من المسؤول عن سقوط إدلب؟

من المسؤول عن سقوط إدلب؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ مارس ٢٠١٥

 لقد سقطت مدينة إدلب أخيراً، بعد هجمات متواصلة لقرابة عشرة أيام، وبعد حصار وتضييق استمر لأكثر من عامين. فمن المسؤول؟ سؤال سهل، وعنوان مشوق، سيدفع البعض لقراءة هذا المنشور بشغف بحثاً عن الشماعة التي سيعلق ما حصل عليها. المسؤول عن سقوط إدلب هم السوريون جميعاً. ومن يحاول إلقاء المسؤولية على الإعلام أو على الجيش، أو يروج لصفقة، هو إنما يحاول الهروب والاختفاء خلف إصبعه.

بدايةً، القوات «السورية» التي قاتلت في مدينة إدلب قاتلت حتى أخر لحظة لتؤمن أولاً انسحاب المدنيين، الذين زاد عددهم عن 13000، لمنع وقوع مجزرة في صفوفهم، كان المهاجمون قد توعدوا بها مطولاً (ونفذوا فعلاً اليوم إعدامات ميدانية بحق ستة عائلات على الأقل من المحسوبين على أنهم موالون للدولة السورية) ولتؤمن ثانياً انسحاب المقاتلين أخيراً لتمنع وقوع مشهد شبيه بالمشاهد التي أعقبت معارك الفرقة 17 أو مطار الطبقة. لم يكن هناك أي تقصير في التعامل العسكري مع المهاجمين. لم توفر حتى الصواريخ البالستية التي استعملت بكثافة إلى حد أن أحد الصواريخ سقط في الأراضي التركية. والبارحة فقط نفذت عشرات الغارات الجوية بالطائرات القاذفة للقنابل، وخرجت السوخوي 24 بحمولتها الكاملة البالغة ثمانية أطنان من القنابل. علماً أن مساحة مدينة إدلب تتراوح بين 5 و 5.5 كيلومتر مربع كان القتال مركزاً، حتى صباح اليوم السبت، في مساحة لا تزيد عن ثلث المدينة. خسائر فادحة جداً وقعت في صفوف المهاجمين، الذين أصر مشغلوهم على أن يستمروا بالهجوم بأمواج بشرية متتالية. ما الحل العسكري إذا كانت القوات المهاجمة بالألوف؟ لاحظوا أن أحداً لم يعد يتكلم عن استعمال الجيش السوري للكلور لصد المهاجمين، وهذه فرصة لكشف كذبة أخرى. كان العامل الرئيسي الذي جعل مهمة الدفاع عن المدينة شبه مستحيلة هو استيلاء المهاجمين على الأبراج السكنية العالية، في شرق وغرب المدينة، مماسمح بنشر القناصين واستهداف مساحات واسعة من المدينة.

ثانياً، بالنسبة للإعلام، فماذا يتوقع الجمهور الذي يقضي وقته في المقاهي وأمام صفحات الفيسبوك الزرقاء؟ الجميع ينتظر خبراً سعيداً ولا أحد يريد أن يسمع خبراً يطلب منه التحرك أو تحمل المسؤولية. ماذا سيكون رد أولئك النواحين لو خرج الإعلام السوري ينوح ويندب سقوط إدلب ويطالب المواطنين بالإسراع لنجدة ما تبقى من المدن والقرى (تخيلوا الفكرة واحتفظوا بالإجابة لأنفسكم). في الأيام الماضية كان للندب والنواح موضوع آخر وهو موضوع «الخبز الأسمر». من يندب وينوح لأنه، بعد أربع سنوات من حرب مريرة، اضطر لتناول الخبز الأسمر، لايحق له أن يقول إن المقاتلين قد تقاعسوا أو قصروا. فمن لايطيق الصبر على تناول الخبز الأسمر لايحق له أن يتهم أحداً بالتقصير. في جعبة الخيارات العسكرية الحالية لم يبق هناك سوى إعلان التعبئة العامة ومن هو مستعد لذلك فليطالب به.

ثالثاً، بين ظهرانينا بعض الأبواق الإعلامية، التي يفترض أنها تدافع عنا، والتي روجت اليوم، عن جهل أو عن قصد وسابق تعمد، لمقولة التخلي عن مدينة إدلب وعن بصرى الشام مقابل صفقة! أن يسوق أحدهم اتهاماً بالتخلي عن موقعين في أقصى الشمال وفي أقصى الجنوب فهذا له معنى واحد فقط وهو اتهام القيادة العسكرية السورية العليا فهي وحدها من تملك إصدار الأوامر في هذين الموقعين، ومن يملك أن يقوم بعقد صفقة!! كان الأجدر بمثل تلك الأبواق أن تكشف عن الدولة التي سمحت لتلك الألوف المؤلفة من الإرهابين بالتدفق ومهاجمة إدلب. كان الأجدر بذلك البوق أن يطالب الجهة التي يدافع عنها بعدم استقبال رئيس تلك الدولة المسؤولة عن الهجوم على إدلب!

أخيراً، لن يكون هناك من هو أحرص من السوريين على أرضهم وعلى السوريين اتخاذ كل القرارات الكفيلة بالحفاظ على هذه الأرض، كاملةً وموحدةً.