الشاعر القروي من المهجر إلى الشام (3/3).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الشاعر القروي من المهجر إلى الشام (3/3).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الاثنين، ٣٠ مارس ٢٠١٥

في المهجر تعرّف القرويُّ الشاعرَ الإسباني الكبير (فرنسيسكو فيلاسبسا) غداة زيارته مدينة (صنبول) محاضراً في أشهر مجامعها وأنديتها العلمية والأدبية، منوّهاً في كلّها بأمجاد الأجداد العرب في الأندلس، مباهياً بانتسابه إلى " أمتنا الكريمة باذرة أصول العلم والحضارة في أوروبا، مما بيّض وجوهنا أمام الغربيين وحمل الرابطة الوطنية السورية على إحياء حفلة تكريمية له. وقد كتب القروي قصيدة " تحية الأندلس " بهذه المناسبة. منها قوله :
 خَبِّرينا كيف نُقريكِ السَّلاما
 طيِّبَ النشر كأنفاس الخزامى
 يا ابنة الزهراء يا أندلسيّهْ
 لم نزل فيك من المجد بقيّهْ
 هذا التغني المكلوم بالأمجاد لم يصدر عن حنين مرضيٍّ، بل كان بمنزلة تذكرة تفيد بأن الذين صنعوا تلك الأمجاد مستمرون فينا ؛ نحن حفدتهم ونحمل مورثاتهم، وإنه ليسعنا أن نستعيد ما سُلبَ منا ونصنع مجدنا، ونعيد إلى التاريخ اعتبارنا. فتعالوا نبدأ معاً :
 أصابعُ كفِّ الحرِّ في العَدِّة خمسةٌ ولكنها في مَقبضِ السيف واحدُ
 
  القرويّ في الشام
 إيمان القرويّ بالعروبة لغةً وحضارةً منبثقٌ عن إيمانه الكليّ بالله وملائكته وكتبه ورسله. غير أن الظلم الذي عانته أمته من الاستعمار المسيحاني اليهوداني الذرائعي الغربي شكّل لديه موقفاً عاتباً من المسيح الذي غرّبَه الاستعماريون وجعلوا – باسمه وبرموزه – يسيمون الناس الخسف. يحتلون ديارهم، وينهبون ثرواتهم، ويدمرون تاريخهم وتراثهم. ولاحترامه للسيد المسيح الحاضّ على المحبة والسلام خاطبه بحرقة المؤمن المظلوم بهذا القول:
 
 أنْتَ يا ابن الله سوريٌّ صميمٌ
  أفناسٍ يا تُرى أم تتناسى
 أنتَ إنسان جعلناك إلهً
  أفلا تجعلُنا في الناس ناسا !!
 ليس بخافٍ أن بريطانيا المسيحانية سلمت فلسطين لليهود المستوردين إليها، وفرنسا المسيحانية أيضاً فعلت في أقطار المغرب العربي ما فعلته بمشرقه، وإيطاليا المسيحانية كذلك فعلت ما فعلت بليبيا... فكيف السبيل إذاً إلى الخلاص ؟ السبيل هو الجهاد، هو المقاومة لا المساومة على الحق الواضح المبين، وهذه السبيل تحتاج إلى توحيد الصف ووحدته ؛ وها هي البشائر تلوح في الأفق. سورية ومصر غدتا بلداً واحداً, شعباً واحداً، رئيساً واحداً، وثمة مَدٌّ شعبي هائل يقف مع هذه الوحدة النواة. وقد سعى الوحدويون لاستقدام صناجة العرب في العصر الحديث من المهجر إلى الوطن، وقد كان ذلك على متن الباخرة (محمد علي الكبير). وفي نيسان من العام 1959 كان في دمشق. وخلال المهرجان التكريمي الذي أحيته له مدينة دمشق على مدرج الجامعة ألقى قصيدة بعنوان "عودة الشاعر" مؤلفة من خمسة وتسعين بيتاً، وفي مطلعها خاطب القرويّ نفسه بقوله:
 حتّامَ تحسَبُها أضغاثَ أحلامِ    سَبَّحْ لربِّكَ وانْحَرْ أنتَ في الشّام
 نعم ! عاد إلى الوطن بعد غربة عنه دامت خمساً وأربعين سنة. عاد من (سان باولو) في البرازيل، المدينة التي يكتبها حيثما وردت في شعره أو نثره، يكتبها (صنبول) ؛ عاد منها إلى الوطن الذي أحبّ وتغنّى. تحقق حلمه في العودة وقد كان يظنّه ألا يتحقق ؛ لكن حلمه في الوحدة لم يتحقق، فقد عاش قرناً من الزمن على أمل تحقيق هذا الحلم، ثم رحل.. رحل والحسْرة تحزُّ وريده. أغمض عينيه على عرب صاروا أيدي سبأ ؛ إلا أن الأمل ظل مرسوماً على جبينه يرحمه الله.