العصفور الذي لا يخون الغابة؟!.. بقلم: حسين عبد الكريم

العصفور الذي لا يخون الغابة؟!.. بقلم: حسين عبد الكريم

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ أبريل ٢٠١٥

شرس وحنون.. حزين وطروب.. منقاره الحاد ليسَ للأذى، لكنه يحمي أفراخه ويقتتل مع الأفاعي والجراد المؤذي و(الجرذان).. صعب وصديق الغابة، ويعترف للأغصان بمعلومات عميقة، ويتبادل معها (الدردشة) وأحوال الغربة والرجوع إلى هذا الغصن المطل على المرج، أو ذاك المتقابل مع الغيمات..
طائر عجيب، مدهش، فطين، رغم فقره وقهره، ومرارات حصار أفراخه، ما قبل العطش، وما بعد غياب الغيمة الذكية المحبة.. ويشعر في بعض الأحيان أن خطراً أفعوانياً لئيماً أو غدراً سُمياً أو خديعة على باب الغابة، أو قرب احتمالات صداحه ونواحه وغنائه وطربه واخضرار المواسم.. كيف يفعل، ويستجمع الشجاعة والشهامة العصافيرية والطيورية؟! لا يترك عشاً، لا يسأله الحذر.. ولا ينسى مدخنة قربها مستراح سنونو أو حمامة أو طائر دوري.. يستنهض في أقربائه القرابات القصية والقريبة.. ويتحاور مع السواقي والينابيع والكروم والأعالي والسهول..
عصفور بألوان متموجة متعددة، تتشابه مع البروق وغروب الحقول والشروق.. كل لون في جناحيه علامة بستان أو حارة مطر أو سفح الغابة..
ريشاته كأنها ديوان الأغصان التي يحن إليها، ويتبادل معها التغريد والنسمات..
منذ أول لون في ريشه، يعلمنا: أن الأغصان وطن استقراره، وأن سماء الغابة ميدان تحليقه ورجوعه ورجائه، وأن الوفاء الصميمي نبع صوته وصلاة صمته.. وأفراخه صدى وطنه الفضي المخضوضر، بفضل الحب العنيد، الذي بين تغريدته والغصن، وفرخه وذاكرة هواه.. يبتعد هذه المرة عن الغابة..
أين يذهب؟!
تُجيب إحداهن: قد يكون تعلّم لغة تغريد أعجمية جديدة، وتناسى لغته الأم، ريثما تهدأ العاصفة، وتهدأ الأفاعي ولعنة المكر والخدائع!!
هل بوسعه أن يهجر وينسى، وبيته هنا وروحه هنا، وأوجاعه هنا وأطفاله وأصواته ومعلومات ريشاته وسماء جناحيه؟!
حقد الأفاعي الخبيثة على أشده.. والجراد الغربي يُخرب المواسم والبساتين.. أين أنت أيها العصفور العجيب؟!
يعود حاملاً مئات الجراح في جسده ومئات الطعنات في أحلامه، ومئات التكسرات في أجنحته.. يعود لأنه يؤكد أن لا مكان للغياب عن الوطن.. وأن لا مجال للبعد عن الأغصان.. وتتحد في صوته الأصوات الأصيلة وتهزم النعيق والغُربان والخراب..
ويبسط من جديد تعوذ ثقافة الجراح، التي يداويها الوفاء، والطعنات التي تصدها القناعات.. والكوابيس الخرفانة، التي تهزمها الأحلام..
الطائر الأعجوبة، رغم واقعيته المفرطة لا يترك الأغصان، رغم كثرة المغرر بعطشهم وقلة عيشهم.. الغصن وطنه.. والغابة أمه، وصداحه البكر نبوءة وجدان القرى والبلدات والمدن والبحر والسهل والجبل..
إنه لا يخون الأغصان والغابة مهما
تجرأت على فقره الإغراءات ومحاولات الدناءات وبهجة الأبهات المرتفعات والغيمات.. ما زلنا نتعلم من عينيك الآفاق..
ومن صوتك الرنين والحنين، ومن وقتك الأيام والشهور والسنين..
جراحك صارت أستاذة الجراحات النظيفة والجسورة.. ويهرب الغراب والجراد؟!