اليمن المستنقع... من وقع السعودية أم إيران؟

اليمن المستنقع... من وقع السعودية أم إيران؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ مارس ٢٠١٥

 عباس ضاهر
فرضت أحداث اليمن صورة ضبابية زادت من تناقضات المشهد الإقليمي-الدولي. كيف ركّب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيون تحالفاً بسط سيطرته سريعاً على معظم اليمن رغم التباعد التاريخي بين الفريقين؟ من رتّب سريعاً بالمقابل التحالف الخليجي-العربي مع تركيا وباكستان لإجهاض الواقع اليمني الجديد؟
تجاوزت أنقره سباقها مع الرياض، وقفزت فوق علاقتها الطيبة مع طهران الى مرحلة الاتهام المباشر لها "بمحاولة الهيمنة على الشرق الاوسط"، ولم يقف الاتراك هذه المرة عند التركيبة المصرية "الانقلابية" بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي المتحالف مع السعوديين-عدو "الاخوان المسلمين". فجأة بسحر ساحر إجتمعت التناقضات الإقليمية تحت عنوان تحالف ضد "الحوثيين" وعملياً ضد الإيرانيين.
قد يسأل المرء: هل التحالف هو رد على مشروع الاتفاق النووي أم رسالة استباقية للأميركيين بعدم القبول بدور إيراني يتمدد من العراق الى سوريا واليمن وساحات أخرى؟
بهدوء، من إطّلع عن قرب على مجريات الميدان اليمني في الأيام الماضية أدرك ان الحوثيين في الواجهة، لكن التقدم العسكري من صنعاء وصولاً الى عدن قادته كتائب الجيش اليمني التي تأتمر بقرارات صالح. فالرئيس السابق أجهض أي محاولة للتفاوض وتحديداً في الدوحة القطرية. كان يدرك ان لا مكان له على الطاولة. علاقته سيئة بالرياض التي منعته من الحضور الى المملكة لتقديم التعازي بالملك عبدالله كمؤشر الى حجم الازمة بين الطرفين. هو يتهم السعودية بأنها خدعته وأجبرته على التخلي عن السلطة. لم يستسغ صالح إبعاده عن الحكم، أو منع نجله أحمد من الوصول الى سدة القيادة اليمنية. إستغل الرئيس السابق التباين بين "الحوثيين" والرئيس عبد ربه منصور هادي وأقنع حركة "أنصار الله" بحسم الامر وإبعاد هادي والسيطرة على زمام المبادرة الميدانية والسياسية والتمدد نحو الجنوب. تريث "الحوثيون" قليلاً لكنهم حسموا أمر القبول بطرح صالح.
لم يُعرف اذا كان "الحوثيون" قبلوا بعد دراسة وقناعة وتوجيه من حليفهم الإيراني، أم إندفعوا كردة فعل على تصرفات خصومهم المدعومين من السعودية. طبيعي أن يستحضر "الحوثيون" تجربة نزاعهم مع المملكة والدخول سابقا الى ما يقارب 200 بلدة فيها قرب حدود اليمن يوم كانوا في مرحلة الضعف. فهل غاب عن حساباتهم حجم المتغيرات الإقليمية هذه المرة؟ في مجالسهم يقول "الحوثيون" انهم أربكوا المملكة يوم كانوا يتواجدون على حدود 35 كلم فقط، لكنهم الآن يستطيعون التحكم بحدود تمتد الى 800 كلم مع السعودية. قد تبدو المعادلة نظرية غير قابلة للصرف الآن في ظل تعاطف قبائل يمنية مع السعوديين وتمدد تنظيم القاعدة على مساحة واسعة تُربك الحوثيين بمعارك جانبية.

أدركت الرياض حجم المخاطر. بالنسبة اليها أمن اليمن من أمنها القومي. لا يمكن ان تقبل بعودة خصمها صالح الى القرار اليمني، أو تحكم "الحوثيين". إن تجاوزت الواقعة يعني ذلك ان ايران أصبحت على حدودها تتحكم بمضيق باب المندب وبالجغرافيا السياسية والنفط. لم تستسغ الرياض دور ايران في العراق، ولا في سوريا، وبالتأكيد لن تقبل بوجود الإيرانيين الى جانبها في اليمن. بالنسبة اليها القضية وجودية خصوصا مع التقارب الإيراني-الأميركي وما سيجره من تداعيات إقليمية.
الخطة السعودية قضت اولا بالرد السريع على مستجدات اليمن. في الشكل تصويب على "الحوثيين". وفي الجوهر استهداف لقواعد صالح العسكرية. فلماذا ضُربت القواعد الجوية أولاً؟
أرادت الرياض قطع التواصل الجوي بين صنعاء وطهران وبالتالي محاصرة "الحوثيين". الامر ينطبق على البحر لفرض حصار يُجبر أولاً صالح على الرضوخ وتحييده عن النزاع، وعلى الحوثيين التراجع. فهل الهدف يقتصر هنا عند رضوخ وقبول بالتفاوض بسقوف متدنية؟ أم أن الحرب مفتوحة؟
حتى كتابة هذا المقال كان التصرف الحوثي يقتصر على التهديد والوعيد فقط. فهل يكرر تجربة المعارك الماضية ويدخل الى المملكة برياً؟ الظروف تغيرت، لكن "الخيارات المفتوحة" عند "الحوثيين" وقد يكون منها الرد القاسي او القبول بالحوار اليمني داخلا ام خارجاً.
يدرك السعوديون ان لا امكانية لإنهاء الحالة الحوثية. لكن هدف الرياض إضعاف الحوثيين وضرب ذراع أساسي من أذرع الإيرانيين.
ما يؤشر الى حجم الاشتباك المفتوح أيضاً تراجع "الحشد الشعبي" في العراق عن المشاركة الى جانب الجيش في حربه ضد تنظيم "داعش" في تكريت.
فكيف ستتصرف ايران؟ هل تمضي بعاداتها السياسية القائمة على الصبر والتمهل والرد البطيء؟ أم أن المرحلة الان تتطلب حسم الاتجاهات بسرعة؟
اذا كان الخيار العسكري وحيداً في ظل شد الحبال، فإن اليمن قد يتحول الى مستنقع للسعودية يشغلها عن الساحات الاخرى ويضعف جبهتها. لكن هل يقتصر على تلك المساحة ام ان حجم الاندفاعة الاسلامية خلف المملكة يدفع بإتجاه تموضعات مذهبية لن تكون لصالح اي طرف وتقضي على الاخضر واليابس. ليست في مصلحة لا الإيرانيين ولا السعوديين. ستنهكهم الحرب المفتوحة وخصوصا اذا تطورت في البرّ. عندها يستغل "داعش" الفرصة ويحقق حلمه بالتمدد الى أراضي المملكة كما يسعى سراً وعلنا. أليست "القاعدة" موجودة في اليمن على مقربة من الحدود السعودية؟!

النشرة