بالتوازي مع الاتفاق الإطاري إدلب واليرموك بؤر إشغال .. والعين على دمشق

بالتوازي مع الاتفاق الإطاري إدلب واليرموك بؤر إشغال .. والعين على دمشق

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٧ أبريل ٢٠١٥

بقلم: الدكتور محمد بكر*
ما إن أ ُعلن عن الاتفاق الإطاري بين إيران والخمسة زائداً واحد حتى هاج وماج العربان , بدوره تنامى القلق الإسرائيلي ليبلغ معدلات ٍ قياسية وعلى لسان نتنياهو الذي سارع لوصف الاتفاق " بالسيء جداً " لجهة ما يؤمنه من إبقاء على البنية التحتية لإيران التي تريد " غزو" الشرق الأوسط وتدمير " إسرائيل " بحسب تعبيره , وفي غمرة الهيجان الخليجي والقلق الإسرائيلي أطل أوباما ليصف الاتفاق بالتاريخي لجهة أنه يؤسس لمستقبل أكثر أمناً عاداً أن الاتفاق أفضل من حرب جديدة في الشرق الأوسط , مسارعاً إلى الاتصال بالملك السعودي الجديد ونتنياهو لبث روح الطمأنينة وتبريد أجواء القلق من جديد الخطوة الأمريكية , في حين وعلى المقلب الآخر وتحديداً في الميدان السوري تسارعت جملة من الأحداث والتطورات ولاسيما ما حدث في مدينة إدلب وبصرى الشام إضافة للتغلغل الداعشي في مخيم اليرموك لتترك خلفها سيلاً من إشارات الاستفهام, حول المراد الأمريكي والأبعاد المتقدمة لاستراتيجيته التي يمضي فيها قدماً " للمزج " بين مسارين الأول أبدى فيه أعلى درجات " المرونة " في تعاطيه مع الملف الإيراني لينتهي بالاتفاق الإطاري , والثاني توكل فيه المهمات وتوزع الأدوار وتمنح الفرص لتلمس مفاعيل الحلف السعودي المبارك أمريكياً والمصاغ بالمال السعودي , تتصدر فيه المملكة " العتيدة " لصياغة السيناريوهات الجديدة, وتصنيع جملة من المخططات تتسمر فيها العين, " فقط" على دمشق . فماهي ملامح هذين المسارين ؟ وكيف تمكن لنا قراءة التطورات الحاصلة في ادلب واليرموك؟ وعلى ماذا يعول الأمريكي , وماذا ينتظر ؟ في مقابلته الأخيرة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أكد الرئيس الأمريكي على جملة من النقاط تشكل في حيثياتها وتوفر للباحث في تفاصيلها جوهر الاستراتيجية الأمريكية المتبعة اليوم وتحدد السياسة المنتهجة حيال الملفات الساخنة, يتنامى فيها التظهير الأمريكي للتقارب مع الإيراني ويحمّل جزء من المسؤولية لمشيخات الخليج فيما يتعلق بالسياسة الداخلية , إذ أكد أوباما أن أكبر خطر يتهدد عرب الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران, إنما السخط داخل بلادهم بما فيه سخط الشبان الغاضبين العاطلين عن العمل والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم مضيفاً أن " حوراً صعباً " مع حلفاء واشنطن في الخليج العربي سيعد لتقديم دعم أمريكي قوي ضد " الأعداء الخارجيين " لكنه سيقول لهم أن عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية , مضيفاً أن أي إضعاف لـ " إسرائيل " خلال عهده أو بسببه لن يشكل فشلاً استراتيجياً وحسب بل فشلا ً أخلاقياً على حد تعبيره, ومن هذه الزاوية بالتحديد وانطلاقاً من " مزاوجة " أوباما بين الدعم العسكري لدول الخليج في مواجهةٍ يقر فيها أن إيران طرفاً أساسياً فيها, لكنها ليست الخطر الأول, وبين الإضاءة على الخلل الحاصل في السياسة الخليجية الداخلية ,يمكن وضع ذلك في سياق " الاحتواء المؤقت لإيران " وهو ما يشكل جوهر المسار الأمريكي الأول لحين معرفة مآلات ومفرزات المسار الثاني, هذا الاحتواء الذي يدرك فيه الأمريكي أن أي اتفاق مع الإيراني فيما يتعلق بالملف النووي , حتى ولو ضحى الإيراني ببرنامجه النووي بالكامل , لن يكون فيه الدور الإيراني والسياسة الإيرانية إلا عاملاً مساعداً على إضعاف " إسرائيل" نتيجة ما تختزنه إيران من ترسانة صاروخية نوعية , وهي التي لم تجد أي حرج وفي ذروة مفاوضاتها النووية أن تعلن عن تسليمها صواريخ فاتح النوعية لحزب الله , ومن هنا نقرأ ونفهم ما أعلنه يوفال شتاينتس وزير الشؤون الاستخبارية الإسرائيلية عن ضرورة توقيع اتفاق أكثر منطقية من الاتفاق الحالي في إشارة مبطنة إلى ضرورة أن تشمل المفاوضات المحزون الصاروخي الإيراني . يقول أوباما في ذات المقابلة أنه عند التفكير بما يحدث في سورية فهناك رغبة شديدة لدخول الولايات المتحدة إلى هناك والقيام بشيء؟؟ , ولأن التسوية السياسية في سورية يجب أن تأخذ الواقع الميداني بعين الاعتبار بحسب ما أعلنه لافروف , ولأن مخرجات هذا الواقع لم تشكل إلا الخيبات وانهيار المأمول من المنظور الأمريكي , فإن ما تقوده السعودية اليوم يشكل جوهر المسار الأمريكي الثاني, إذ نجحت المملكة " العتيدة " ومن خلال سطوة المال في صياغة جديدها المصنوع على العين الأمريكية , والمعنون " قوة عربية مشتركة لمواجهة التهديدات " وتعهدت بترحيل الخلافات, وتوحيد الجبهات المتخاصمة " تركيا – مصر" إضافة للعمل الحثيث على دمج الأدوات, ولاسيما في الداخل السوري بحسب ما ذكرته دوائر سياسية لصحيفة المنار المنشور بتاريخ 4/ 4/ 2014 , لجهة أن هناك مخططاً تركياً سعودياً قطرياً لدمج " داعش" و جبهة النصرة ودفع أعداد كبيرة منها إلى الساحة السورية والمتزامن أصلا ًمع التحشيد الحاصل على الجبهة الجنوبية , ولعل إقدام السلطات الأردنية على إغلاق معبر نصيب الحدودي وسحب أي تواجد أمني أوعسكري رسمي منه أي تسليمه فعلياً للمجموعات المسلحة إضافة للتطور الحاصل في مخيم اليرموك الذي سيطر فيه تنظيم داعش على أجزاء واسعة منه بتسهيل من جبهة النصرة , يشكل أولى " البشائر " التي تنبىء عن دخول المخطط السعودي التركي القطري حيز " الخدمة " على الأرض السورية , هذا المخطط الذي انبرى إليه التركي لتقديم الدعم المباشر لجبهة النصرة وكان العامل الرئيس في السيطرة على مدينة إدلب تطبيقاً لما بات يجاهر به أردوغان بحسب وسائل إعلام تركية عن ضرورة تشكيل ما يسميه " جبهة سنية " يتنامى خلاله الدور التركي لتطبيق الأجندات الأمريكية , وإن ما حدث في إدلب وما تلاه في مخيم اليرموك إنما يمكن وضعه في سياق العمل على خلق بؤر " إشغال " للجيش السوري ولاسيما في إدلب بهدف الوصول " السلس " للهدف الرئيس من المخطط السعودي الذي تبقى فيه العين مسمرة باتجاه ساحة واحدة فقط وهي العاصمة " دمشق " , وتالياً ما يمكن أن يشكل ذريعة لتفعيل " تدخل القوة العربية المشتركة " فيما لو تمكنت الجموع الإرهابية المسلحة من تحقيق أي خرق أو تقدم على الجهة الجنوبية , هذا التدخل الذي لن يكون إلا في إطار المساندة والمؤازرة . النقطة الأبرز في كل ما يتم تحضيره خلف الكواليس هو ما أعلنته مصادر عسكرية إسرائيلية في المنطقة الشمالية عن نية إسرائيل خوض حرب مع حزب الله أشد من حرب تموز مضيفة أنها ستقع " أي الحرب " , نتيجة ما سمتها التطورات التي تخرج عن السيطرة وهو ما أكدته وسائل إعلام إسرائيلية لجهة أن جيش الاحتلال وبالرغم من الاتفاق الإطاري النووي مع إيران فإنه يستعد للمواجهة . ما بين مساري واشنطن في الاحتواء والتصعيد , تبقى عيون " الذئب " الإسرائيلي جاحظة ً جداً ترقب وتتحين الفرصة المناسبة للانقضاض , وإكمال ما انتهت إليه " الضباع " في الداخل , فهل تستمر جبهة المقاومة في تعزيز الاستراتيجية الدفاعية لمواجهة الأخطار القادمة , أم تعزز تحالفاتها بصورة أكثر فاعلية لمواجهة " الذئب " قبل وصوله .
* كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية.