ترقيات على ذوق المديرين .. بقلم: سامر يحيى

ترقيات على ذوق المديرين .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٤ مارس ٢٠١٥

في مقال سابقٍ لي قلت: إن الوظيفة الحكومية ليست ساقية جارية، والحكومة ليست جمعية خيرية، ولم يكن في يومٍ من الأيام من واجبات الحكومة توفير مرتّب بسيط لسد رمق المواطن، إنما الحكومة بغض النظر عن التعريف الرسمي وكما أراها أنا "مجموعة من الشخصيات تتفق على برنامج لإدارة موارد البلاد، وتنظيم علاقاتها الداخلية والخارجية بما يصب بمصلحتها، ويحافظ على سيادتها وأمنها واستقرارها، مستفيدةً من جهد كل أبنائها من دون استثناء أحد، سواء كان مقيماً أم مغترباً.
 منذ سنوات وما زالت تصدر قرارات وتعاميم ومراسيم تخص الموظفين والعمّال بشكلٍ عام، ونجد دائماً تعديلات وتغيرات تأخذ وقتاً طويلاً من الدراسة، ولكنّها تحتاج لتعديل بعد صدورها، رغم وجود وزارة العمل، والاتحاد العام لنقابات العمال، ونقابات مفترض أن تنظّم كل اختصاص ومهنة، إلا أن قانون العاملين الموحّد لا زال يخضع للتعديلات، لأسباب لا تتعلّق بتطوّر البلاد، إنّما بسبب عدم دراسته بالشكل الجدي المستند لمعطيات حقيقة وواقعية، كما صدرت قوانين تخص التوظيف والتعيين والتثبيت ومسابقة تشغيل الشباب، وأولاد الشهداء، ووضع شروط المسابقات وتعديلات تخصّها وتخبّط كثير حصل لا داعي للخوض بتفاصيله، متجاهلين التعاون بين الجهات صاحبة الاختصاص للخروج بقرار واحد موحد شامل متكامل، ما دامت المعطيات المتوافرة صحيحة وسليمة، ونحن لا تنقصنا معطيات كهذه مادام لدينا وزارتا الشؤون الاجتماعية والعمل، والمكتب المركزي للإحصاء، وهيئة تنمية وتشغيل المشروعات، وهيئتي تخطيط الدولة والتخطيط الإقليمي، عدا الوزارات والمؤسسات الحكومية التي بالتأكيد موظفوها هم أبناء هذا المجتمع.. والجامعات باختصاصاتها المختلفة ولاسيّما الاقتصاد والمعاهد العليا للإدارة العامة والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي،..مؤسسات كثيرة وضخمة لدينا، من المفترض أن تكون متعاونة فيما بينها للخروج بنتيجة جديّة للوصول بالطريق الأسرع، والأفضل والأكثر نجاعة في تحقيق استثمارٍ للطاقات البشرية، عبر ابتكار طرق إنتاج واستثمار الموارد الطبيعية والبشرية والصناعية، بشكلٍ يساهم بنهضة البلد بشكلٍ جدي، بعيداً عن البطالة المقنّعة وإرضاء فئة أو أخرى، بناءً على محسوبيات، قد تكون منطقية أو غير منطقية، لكنها بالتأكيد بعيدة عن الوطنية بقصدٍ أو غير قصد، ولاسيّما عندما نسمع عن كوادر كثيرة بمؤسسة من المؤسسات، وبالتالي إنتاجها لا يغطّي جزءاً من نفقاتها ولو كان عملاً إدارياً، نجد مؤسسات لا تستطيع متابعة كل الأمور بحجة الضغط الهائل وعدم وجود عمالة قادرة على العمل، ومؤسسات أخرى تشكو من بطالة لديها، ولا يعمل موظفوها نصف ساعة باليوم، وهذا باعتراف كبار المسؤولين في الدولة والمجتمع، وليس كلاماً يتناقل عبر القيل والقال..
 التساؤل الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا لاسيّما أصحاب القرار، هل الشهيد الذي بذل دمه من أجل الدفاع عن سوريتنا ورفع رايتها عالية، والحفاظ على سيادتها وأمنها واستقرارها، يحتاج أن نتبرع أو نعطي أحد أفراد أسرته راتباً شهرياً من دون عمل حقيقي أو استثمار جدي لجهده وعرقه، وبذلك نكون قد طعنّا الشهيد باعتبارنا دمه بمثابة إعطاء مبلغ مادي شهري ثابت لأحد أفراد أسرته، وأضعنا جهد هذا الفرد من أسرته عبر وضعه بالتأكيد في المكان غير المناسب، بهدف تعيينه دون الأخذ بالاعتبار الحاجة له واختصاصه وما قدرته وإمكاناته..
 نحن لا نحتاج وظائف لدفع الرواتب، ولم تخلق الوظيفة العامة لهذا الهدف، إنّما بهدف بناء الوطن، وتنمية مقدّراته، ولو تم التفكير جدياً وبشكل وطني مستكملين كل المعطيات حولنا، لوجدنا السبل والإمكانات والقدرات التي تعمل على تشغيل الأغلبية القصوى من أبناء المجتمع وتنظيم جهودهم والاستفادة منهم بتحسين الإنتاج، واستثمار أفضل وأمثل للموارد المتاحة، وابتكار أساليب وأفكار جديدة لخلق موارد جديدة، لتبقى سوريتنا متألقة سيدة نفسها تعتمد على ذاتها، لا تتبع لأحد، ولا تحتاج لمنيّة أحد بل تعطي الدرس للآخر، وما زلنا قادرين على ذلك ولدينا كل الإمكانيات، فالشعب السوري قادر على ابتكار أفضل الحلول بأحلك الظروف، فقط عندما نتعاون جميعاً يداً بيد من دون استثناء أحد.. فكيف إذا كانت هذه الجهود هي المؤسسات الوطنية.
إننا مطالبون بإيجاد فرص للعمل مستندةً على دراسةٍ جدية وحقيقية بهدف استثمار الموارد الطبيعية والبشرية وابتكار الأساليب الجديدة لبناء المجتمع وتمكين كل فردٍ فيه من البناء والعطاء، وهذا لن يكون فعالاً إلا بإدماج كافة فئات المجتمع ومؤسساته، لتبنى بشكلٍ منطقي وواقعي لا مجرد إصدار قرار يحتاج لتعديل بعد فترة، ولا اعتبار خزينة الدولة متبرعاً مجانياً لتبييض وجه الحكومة الآني، والذي سينعكس سلباً في المستقبل، بل نحتاج أن تفكّر الحكومة بإدارة موارد الخزينة ونفقاتها بالحكمة والمنطق والإدارة السليمة، آخذةً بالاعتبار كل تحديّات ومعوقات المستقبل ومتطلّباته..
 بالنسبة للفئات والترفيعات والعقوبات وما شابه، إننا نحتاج بكل جدية من أجل أن نضع بالحسبان الشهادة العلمية وهي شيء طبيعي، ومن المفترض ألا يتم المساواة بين كل الشهادات، فمن غير المنطق أن يكون طالب معهد متوسط وثانوية عامة بنفس الفئة الثانية، ولا أن يكون خريج تعليم مفتوح مساوٍ بمرتبته الوظيفية مع طالب قدّم أبحاثاً ودراسات والتزم بالدوام اليومي الذي بالتأكيد استفاد منه بشكلٍ من الأشكال.. ولا أريد من أحد أن يخوّنني ويقول المساواة بين التعليم المفتوح والنظامي، متناسياً أن التعليم المفتوح ما هو إلا جزء من التعليم العام، على سبيل المثال من الخطأ المساواة بين طالب حقوق وبين طالب قسم الدراسات القانونية الذي هو جزء من الحقوق.
بالنسبة للترفيعات، من الطبيعي ألا يتم الاعتماد على الترفيع ليس فقط على رأي المدير المباشر، فما أكثر المديرين الذين لا تكون علاقتهم طيبة مع بعض موظفيهم لأسباب تتعلق أحياناً كثيرة بنشاط وجدية هذا الموظّف، ما يتطلّب إعادة النظر بالترفيعات والمكافآت وفق المردود وما يقدّمه هذا الموظف أو ذاك لمصلحة مؤسسته وزيادة إنتاجيتها، سواء كان إدارياً أو إنتاجياً مادياً، أو فكرياً وبحثياً، وبذلك تنتقل المكافآت والترفعيات من الروتين، إلى العمل الجاد والبناء لمصلحة المؤسسات الحكومية وبالتالي الوطن وأبنائه ككل.. آخذين بالاعتبار أن بعض المؤسسات لا تحتاج لمتقن لغات أجنبية أو كافة فنون الكمبيوتر، فيكفي مثلاً أن يجيد موظفها الطباعة على برنامج الوورد بشكلٍ سريع ليتمكن من الإبداع في عمله، مقابل مؤسسات تحتاج أن يكون موظفوها أو قسم منهم مجيدين لأكثر من لغة ليستمروا بالعطاء والإبداع ومتابعة الجديد للاستفادة منه بما ينعكس على عملهم وعطائهم... وأن يكون خبيراً بكل ما يتعلّق بالتكنولوجيا الحديثة ولاسيّما الحاسب الآلي.
إننا أحوج ما نكون لأن نعيد النظر بكل دراساتنا بالاستناد لمعطيات شاملة كاملة، واضعين نصب أعيننا كافة احتمالات الربح والخسارة، الفشل والنجاح، لسد الثغرات وتعزيز الإيجابيات، ووضع حلول لكافة العقبات المتوقّعة، بالمشاركة مع جميع أبناء المجتمع كل ضمن طاقاته وقدراته وإمكاناته.... وقتها فقط نستطيع الرقي بالمجتمع، والوصول بسوريتنا للمستوى الذي تستحق.