خارجية روسي يدعى سيرغي لافروف ولقبه... الثعلب