إعدام التاريخ.. بقلم: سمير عربش

إعدام التاريخ.. بقلم: سمير عربش

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٧ مارس ٢٠١٥

أن يعدم إنسان إنساناً آخر.. الأمر شاع منذ فجر البشرية، حين سجل قايين أول جريمة قتل بحق أخيه.
أن تحرم الأديان السماوية القتل.. فالأمر تأكيد على تعميق روح المحبة والتسامح بين بني البشر.
أن تأتي الشرائع والقوانين الوضعية على نصوص واضحة وصريحة، تعاقب القاتل بالإعدام، وحتى الشروع بالقتل في بعض الحالات.. فالأمر نهي وردع وتنظيم للعلاقات بين الناس.
أما أن يحكم على التاريخ بالإعدام.. ثم ينفذ الحكم بلذة كما لذة الوحش الكاسر حين يلتهم أشلاء فريسته، فالمسألة تفوق أي تصور، وتتعدى أي منطق.
أي نوع من المخلوقات.. ذاك الذي يأمر بالقتل ذبحاً أو حرقاً أو بالسلاح الناري، وأي نوع ذاك الذي يستل سكينه ويقطع العنق من الوريد إلى الوريد.. وأي نوع ذاك الذي ينقض على الفتيات والنسوة لاغتصابهن ثم بيعهن بحفنة دولارات وقد عمي بصره وبصيرته أن لديه أماً وأخوات وبنات.
أي نوع من المخلوقات.. ذاك الذي يأمر بتدمير الآثار والأوابد الشاهدة منذ آلاف السنين على حضارات شعوب كان لها دور في مسيرة البشرية، بغض النظر عن سلبيته أو إيجابيته.
أليس ذلك إعداماً للتاريخ.. لكن بأي حق أيها الجهلة بل أيها الوحوش، وهذا هو نوعكم بين المخلوقات، واستدراكاً يمكننا القول: إن للوحش فائدة أكثر منكم، وإن لكل كائن حي فوائد أكثر منكم حتى لو كان نبتة شائكة، أو أي نوع من الحشرات المفيدة..
لكنكم مجرد حشرات ضارة لا مفر من القضاء عليها وإبادتها.
مع بدء الربيع، نحتفل بعيد الأم، ويا للحزن في قلوبنا المدماة، حيث العيد يصطبغ بالأحمر القاني..
فكم وكم ثكلتم من أمهات على أولادهن، وفجعتموهن بزوج أو أخ أو أخت.
كم من أم ناشدتكم بدمعها، واستحلفتكم بالله، ألا تذبحوا ابنها أو زوجها.. لكن سكينكم متعطشة لقطرات الدم.. أما قطرات الدمع فإلى التراب.
كم من قلوب دمت وارتجفت، وكم من ملايين ملايين البشر ارتعدت وغضبت وبكت، وهي تشهد كيف مطارقكم تهوي على تاريخ الحضارات.
إنه إعدام التاريخ.. وإذا جاز لنا القول: إن الحضارة أمّ.. فالأمّ اليوم لا تحتفل بعيدها.