إسقاط مقاصد الدين.. بقلم: فادي برهان

إسقاط مقاصد الدين.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الجمعة، ١٧ أبريل ٢٠١٥

لا شك أن مقاصد الدين من حفظ النفس والعرض والمال و..غيرها معروفةٌ ومشهورة لكل من له أدنى اطلاع ومعرفة، وقد التقت عليها الأديان السماوية بتعاليمها المقدسة فضلاً عن الفطرة الإنسانية، ولم يختلف اثنان أن هذه المقاصد هي الهدف الرئيسي للشريعة، فإذا سقطت وهُدرَ الدم ونُهبَ المال واُستبيح العرض واُنتهكت الحرمة نقول: نُقِضَ الغرض الذي جاء من أجله الدين ونزل به الوحي، فكيف بنا إذا سقطت مقاصد الدين باسم الدين واُستغلت الشريعة ذاتها لنقض غرضها وانقلب تطبيقها على عقبيه، فبدل أن يحافظ الدين على النفس أصبحت النفس تُقتل باسم الدين وكذا المال والعرض والحرمات وغيرها..
فهل يحقق تطبيق الشريعة اليوم هدفه فعلاً ويبلغ مقاصده ؟
أم إننا أصبحنا في زمنٍ انشغل به المسلمون عن المقاصد بالقواعد واستغرقوا في طرق ووسائل الاستنباط الهندسية العمياء التي شكلت سبباً رئيسياً في إسقاط المقاصد؟
لقد سقطت مقاصد الدين وتلاشت باسم الدين ظناً ممن يدّعون العلم وينصبون أنفسهم رجال دين أنهم هم الذين يمثلون الله على أرضه، ولذا فإنهم يبيحون لأنفسهم استغلال كل السبل والوسائل الشرعية منها وغير الشرعية للمحافظة على ما يدّعون بأنه كيانٌ يمثل الإسلام، وينطق باسمه، فعلى سبيل المثال تدعي بعض الدول الإقليمية الداعمة للإرهاب والراعية له..كتركيا أو المملكة العربية السعودية..أنها تمثل الكيان الإسلامي الذي يُعتبر امتداداً لخلافة رسول الله (ص) وتحاول أن تستعيد طموحاتها التوسعية باسم الإسلام، وفي سبيل ذلك تجند الإرهابيين من شتى بقاع الأرض، وتقوم على تدريبهم ورعايتهم، وتدفعهم للقتال هنا وهناك غير آبهة بمقتلهم أو بمقتل خصومهم بغض النظر عن أحقية أي فريق منهم، المهمّ أن تحافظ على كيانها المصطنع على حساب الدماء والأعراض وتشويه معالم الدين وإصدار نسخة إسلامية إرهابية تحل محلّ الإسلام المحمدي الأصيل، إذاً فالمؤامرة على الإسلام قبل أن تكون على الأوطان والإسلامات المتعددة التي أصدرتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية _ والتي فرّقتنا ومزّقتنا إرباً من دون أن ندري أننا ننجرف بتيار التجزئة والمؤامرة _ أضحت من صلب الدين وسيطرت على العقول وتربصت بها إلى حدّ مصادرتها، فأصبح المرء عرضةً للاستهزاء والسخرية إذا أعلن أنه مسلم وسرعان ما يُسأل عن مذهبه، فكلمة مسلم لا تكفي للتعريف عن الدين بل لا بد من أن يؤكد أنه مسلم سني أو مسلم شيعي.. مالكي..حنفي..حنبلي..ماتريدي. أشعري. زيدي.. درزي.. وهكذا فهل هذا هو الدين الذي جاء به محمد (ص) ؟
ولذا نتساءل اليوم عن مدى حرص (ما يسمى رجال الدين والعلماء) القائمين على تطبيق الشريعة: إلى أي حدّ تم حفظ النفوس والأموال والأعراض والأوطان ؟ وكيف يمكن استغلال الدين واستثماره لإسقاط مقاصده التي جاء من أجلها ليظهر البعض على الشاشات ويفتي بجواز قتل ثلثي الشعب ليعيش الثلث المتبقي هانئاً متمتعاً بالرفاه والرخاء والحرية؟
وكيف لجسدٍ واحدٍ أن يعيش بعد موت ثلثيه؟ ومن الذي يتحمل مسؤولية قتل الملايين من البشر ويقف أمام الله والتاريخ مسوقاً مبرراته وأدلته وبراهينه التي استدل بها على فتواه ؟؟؟؟
في بداية الأزمة السورية حدثني أحدهم (وهو رجل دين متسلق يدعي العلم والمعرفة) عن التظاهرات المطالبة بالحرية والعدالة و..و.. وقال لي إنها محقة بمطالبها فوافقته على ذلك، لكنني أردفت متسائلاً عن أحقية استخدام السلاح من قبل المتظاهرين وقتلهم لعناصر الجيش والقوات المسلحة والشرطة ؟ فأجابني : لماذا تطوع هؤلاء في الجيش؟ لو كانوا أصحاب مهن وحرف وأعمال بعيدة عن المؤسسة الأمنية والعسكرية لما تمّ قتلهم من قبل المتظاهرين !!!
فهل يُباح دم حماة الديار لأنهم اختاروا أن يكونوا كذلك ؟؟