إسقاط الخير.. بقلم: فادي برهان

إسقاط الخير.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ٨ أبريل ٢٠١٥

بُعث محمد (ص) بالدين الإسلامي الحنيف ليكون متمماً لما سبقه من أديان سماوية مقدسة ورحمةً للعالمين، وليكرس المبادئ والمُثل في العقول ويستنهض الفطرة الخيّرة الكامنة في النفوس ولينشر الفضيلة والسماحة وينحسر الشر تدريجياً وتكون الغلبة للخير.
 لكن الذي حدث أن المسلمين انقسموا وتحزبوا إلى فرقتين.. أهل السُّنة والجماعة من جهة والشيعة من جهة أخرى واحتكر كل فريق منهم الحق والدين والمذهب والمفاهيم وصولاً إلى الجنة، فسقطت بذلك مقاصد الدين وتلاشت المفاهيم التي جاء ليكرسها رسول الله (ص) في النفوس لأن كل فريق منهم لا يؤمن بوجود الفريق الآخر ولا يحاول مجرد فكرة قبوله مهما عمل من أعمال صالحة لأن الخير والفضيلة و.. و.. الصادرة من السنة غير مقبولة عند الشيعة مهما عَظُمت وكذلك الصالحات الصادرة من الشيعة غير مقبولة عند السنة مهما بلغت بالرغم من وحدة الخير والفضيلة ليس عند السنة والشيعة فحسب بل في كل الأديان والشرائع حتى الوضعية منها، فلماذا يريد كل فريق أن يحزّب المفاهيم ويحتكرها لنفسه ويحكم ببطلانها إذا صدرت من غيره ويحكم بصحتها إذا صدرت منه فقط؟
إذاً لقد سقط الخير وانهارت الفضيلة على أعتاب التفرقة والطائفية والمذهبية الضيقة وبدل المعيار الذي سنته الشريعة السمحاء والمتجسد بالمبادئ رفيعة المستوى حلَّ محله معيار الطائفية فأصبحنا نفرز المجتمع بحسب انتمائه الطائفي وليس بحسب خيره وشرّه وذلك لأن كل فريق يعتقد أنه الخير وأن الفريق الذي يقابله الشر وبالتالي فإذا ساد هو _ بحسب اعتقاده _ فقد ساد الخير واضمحل الشر ومن هنا نشأ الصراع وكثرت الادعاءات ودخلنا في حرب الأحزاب والتنافس في التفوق المذهبي بدل التنافس على الخير والعطاء والتضحية في سبيل الآخر.
فهل حقق الدين مقاصده التي جاء لأجلها؟
لعل لقائلٍ أن يقول إننا نرى على الأرض الكثير من مظاهر الوحدة والتعاون بين الفرقتين (السنة والشيعة) وهناك الكثير من العوام عند الطرفين لا يفرقون بل لا يميزون بين سني أو شيعي؟
أقول : نعم ربما نجد على مستوى التطبيق العملي الواقعي الكثير من مصاديق الوحدة ولكن إذا نظرنا في كتب ومؤلفات الفريقين لوجدنا أيضاً الكثير من المصائب التي لا يحتملها عقل أو دين إلى درجة التكفير والحكم بالخروج عن الملة وإذا أخذنا أحسن الأحوال نجد أن كل فريق يعتبر الفريق المقابل مسلماً فقط بمعنى أنه نطق الشهادتين ليدرأ عن نفسه القتل وليحمي ماله وعرضه لكنه يبقى بعيداً كل البعد عن الإيمان، فالمسلم يختلف عن المؤمن لأن كل مؤمن مسلم بالضرورة ولكن ليس كل مسلم مؤمن فهناك شريحة واسعة جداً من المسلمين أنفسهم ينظرون إلى إخوانهم في الدين نظرة المسلم ولكن بأضعف الإيمان لأن الخير الشيعي _ إذا صح التعبير _ هو الخير المقبول عند الشيعة فقط والخير السني هو الخير المقبول عند أهل السُّنة فقط وأما الخير بمفهومه الحقيقي البعيد عن التحزبات والذي دعا إليه الإسلام وجاء به محمد (ص) فقد سقط واضمحل وتلاشى منذ أن قسمنا أنفسنا وتبدلت مقاييسنا. فكيف بنا وقد تشرذمنا اليوم وتشظينا وكل حزبٍ بما لديهم فرحون ليس إلى سنة وشيعة فحسب بل إلى المئات من المذاهب والطوائف والمدارس والتيارات الفكرية والسياسية والجمعيات والروابط والأحزاب وغيرها من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان بل هي أسماء أطلقناها على أنفسنا من دون أن نعي مخاطرها ومخاطر الانجراف في تيارها، فمتى سيعود الخير إلى سابق عهده غير آبهٍ بالطائفية؟ ومتى سنحترم ونقدر الإنسان الخيّر الفاضل بغض النظر عن انتمائه ؟؟