عن القمم والتحالفات الأعرابية بدافع «الرجولة الوهمية»

عن القمم والتحالفات الأعرابية بدافع «الرجولة الوهمية»

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ مارس ٢٠١٥

في علم النفس تبدو أحلام اليقظة كمن يجعل مدمنها مستسلماً لحالة «الفحولةِ الوهمية»، دون أن ننسى أن أهم مسببات أحلام اليقظة هي الإحباط وعدم القدرة على التكيف، والأهم... الهروب، الذي قد يؤدي بالإنسان للشعور بتلك «الفحولةِ الوهمية»، التي لا يلبث أن يخسرها عند أول اختبار. بدأت الحرب على اليمن، لا ننكر أننا لم نستغرب كل ما يحدث، لأننا في الأشهر الثلاثة الماضية حذَّرنا عبر عدة مقالات أن النهاية في اليمن ستكون مستنقعاً دموياً لن يجف بالبساطة التي يتوقعها البعض، فـ«باب المندب» بات كلمة السر، و«السيسي» لم يكن ابن المؤسسة العسكرية المصرية كما كان يتمنى البعض، والأهم أن «محمود عباس» أيَّدَ الحرب على اليمن، ولا نعلم إن كان سيرغب بإرسال طائراتٍ - لا يملكها أساساً - للمساهمة في تخليص اليمن من اليمنيين على الطريقة السودانية. كل هذا يتم تحت ذريعة استعادة «الشرعية في اليمن» من قبل أنظمة تنتمي لعصور القرون الوسطى، وبدل البحث عن حل سياسي يجمع الأطراف كافة وينقذ اليمن واليمنيين من أتون الفوضى والدماء، اختاروا أن يكون الأبرياء وقوداً لما يجري. في خضم هذه الأحداث جاء انعقاد ما تبقى من جامعة «آل ثاني العربية». لم تأت الكلمات بجديد، بل كانت أشبه بقمة «محو الأمية» لما احتوته الخطابات من ركاكة في التعابير، والمعاني. لكن ما ميزها بذات الوقت هو التركيز على فكرة إنشاء قوات عربية لمكافحة الإرهاب. هذا الأمر كان قد شهد منذ أسابيع سجالاً بين تلك الأنظمة بأن تكون هذه القوة «عربية» أم «إسلامية»، تحديداً أن شمولها لمسمى «إسلامية» سيكون له تبعات لا يمكن لهم تجاهلها، أساسها: هل هناك رغبة بضم تركيا؟ إذن ماذا عن إيران؟ عندها قد يسقط الهدف الأساسي من هذه القوة... يتلطى أصحاب هذه الفكرة بالقول إنها - كما الحرب على اليمن - لا تعدو كونها تفعيلاً لاتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقَّعَة منذ خمسينيات القرن الماضي، علماً أن هذه الاتفاقية من المفترض أنها كانت موجهة «أخلاقياً» لحماية الدول العربية من الكيان الصهيوني - وهو ما لم يتم - أو الدفاع عن الدول العربية بوجه أي اعتداءٍ - وهو ما لم يتم - والأهم أن البند الرابع من الاتفاقية يحدِّد القاهرة كمقر للجنة المولجة بمتابعة تنفيذ الاتفاقية، فيما قرار الحرب على اليمن مثلاً أعلن عنه من واشنطن سفير «آل سعود» هناك! إذاً باتت هذه المعاهدة بما يُراد لها هذه الأيام ذات هدف واحد، وهو حماية الأنظمة العربية من شعوبها، باعتبار أن أي تحرك مستقبلي للشعوب المقموعة هو «إرهاب يستهدف الأنظمة» وهذا لا يتم إلا بتبديل العقيدة القتالية، فالكيان الصهيوني استعاضوا عنه بالمد الإيراني، والقضية الفلسطينية استعاضوا عنها بتغذية الأفكار المتطرفة والأفكار المذهبية التي هي بالنهاية - إن فلت لجامها - فستكون أشبه بنارٍ ستحرق الجميع من دون استثناء. الأهم أن تدمير كلّ من الجيشين السوري والعراقي كان هناك ما يوازيه من تحويل باقي الجيوش العربية التي لا تزال تقف على قدميها لـ«جيوش للإيجار»، ويالها من مفارقة أن الجيش المصري الذي يقصف اليوم في اليمن، لم يعد يتعرض لهجمات الجماعات المتطرفة في سيناء! كيف سيتم ذلك؟ والسيسي استقبل «تميم بن حمد» الذي وصل لحضور قمة «شرم الشيخ»- التي سنُسميها عربية أن حضرها العرب - بالأحضان. الأمر الآخر أن الهدف من هذه القوة - إذا نجحت بمهمتها الأولى - سيكون أبعد من اليمن، وتحت عناوين عريضة قد لا تكون سورية بعيدة عنها، تحديداً أن ذريعتهم في اليمن كانت «الدفاع عن الشرعية»، في حين ذريعتهم في سورية ستكون «حماية الشعب السوري». قد يرى البعض أن ما يحدث في اليمن هو ثمنٌ قبضت عليه إيران ما يقابله في الاتفاق النووي المنتظر مع الأميركيين، هي وجهة نظر تبدو قابلة للنقاش حتى ما قبل كلام الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر اللـه بالأمس. في الإطار العام، لا يمكن فصل الحرب التي أقرها «آل سعود» على اليمن عن الحرب التي أعلنتها تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر عبر العصابات الإرهابية التي تدعمها من أجل احتلال مدينة إدلب. في الأساس هما نتاج اجتماعات الرياض السابقة، التي تساءلنا يومها عن سبب غياب نتنياهو عنها، مهما حاول كل من «العدالة والتنمية» و«نظام السيسي» التظاهر بالعداء «المبطَّن»، هو تماماً كتبادل العداء الظاهري بين «العدالة والتنمية» والكيان الصهيوني. بالنظر لكل هذه التطورات كان سقف الرد مرتفعاً جداً بالأمس من قبل السيد حسن نصر اللـه على «المغامرة في اليمن»، تحديداً أن نصر اللـه وللمرة الأولى يخاطب «آل سعود» بهذه الطريقة، فهو لم يخاطبهم بهذا الأسلوب حتى عندما وصفوا حرب «إسرائيل» على لبنان عام 2006 بأنها مغامرةٌ ليست محسوبة للحزب. لكن ما يجب الالتفات إليه وما يجب أن تعيه جميع الأطراف، أن الحروب نعرف كيف تبدأ لكننا لا نعلم كيف تنتهي. تحديداً أن الغارات لا تصنع نصراً، وكيف ستتم «استعادة الشرعية» - كما يسمونها - دون حرب برية؟ فهل سيقوم أبناء «التفحيط ومناسف الكبسة» بذلك، أم إن العملية ستوكل للجيوش التي ستعتاش على أموال النفط، تحديداً أن مشهد الضحايا من الأطفال والنساء قد يؤذِّن لما لا تحمد عقباه حتى في تلك الدول المشاركة في هذا التحالف، فالشعب الذي انتفض يوماً بوجه مرسي، قادر على الانتفاض بوجه السيسي، تحديداً إذا ما استمرت الحرب طويلاً وسط قرار الشعب اليمني «بالصمود»، والأهم أن المستهدَفين الآن استوعبوا الضربة الأولى وهذا هو الأهم، وسط تصاعد التسريبات عن رفض العروض لاستمالة أنصار الرئيس السابق «علي عبد اللـه الصالح»، ما يجعل هذا الأمر أشبه بنقطة ستساهم في توحيد اليمنيين ضد العدوان الذي يتعرضون له، بغض النظر عن الزواريب المذهبية التي يريد البعض تعويمها وصبغها حول طبيعة ما يجري. لكن هل علينا أن نقدم قراءة أخرى لما يجري تحديداً في ظل الصمت الأميركي؟ تبدو حرب «آل سعود» في اليمن هي نوعاً من الهروب، هروب من الفشل في سورية، هروب من الفشل في العراق وهروب من الفشل في اليمن ذاته، كذلك الأمر، هو هروبٌ من أزمة الاتفاق النووي الإيراني الذي كان ولا يزال كابوساً يؤرقهم، لكن هل حقاً أن الأمر بات أكبر من مجرد كابوس؟! يوم الخميس الماضي أقرَّ الكونغرس الأميركي بالإجماع لإجراء «غير ملزمٍ»، يدعو إلى فرض عقوبات فورية على إيران «إذا» لم تلتزم بالاتفاق النووي الذي سيتم توقيعه. بالتأكيد قد يبدو هذا النص غير الملزم بالنسبة لمعارضي الاتفاق ومنهم «آل سعود» وحلفائهم، أشبه بالإعلان الرسمي عن إخفاق الجمهوريين في محاولاتهم لضرب الاتفاق، والتضييق على الرئيس أوباما لمنعه من التوقيع، حتى بتجاوزهم جميع الأعراف السياسية الأميركية، عبر مخاطبتهم الإيرانيين بالقول إن الاتفاق قد لا يكون ملزماً لأي رئيس جمهوري في المستقبل. في الجهة المقابلة، تبدو الولايات المتحدة الأميركية أيضاً كمن يسعى للهروب من هذه الإخفاقات، لأنها وإن كانت لا ترى نفسها منهزمة حتى الآن، فهذا لا يمنع أنها بالتأكيد ليست منتصرة، فهل يكون كل هذا العبث هو نوعٍاً من التمهيد الأميركي لما قد يجري مستقبلاً في المملكة المترهلة؟! مما لاشك فيه أن فكرة تقسيم المملكة ليست بجديدة، لكن هذا الأمر فيما يبدو كان ينتظر حدوث الفوضى لكي تكون الذريعة مقنعة، تحديداً أن هذا النظام بات عبئاً حتى على حلفائه وسط اقتناع الولايات المتحدة بأنها قادرة على ضبط الأمور من خلال البديل المناسب. من كل ما تقدم بدا واضحاً أن حالة «الفحولة الوهمية» ستنكشف عند اختبار الحرب على اليمن، عندها قد يستيقظون من أحلام اليقظة ليجدوا أن الأمور خرجت من أيديهم فلا القمم العربية «المنقوصة» ستنفع، ولا تشكيل قوات مشتركة قد يفي بالغرض، فمبايعة «بوكو حرام» لداعش ليست مصادفة، وانتظار الفوضى لخلق اتصال لـ«الدولة الداعشية الكبرى» لم يعد بعيداً، وعليه فإن ما قبل التدخل في اليمن ليس كما بعده، وعلى الجميع أن يدرك هذه الحقيقة ويساهم في حقن دماء الأبرياء قبل فوات الأوان.