النصرة.. من ثوب الذئب الجهادي الى ثوب الحمل الأمريكي؟!

النصرة.. من ثوب الذئب الجهادي الى ثوب الحمل الأمريكي؟!

تحليل وآراء

الجمعة، ١٣ مارس ٢٠١٥

المنطقة التي أنتمي إليها وهي منبت جذوري كانت تحمل إسم (وادي النصارى).. إبّان الوحدة بين سورية ومصر تم تغيير الإسم ليحمل إسماً مُلَطفاً ليس له دلالات (وادي النضارة)، ومع ذلك لم يستطع الإسم الجديد والمُعتمد رسمياً بأن يطرح نفسه كبديل.. وبقي اسم وادي النصارى هو الإسم المتداول.. ما ذكرني بهذا هو سعي الغرب لتبديل اسم النصرة بعد تطهيرها الوهمي.. والعذر كل العذر لوضع هاتين المفارقتين داخل شطرٍ واحد.. أثر (النصرة) لا يفنى ولا يزول.
"وأنت ذاهب ستلتقي بأناسٍ كثر، كن لطيفاً معهم، لأنك ستلتقي بهم مجدداً في طريق عودتك".. ما قاله (ويلسون مزنر) ينطبق على النصرة التي تريد تغيير ثوب الذئب لترتدي ثوب الحمل الوديع.. وتطالبنا بنسيان جرائمها وتطرفها.
قبل تضخم داعش ووصولها إلى الموصل ومشارف أربيل، كان لأوباما رأيٌ آخر فيما يسمى بالمعارضة المعتدلة حيث وصفها حينها "باللاواقعية والفانتازية والعاجزة عن إسقاط نظام الأسد"، وبأنّ إدارته أضاعت وقتاً كبيراً في العمل معها.
بعد وصول داعش لمشارف أربيل وما شكله هذا من دفعٍ لأوباما للتدخل السريع في العراق، كان عليه اللجوء لمجلس الأمن لاستصدار قرارٍ أدرج كلاً من داعش والنصرة على لائحة الإرهاب. إلّا أننا ومنذ اليوم الأول لتبني هذا القرار، لم نعد نسمع اسم النصرة يتردد في التصريحات الأميركية، لا بل حتى ائتلاف واشنطن الذي تم تشكيله بغية محاربة الإرهاب، إقتصر على اسم داعش فقط.
بعد وفاة ملك السعودية زار أوباما الرياض معزياً، وكان من أولى نتائج زيارته تحديد موعد للقاء أمير قطر في البيت الأبيض، وموعد أخر لأردوغان في الرياض بعد قطيعة سنوات. وأصبح واضحاً أنّ تبني الأمير تميم مشروع تطهير صفحة النصرة واعلان إنشقاقها عن القاعدة لاستخدامها كـ"قوى معتدلة" هي نتائج هذا اللقاء، والذي كان عنوانه المضحك "الشراكة المتينة ضد الإرهاب"، ليليها بعد ذلك توافق أميركي-تركي على تدريب ما يُسمى بمعارضة معتدلة. هذه القوات التي لا وجود لها سيتم إعادة تدويرها في غسالة مع مسحوق يزيل بقع التطرف عنها، والعودة للتلميح بمناطق عازلة عبر تصريح منسق التحالف (قوات المعارضة المعتدلة ستحتاج إلى حماية).. وهذا فيه مراضاة للتركي الذي ربط أي تعاون له بالموافقة على إنشاء منطقة عازلة.
لذا شاهدنا عملية نقل رفات غير المغفور لتاريخه، وحديث ديمبسي عن إمكانية تدخل قوات برية والذي يتعارض مع المدة التي قررها الأميركيون لمحاربة داعش التي هي ثلاث سنوات، وهذا يعني أنّ أميركا دخلت في لعبة السباق مع الوقت أمام تقدم الجيش على كل الجبهات، ويتعارض أيضاً مع استعداد تركيا نفسها للتدخل برياً بسبب رفض الغرب لاستخدام قواته. فهل تتلاعب إدارة أوباما في الوقت الضائع وتحاول إمتصاص غضب حلفائها ريثما يتم إنهاء الملف النووي...؟ أم أنها تعي حقيقة عدم وجود ما يسمى بالمعارضة المعتدلة وتريد التدخل برياً لتغيير الموازين تحت غطاء دعم هذه الجماعات التي لا وجود لها؟
منذ أيام قليلة، وبعد تبني أمير قطر لمشروع تطهير النصرة، قام الطيران السوري بضرب قياداتها. حينها سارع حلف واشنطن للتبرؤ من ضربها عبر بيانٍ رسمي وهذا كان لافتاً جداً، فهي كل ما تبقى لديه كورقة (معتدلة) خاصةً بعد حل حركة حزم التابعة له ما شكل ضربة قاصمة.
كل هذه التصريحات لا تعدو عن كونها أوراق ضغط أخيرة على الدولة السورية بغية إقحام ما يسمى بالمعارضة التي تدين بولائها لأميركا، في الحكم، وحتى العودة للعب بورقة استخدام الكلور يندرج ضمن أوراق الضغط والتلويح. ولعلّ تصريح كيري منذ أيام أثناء زيارته الرياض لامتصاص غضب حلفائه بشأن النووي يأتي في ذات سياق تهدئة شركائهم في المنطقة، حيث قال: "قد تكون هناك حاجة ماسة لممارسة ضغط عسكري يسقط نظام الأسد".. لكن أوباما يعلم بأنّ اللجوء لعملٍ عسكري خطٌ أحمر فاقع بالنسبة لسورية وحلفائها.
إذاً هو يسعى لتغيير موازين القوى وهذا ليس مضمون النتائج.. وانفكاك النصرة عن القاعدة لن يغيّر في واقع الأرض شيئاً.. فهي لم تتلقَّ سابقاً ضربة واحدة من حلف واشنطن، وتحرك الجيش السوري على الأرض يوضح بشدة بأنه يعمل على تفكيك المناطق الثلاث العازلة المنشودة عن بعضها البعض وقطع طرق إمدادها وتواصلها داخلياً ليسهل ضربها كل على حِدة.