لا تراجع عن المشروع العربي في مواجهة الإرهاب

لا تراجع عن المشروع العربي في مواجهة الإرهاب

تحليل وآراء

الخميس، ٢ أبريل ٢٠١٥

ليس إرهاباً فقط ما يمارس على الساحة العربية باسم الدين، وإنما فاشية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبشكل شوَّه الدين والحضارة، وهي تحاول فرض وجودها فكرياً، وسياسياً، واجتماعياً واقتصادياً، وتنظيمياً، من خلال أعمالها الأكثر إجراماً في تاريخ البشرية، بينما يروّج لها حشد إعلامي كاذب واستخباري وعسكري مأجور، يديره تحالف إمبريالي صهيوني رجعي، هيّأ هذه الفاشية وأطلقها غرائزياً من قمقمها لتفعل ما تفعله من تخريب للحياة في سورية، والعراق، ومصر، ولبنان، وباقي دول المنطقة، ودون خوف من عقاب اجتماعي أو قانوني، وتحت زيف فتاوى وأوامر شرعية دينية.
والسؤال الذي يفرض نفسه، هل فعلت المؤسسات الدينية القائمة في الوطن العربي ما يكفي لإدانة هذه الفاشية، بعد كل عمل إرهابي قامت به؟. وهل قامت بما يتوجب عليها دينياً وإنسانياً لمواجهة التشوّهات التي أحدثتها وتحدثها في جوهر الإسلام وخاصة على صعيد قطع الرؤوس، وإحراق الأحياء وحزّ الأعناق.
إذاً، بعيداً عن هذا السجال المؤسساتي الذي يقع على مسافة محيّرة من أفعال المجموعات الإرهابية داعش وأخواتها، ممن لا يريدون أن يفهموا معنى آيات كريمة مثل “لا إكراه في الدين” و”لكم دينكم ولي دين” و”جادلهم بالتي هي أحسن”  و”إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين” و”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، الأمر الذي يتطلب موقفاً واضحاً وحازماً من هذه المؤسسات في مواجهة الإرهاب وصنّاعه وداعميه.
واليوم تتصاعد المواقف إقليمياً ودولياً حول ضرورة الحسم مع الإرهاب، بينما يتضارب بعضها حول سر النيات الأمريكية في مواجهة الإرهاب، والسؤال كيف لا تتضارب، ويذهب التفاؤل، وأمريكا لا تخفي فرحتها بالنزيف العربي إرضاء لحلفائها في المنطقة، كيف لا تتضارب، والكيان الصهيوني يستمتع بتدمير الجيوش العربية في سورية، ومصر، والعراق، وباقي البلاد العربية، وكيف لا تتضارب، والمستهدف إسرائيلياً هو محور المقاومة الممتد من إيران إلى فلسطين، عبر سورية ولبنان، وأخيراً، كيف لا تتضارب، والتحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي يسعى إلى إفشال المبادرة الروسية في حل الأزمة السورية سياسياً.
أمام ذلك، تتظاهر أمريكا بعدم ممانعتها إحباط مشاعر حلفائها الإقليميين، المهزومة أمام صمود سورية في مواجهة الإرهاب، وتترنح معارضة التدخل والعمالة، وتزداد تشرذماً وانقساماً لتصبح متسوّلة موزعة الولاء بين مشيخات وأنظمة السعودية وقطر وتركيا و”إسرائيل”، بعد أن أصبحت عسكرياً في طريقها إلى الانقراض على مستوى الداخل السوري، وبعد أن كشفت عن حقيقتها الرخيصة ليس على مستوى الشعب السوري فقط، وإنما على مستوى الشعب الأمريكي، وبعد أن فنّد “فورد” السفير الأمريكي السابق في سورية طبيعتها الدونية الدنيئة، الأمر الذي يؤكد استمرار الإدارة الأمريكية في إدارة الأزمة السورية على نحو من الربح والخسارة تحت ضغط حلفائها الإقليميين ونزولاً عند رغباتهم، أملاً في أن تشاهد خصمها الأول روسيا وهو يتخبّط في المنطقة، ويستنزف رصيده السياسي، كي يمتنع عن أن يستمر في إحياء الدولة السوفييتية العظمى، عبر مشروعه الأوراسي الذي يتعثر في أوكرانيا.
كل هذا يشير إلى أن الإدارة الأمريكية ليست على عجلة من أمرها في إنجاز تسوية سياسية للأزمة السورية، قبل أن تخرج روسيا وإيران من دوامات النفوذ في المنطقة، وقبل أن تتمكن من بسط نفوذها الكامل.
وحتى تحقق غايتها هذه تستمر مع حلفائها في دعم “داعش” وأخواتها، لتصبح المستفيد الوحيد من حالة الفوضى التي خلقتها في المنطقة، الأمر الذي يؤكد أن مبلغ 8.8 مليارات دولار الذي رصده أوباما لمحاربة داعش، لن يكون لإزالة داعش من الوجود، وإنما للمحافظة عليها ودعمها، وعبر وقائع يؤكدها دور الائتلاف الأمريكي الموجّه ضد الإرهاب والذي هو في حقيقته لدعم الإرهاب وليس لمحاربته.
من هنا نستنتج أن الممانعة الأمريكية في حل الأزمة السورية المترافقة مع التحريض على إغلاق كل المنافذ التي تتيح للسوريين حل أزمتهم بأنفسهم، ما زالت سياسة معتمدة من الإدارة الأمريكية، وهي واضحة من خلال ضغوط هذه الإدارة على تبعيتها من المعارضة السورية، بعدم الحضور إلى موسكو للمشاركة في الحوار السوري السوري، لأنها لا ترغب بهذا الحوار، حتى لو شاركت روسيا فيه، وهذا ما أوضحه “لافروف” وزير الخارجية الروسي، ومع أن الإدارة الأمريكية باركت حوار موسكو بين الدولة والمعارضة، وأيدت اقتراح المبعوث الدولي للأمم المتحدة “دي مستورا” بتجميد القتال في حلب، ولم تمانع أي نشاط دبلوماسي يقوم به أي طرف لحل الأزمة السورية، لكن هذا بمجمله لا يأتي في إطار الرغبة الأمريكية في حل الأزمة، وإنما يأتي في إطار إضعاف جميع الأطراف تحقيقاً للمصلحة الأمريكية الإسرائيلية.
وسيبقى الموقف الأمريكي على هذا الحال من الغموض والمراوحة، طالما لم يصل الإرهاب إلى البيت الأبيض، أو لم يصبح أمن إسرائيل على حافة هاوية، عندها ستعلن أمريكا موقفها بوضوح، وفي مثل هذه الحالة، إما أن تلجا إلى التصعيد العسكري ضد سورية إرضاء لحلفائها، أو تفرض على هؤلاء الحلفاء الحل السياسي، سواء أكان هذا بمبادرة روسية أم بواسطة جنيف /3/ أم بغير ذلك، الأمر الذي يؤكد الابتعاد الأمريكي المؤقت عن إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية، بالإبقاء على ما هي عليه، وهذا تشير إليه الحالة الإقليمية المتشعبة والمتداخلة مع الأزمة، كما تشير إليه الخلافات الأكذوبة داخل الدول الخليجية، بحجة دعم مصر، أكان ذلك في مواجهة الإخوان المسلمين، أم بحجة التدخل المصري في ليبيا، والذي يستهدف في الحالتين تدمير القدرات  المصرية إرضاءً لإسرائيل.
وإن حدة المنافسات التي أصابت بالشلل ما يسمى الائتلاف الوطني السوري، بعد أن أصبح لكل من السعودية، وقطر، وتركيا، وإسرائيل جماعاتها من المعارضة السورية، تكشف طبيعة الموقف الأمريكي تجاه هذه الأزمة، والمرحّل منها إلى ما بعد رئاسة أوباما، الأمر الذي يؤكد عدم وجود قرار أمريكي جاهز في وضع الحلول لها، وحتى لو وجد مثل هذا القرار لكانت ملامح الارتياح واضحة من تصرفات حلفاء أمريكا في المنطقة، ولكانوا أصبحوا أكثر شراسة في مواجهة الجيش العربي السوري، الذي يحقق المزيد من الانتصارات في شمال سورية وجنوبها، مسبباً المزيد من  الهزائم للإرهابيين، كما تكشف طبيعة هذا الموقف الأمريكي أيضاً معاملة إدارة أوباما لبنيامين نتنياهو أثناء زيارته الحالية لأمريكا، وعدم استقباله له، الأمر الذي يؤكد تصميم الإدارة على ربط الأزمة السورية بالملف النووي الإيراني، وبالمفاوضات بين إيران لتبقى المنطقة من الآن حتى الانتخابات الأمريكية في العام القادم في حالة جمود، وبالتالي ستتعثر التفاهمات الإقليمية، وسيزداد المشهد تعقيداً، والإرهاب اتساعاً، وسيبقى نهر السلاح متدفقاً، يصب في كل الساحات العربية المشتعلة، وربما تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية إذا ما ازداد التدخل العسكري التركي في شمال سورية.
وعلى كل عاقل أن يدرك أن التحالف الأمريكي لمحاربة الإرهاب لن يخفف من الإرهاب، بل سيزيده تصعيداً، ليكون الأكثر وحشية عبر التاريخ، وسيبقى العرب في مواجهة الأخطار الإرهابية ما لم يولد المشروع العربي المقاوم في مواجهة الإرهاب، المشروع الذي لابد من تبنيه من المؤسسات العربية الحكومية وغير الحكومية، الدينية وغير الدينية، وعلى مستوى الوطن العربي، وبهدف تدارس مسألة التطرف الديني، وتحديد موقف موحد في مواجهته بعد أن تسبب بقتل مئات الآلاف من الأبرياء، وهجّر الملايين، وما زال لغزاً تتبادله وسائل الإعلام.
إن ما تحتاج إليه الأمة العربية إبراز مخاطر هذا التطرف على الدين والدولة والمجتمع، كي يتمكن الشعب العربي من محاربته، وطيّ صفحته الفكرية، والاقتصادية، والعسكرية، لأن كل إنسان في هذا العالم مسلماً أو غير مسلم، يشعر بمخاطره ويحتاج إلى رجاحة عقل، وحس إنساني، كي يفرق بين أفراده وسائر أفراد المسلمين، وما أكثر الذين سينتصرون للمؤسسات العربية الدينية وغير الدينية في محاربة نزعته التكفيرية، ممن يمتلكون القدرة العلمية والفكرية، على مستوى الوطن العربي والعالم.
د. سليم بركات