ورقة قديمة جديدة.. بقلم: د. اسكندر لوقـــا

ورقة قديمة جديدة.. بقلم: د. اسكندر لوقـــا

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ مارس ٢٠١٥

حادثة لا يمكن أن تغيب عن بالي. كلما تذكرتها "اقشعر" بدني كما نردد القول في بعض الأحيان. الحادثة تعود إلى العام 1910. تفاصيل الحادثة أن ثرياً أميركياً يدعى "إدوار ماكلين" قدم لزوجته في مناسبة عيد الميلاد، ماسة تقدر قيمتها بمليون ونصف المليون دولار.
وفي سياق البحث عن اسم هذه الماسة وأصلها، تبين أنها تدعى "بلوهوب" وأنها أصلاً كانت من مقتنيات ملك فرنسا لويس الرابع عشر، اشتراها من أحد الهنود أيام حكمه وسبق أن تزينت بها عدة ملكات فرنسيات.
إلى هنا تبدو الحادثة عادية، لأن أحداً لا يحق له التدخل في طبيعة ومستوى علاقة الزوج مع زوجته أو بالعكس ما دامت لا تؤذي أحداً ممن يتابعون مشاهد تقديم ماسة ثمينة ونادرة إلى زوجته خلال حفل أقيم في أرقى فنادق نيويورك يومئذ.
ولكن الذي يستوقف المرء وهو يقرأ النبأ هو الحدث التالي مباشرة بعد خروج المدعوين إلى الفندق، ساعة تجرأ أحد عبيد المستر "إدوار ماكلين" على "سرقة" رغيف وقطعة لحم خلسة من مطبخ الفندق، ربما للاحتفال مع زوجته وأطفاله في مناسبة عيد الميلاد، فكان جزاؤه إعلان طرده من عمله، وتهديده بتعميم اسمه على أصدقاء وأنصار "ماكلين" ما أدى إلى حمل العبد على محاولة رد اعتباره بالهجوم على"سيده" أمام ضيوفه، فكان جزاؤه هذه المرة طلقة من مسدس كاتم الصوت أردته قتيلاً وكأن شيئاً لم يحدث.
في تلك السنة لم يكن نظام الرق والعبودية سائداً في العالم، ومع ذلك وجهت التهمة للقتيل الذي حاول الدفاع عن كرامته، لا القاتل الذي ظهر أن عمله كان "دفاعاً عن النفس". وبطبيعة الحال لم يجرؤ أحد على القول، ولو همساً، بأن سرقة من هذا النوع ليست حراماً، ولا هي جريمة يعاقب مرتكبها بمثل العقوبة التي أنهت حياة هذا العبد الذي لم تنشر وسائل الإعلام اسمه، بل اكتفت بنشر صورة لجثته المرمية على رصيف الشارع.
تلك هي إحدى الصور التي تعكس نفسية الأثرياء، سواء كانوا أمريكيين أم غير أمريكيين، وخصوصاً أثرياء عرب اليوم، وهم يتلذذون بتتبع مشاهد قتل الأبرياء من أبناء سورية، صغاراً وكباراً، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً. ولا أعتقد أن التاريخ سوف يبرئهم من جريمة حرصهم على البقاء فوق كراسيهم مهما كلفهم الأمر، دون أن تحرك فيهم هذه الأحداث شعرة من أجفانهم. وبهذا المعنى تتجدد تفاصيل ورقة العام 1910 يوماً بعد آخر، ولكن ليس في نيويورك بل في دمشق وكل مدن وقرى وأرياف سورية هذه الأيام ومنذ أربع سنوات.
Iskandarlouka@yahoo.com